لعل ازدياد أعداد الحلفاء المعنويين لتنظيم "الدولة الإسلامية"، سواء على المستوى الشعبي، أوغيره، قد زاد من تعقيد المشهد العسكري، أو التدخل الدولي ضد التنظيم- ولو إعلامياً- من خلال تراجع عدد ممن كانوا ضد هذا التنظيم، ويعتبرونه- إلى فترة قريبة- "تنظيماً ارهابياً"، يجب القضاء عليه بأي طريقة كانت، لأن في اعتقادهم أن القضاء على تنظيم "داعش" هو بالضرورة قضاء على نظام الأسد، إلا أن هذا التحالف لم يهدد النظام السوري بإزالته، وإن كان لم يتحالف معه بشكل مباشر، ما أحدث شرخاً بين الأمنيات الطيبة في إنهاء النظام السوري، وبين ما يحصل على أرض المعركة من تحالف غير معلن بين قوات التحالف وقوات النظام في قصف مواقع التنظيم في الشمال السوري من قبل التحالف، وقصف مناطق جنوب دمشق من قبل طائرات النظام، دون تدخل واضح من التحالف لمنع سلاح الجو النظامي من مهاجمة قوات المعارضة المسلحة المعتدلة، التي أعلنت أنها ستدعمها بسلاح ومعسكرات تدريب على الأراضي السعودية!
مع رفض للقوس "الشيعي"، الممتد من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، لهذا التحالف الذي شكك في نيته لمحاربة الإرهاب، حسب تصريح الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، أو رفضه علنياً من مبدأ أن الولايات المتحدة هي العدو، كما جاء على لسان "حسن نصر الله"، الأمين العام لحزب الله اللبناني، وأضاف: ( نحن ضد التدخل العسكري بالمطلق حتى ولو كان لقتال داعش )، وبالتالي مليشيات العراق أيضاً رفضت هذا التدخل، كما اعتبر النظام السوري، من خلال إعلامه، أن أي هجوم دون تنسيق مسبق هو اعتداء يستوجب الرد، إلا أن الهجوم قد بدأ في الحقيقة مع ضوء أخضر أمريكي – خليجي لضم رابع عاصمة عربية للسيادة الإيرانية، دون مقاومة من الجيش اليمني للمعارضة الحوثية التي سيطرت على مراكز الجيش واحتلت صنعاء بالكامل، دون احترام أي تعهدات تم التوقيع عليها، وعلى ما يبدو كانت صنعاء ثمن الصمت الإيراني – الروسي على هذا الاعتداء، الذي روّج له النظام عبر صحافته أن "قوات التحالف بقيادة أمريكا والجيش السوري في خندق واحد لمحاربة الإرهاب"
بدأ تنظيم الدولة الإسلامية يكبّل الدول الغربية (أمريكا وأوربا) بسبب استقطابه للمقاتلين الذين ينتقلون عبر القارات للانضمام لهذا التنظيم، معتمدين على الحالة العقائدية لدى هذا التنظيم، الذي يستخدم، وبشكل بارع، وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة "تويتر"، لجلب مقاتليه الأجانب، الذين جمّدت حركتهم إلى حد بعيد بسبب القوانين الصارمة التي أصدرتها عدد من الدول الأوربية حول بعض ممن يشك بانتمائه لهذا التنظيم، الذي شكل حالة من الرعب للمجتمعات الأكثر ديموقراطية، أو تلك التي تخاف أن يطالها شبح الامتداد القاعدي التكفيري إلى بلدانهم من دول الإقليم، وبشكل خاص دول الخليج العربي، الذين شاركوا، وبشكل واضح جداً، في العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة.
لعل أهم ما يمكن الحديث عنه هو السيناريوهات المحتملة، التي قد تفسر هذا التدخل الغربي في هذه الفترة، ورفضها التدخل في سورية بعد مجزرة الكيماوي، و اكتفائها بتسليم السلاح الذي اتضح فيما بعد أن النظام كشف عن ثلاثة مواقع لم يتم الكشف عنها أثناء التفتيش، وعدم احترام ميثاق منظمة نزع الأسلحة الكيماوية، وربما من أهم السيناريوهات المطروحة هو تنفيذ مقررات مؤتمر جنيف1، على اعتبار أن هذه المقررات الستة واضحة وصريحة، ويمكن التعامل معها، خاصة وأن بند محاربة الإرهاب، الذي يعتبر البند الأول، قد دخل مرحلة التنفيذ، لننتقل إلى بند تأسيس هيئة حكم انتقالية، نظراً لأن مبادرة السيد "نذير حكيم" عضو الهيئة السياسية في الائتلاف تأتي ضمن هذه القواسم المشتركة، وطبعا مع بقاء الأسد في السلطة، وتجريده من الصلاحيات التنفيذية، دون المساس بالصلاحيات الأمنية، وتشكيل حكومة محاصصة أو ربما دمج الحكومتين، على اعتبار أنهما- أي الحكومتين: المؤقتة وتلك التابعة للنظام – هما في حالة تصريف الأعمال إلى الآن، وهذا ما يؤكد عليه الرئيس الأمريكي "باراك اوباما" من خلال قوله أن "الحل في سورية سياسي وليس عسكري"!
قد لا تكون سلسلة الانتصارات لكل الأطراف نهاية للمعضلة السورية، فالانتصار "الداعشي" بالمؤازرة الشعبية بسبب الحرب التي تطال "المسلمين السنّة" فقط دون العمل على إنهاء المليشيات "الشيعية اللبنانية والعراقية"، ومن جديد اليمنية، ما يجعل الالتفاف أكبر، وربما اتحاد بين الفصائل الإسلامية التي كانت تحارب "داعش" مع هذا التنظيم، على مبدأ ( عدو عدوي صديقي ). أما انتصار النظام، فهو في تثبيت شرعيته من خلال الوصول إلى تسوية سياسية، رغماً عن أنف كل الأطراف، وربما يكون جزءاً أساسياً في هذا الحل، إلا أن الانتصار الأهم هو انتصار "أوباما" أمام شعبه الأمريكي، الذي كاد يفقد الثقة برئيسه، وبقوة بلده، فيوجه ضربة قاسمة لخصومه السياسيين في "الكونغرس"، غير أن إيران، وبصمتها المعتاد في الأزمات، هي الرابح الأكبر بسيطرتها على العاصمة العربية الرابعة، إن حيدنا مسقط ،عاصمة سلطنة عمان التي تتبع لإيران بالموقف و المذهب، وتطويق الخليج العربي، الحلم الذي كان حدوثه -إلى وقت قريب من المستحيلات- بالنسبة لكل من إيران والإقليم العربي.
التعليقات (1)