انتصارات الجنوب ومشاهد الحرب المقبلة

انتصارات الجنوب ومشاهد الحرب المقبلة
لثوار الجنوب نكهة خاصة وطريقة عمل مختلفة، إنجازاتهم على الأرض تخبر عنهم، وخسائر النظام الثقيلة تكمّل نصف الحقيقة التي لم يعد بالإمكان إخفاؤها بإصبع كذب إعلام النظام، حينما يتحدث عن جيش" مؤمن" راح يؤدي صلاة العيد في الصنمين فباغتته قوات الثوار بإحتلال تل الحارّة!

امتاز عمل المقاتلين في جنوب سورية" درعا والقنيطرة" بالصبر الإستراتيجي والتخطيط بعيد المدى إضافة الى التقدير السليم وتعبئة الموارد المناسبة، ربما البيئة التي يقاتلون بها فرضت عليهم هذا النمط من الأداء، وإلا فإن مصيرهم سيكون الضياع في سهول حوران الواسعة. وهنا يتوجّب التذكير بحقيقة عملانية مهمة فيما خص تركيبة المقاتلين في حوران فهم من أبناء المناطق نفسها ونادرا ما يتواجد بينهم غرباء.

وتمتاز منطقة الجنوب بتضاريس بسيطة وسهلة يصعب فيها عمل المقاومة لإنكشافها وسهولة إصطيادها، لذا لا بد من اللجوء إلى المهارة في صنع تكتيكات معقدة كعامل تعويض في ميزان القوة الفارق لصالح النظام بحكم إمتلاكه عنصر سلاح الجو الفعال في هذه البيئة التضاريسية.

غير أن الثوار إستطاعوا تجاوز كل تلك العقبات وحرروا المساحة الاكبر من القنيطرة ودرعا، وكانت المرحلة الأصعب هي معارك التلول، وخاصة تل الحارة، الذي يشرف على كامل السهل الحوراني، وكان النظام يرصد كل تجمعات الثوار وتحركاتهم من خلاله، بعد ان تم تجهيزه بمختلف أنواع الأسلحة وأجهزة الرصد، حتى ان إيران نفسها كانت مهتمة بالميزة الإستراتيجية لهذا الموقع لذا لم توفر كل أشكال الدعم في سبيل بقاءه تحت سيطرة النظام.

ولعلّ ما زاد الوضع تعقيدا في الجنوب، أن النظام، وعلى مدار عقود طويلة، كان قد حوّل المنطقة إلى ثكنة عسكرية بإمتياز، وبنى فيها نظاما معقدا من المعسكرات وطرق المواصلات والإتصال بينها، وأقام تحصينات هائلة ترتبط ضمن هيكلية دفاعية تمتد على مساحات هائلة، لدرجة تحولت معها المناطق الحضرية الى مجرد منازل ضمن معسكر كبير، إحتوى على أكبر فرقتين في الجيش السوري، الخامسة والتاسعة، وطريق تغذية الى الفرقة الأولى في الكسوة.

بتحرير تل الحارة، يكتمل تحرير غالبية الشريط الغربي، والتقدير أن يجري تركيز الثوار على المناطق الشرقية من درعا، وتحديدا الصنمين وإزرع، حيث التواجد الكثيف لقوات النظام، غير أن المنطقة من الناحية التضاريسية تعتبر أكثر سهولة من الشريط الغربي لعدم إمتلاك النظام لمواقع مشرفة ومسيطرة إلا في جبل العرب البعيد نسبيا، ومع أن النظام يمتلك كثافة عسكرية كبيرة في هذه المناطق وقيامه بتعزيز المواقع الموجودة فيها بمختلف صنوف الأسلحة، فضلا عن إتباعه لإجراءات حماية معقدة، مثل زرع شبكة ألغام لمساحات واسعة حول تلك المواقع، إلا أن الثوار لديهم مروحة واسعة من خيارات المواجهة، بعد تفرغهم التام للمنطقة، وعلى رأس تلك الخيارات يقع خيار قطع طرق الإمداد، كمرحلة اولى، عن تلك المواقع، من جهة دمشق والسويداء، تمهيداً لإقتحامها في مرحلة قادمة.

ولأن نظام الأسد، بات بوضعية إستراتيجية ضعيفه في منطقة الجنوب، فالتقدير ان ينبع واحدة من ثلاثة سيناريوهات ممكنة لديه لوقف إنهياره في الجنوب.

السيناريو الاول: تعزيز هذه المنطقة بمزيد من القوات لمنع سقوطها، لما لها من اهمية إستراتيجية نتيجة قربها من بوابات دمشق ولكي يحرم الثوار من إمتداد طبيعي للحدود الأردنية، وخوفا من إستعمالها كمنطقة عازلة بحجة تأمين اللاجئين فيها، وهو ما كانت قد لمحت له بعض الدول الغربية في مرحلة سابقة، غير ان النظام يدرك ان تأمين الجنوب قد يكلفه سحب بعض ميليشياته من الغوطة أو القلمون أو من ريف حماة، وتلك مناطق خطرة لا يغامر النظام بإجراء مناقلات بداخلها قد تقلب الأوضاع عليه، وبالتالي فإن هذا السيناريو وإن كان مرغوبا لدى النظام الا ان تحقيقه صعب المنال.

السيناريو الثاني: إشعال قتنة طائفية سنية درزية بهدف إستنزاف قدرات الثوار وإشغالهم عن معركتهم ضد النظام، صحيح أن النظام جرب هذه اللعبة في مراحل سابقة، وتم إحباطها من قبل الطرفين في السويداء ودرعا، غير ان بيئة الصراع هذه يمكن إعادة إشعالها لوجود كم من المحفزات التي يسهل إستثمارها، منها: وجود عناصر غير واعية ومتطرفة على هامش الكتائب المقاتلة، ووجود عناصر موتورة تتيع لوئام وهاب ومستعدة لتنفيذ أجندات النظام، فضلا عن عدم قدرة الطرفين على ايجاد أليات للسيطرة على المنازعات التي قد تحصل، وليس من المستبعد أن يزخّم النظام اوراقه في هذا المجال في هذا الوقت العصيب الذي يمر به.

السيناريو الثالث: إعادة خلط الاوراق، من خلال إستدعاء اسرائيل لإنشاء منطقة عازلة في حوران" شريط حدودي"، وذلك عبر القيام ببعض التفجيرات داخل الجولان بما يضغط على الحكومة الإسرائيلية لسلك هذا المسار، وهذه الوضعية ستكون مريحة للنظام لأنه يستطيع صناعة تفاهمات طويلة الاجل مع إسرائيل يضمن من خلالها سلامته في دمشق وتحييد الثوار نهائيا، وقد مهد النظام لمثل هذا الإجراء عبر إعلامه وإعلام المنظومة الإيرانية حتى ظهر وكأنه يريد زرع هذه الفكرة في عقول الإسرائيليين!.

يعرف نظام الأسد ان معارك الجنوب من اخطر المعارك التي قد تهدد حصنه في دمشق لذا لن يتأخر في إستخدام أي من الرهانات السابقة علّه يوقف تمدد الخطر الزاحف إليه من الجنوب بإصرار وعناد.

التعليقات (1)

    ammar midan

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    للك الله يحميك يا احلا استاذ قومية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات