هل غيرت الثورة السورية الحالة الثقافية؟!

هل غيرت الثورة السورية الحالة الثقافية؟!
حتى يومنا هذا، لاتزال جميع المكونات العرقية والاثنية في سوريا تخشى على نفسها، بسبب غياب حالة التجانس والتفاهم الثقافي، باستثناء المكون السني رغم أنه بقي هو الأكثر تضرراً وصاحب الجرح الأعمق. بقي هو المتهم والضحية, وباسمه باتت المجازر والجرائم تتكاثر باطراد.

مُحاربة دور المثقف!

وفي ظل هذه الأجواء تتوضح وظيفة المثقف السوري في تجسيد آليات التغيير وتطبيقها دون استئذان أو خوف. وخصوصا أن عليه أن يحُقق القطيعة مع الماضي الذي صار جزءا من ثقافة عصر الاستبداد للأسف.... لكن انتشار السلاح والرصاص بمنهجية وحرفية بين كافة قطاعات المجتمع, إضافة إلى تهميش دور المثقفين السوريين كورداً وعرباً واشوريين من قبل شخصيات متنفذة, وجد المثقف السوري نفسه عاجز عن تحقيق الهدف والمبتغى. فحمل المثقف السوري هماً مزدوجاً, همَّ وطنه, وهمَّ استعارة القوة من قيادات المعارضة السورية, ليكون نداً لهم. ووجد المثقف السوري نفسه بين مهملين ومتكبرين عن الفكر والثقافة والتأسيس المعرفي, وجد نفسه بين آليات النظام الموغل في القصف والبراميل، وعقلية البعض من أقطاب المعارضة المستمرة في إسكات الأصوات الفتية والشجاعة والحكيمة.

حينها أدرك المثقف السوري بوعيه خطر وعي القيادات السورية سواء النظام أو المعارضة في تحجيم دور المثقفين والمفكرين والكتّاب. وهو أدرك أن قوته وحريته مكبلة, وهاجسه التثقيفي والنهضوي والتنويري يتعرض دوماً للخطر والتهديد والتشويه. وأدرك أن العقليات التقليدية والكلاسيكية تقف دوماً أمام تحقيق النقلة النوعية لتغيير آليات ومضامين الخطاب السوري- السوري. وحين اشتغل المثقف السوري على تغيير الحالة الراهنة, عبر استعارة القوة من القيادات السياسية, أدرك أنه سيعاني كيف يحافظ على ذاتيته ويحميها من التشبه بتلك القيادات, وعانى كيف يحافظ على وجوده الذاتي ضمن غابة من المتربصين بالفكر والمفكرين.

الانتقال إلى حالة الثقافة الوطنية!

إن الاتفاق على ضرورة خلق حالة وطنية مؤسساتية جديدة, يتطلب أولاً وقبل كل شيء البدء بالانتقال من العام إلى الخاص بغية الحديث عن دولة مؤسساتية. وهو ما يستوجب وجود حالات ثلاث..

الحالة الأولى: وهي عمومية في جوهرها, ويتنطلق من رغبة الشعب السوري في الخلاص من حالة الفوضى التي تعانيها أغلب مفاصل المعارضة, والحصول على حالة تتناسب مع سنوات صبرهم وتفانيهم وتضحياتهم في سبيل الهدف الأسمى. والحالة الثانية: موقف خصوصي يكمن في لملمة جراح المعارضة وتأمين مصادر جديدة للدعم والمساندة. أما الحالة الثالثة فهي كيفية خلق حالة متجانسة بين قوميات وهويات مختلفة في خصوصياتها, تعيش معاً منذ أكثر من نصف قرن؟

وفي تقابل العام مع الخاص, وازدواجية الهوية, يزج سؤال جوهري بنفسه إلى ساحة تفكير المثقف السوري: إذ كيف يمكن ربط العمومي مع الخصوصي, وكيف تتجلي خصوصيات القوميات والأعراق في عمومية الدولة السورية؟

وهنا تلعب الثقافة الجمعية التنويرية, وحالة الهويات الجمعية دورها في لملمة الوضع المزري, مع الحفاظ على خصوصية كل قومية وكل هوية. بحيث أن التجلي يبرز عبر حوامل ثلاث هي:

1ـ الحامل الاجتماعي كاملاً وفق ضرورة تقسيم العمل من حيث أن أي دولة جديدة لابد أن تفصح عن آلياتها وبنيتها, والإفصاح عن الإمكانيات التي يمكن أن تبرز في تطور لاحق منها, والبدء بعملية تغيير وتحول اجتماعي أساسها سورية دولة تعددية اتحادية متنوعة الأعراق والقوميات.

2- الحامل الثقافي المتمثل في بنية المجتمع الفكرية عموماً سواء ثقافية دينية أو فكرية, وضرورة وجود فكر فلسفي نقدي تحليلي لخلق مجتمع مبني على قيم واضحة المعالم, شريطة الإقرار بان هذه الدولة الجديدة ليست أحادية الفكر بل تمتاز بالخصوصية القومية والثقافية والفكرية.

3- الثقافة الفلسفية: إن التأسيس لمجموعة الأفكار المنطقية التي تضبط فهمنا للمسألة, من العالم إلى الخاص, ومن الخاص إلى الأكثر خصوصية, لا تزال ناقصة ومبتورة وهي بحاجة إلى مجموعة من الشروط، الأول يعود إلى التاريخ، وهو تقسيم العمل، وتقسيم المراتب، والثاني: وجود مؤسسة ينتج من خلالها السياسي وتحمي حق الممارسة السياسية، والشرط الثالث: إمكانية التفرغ من أجل الإبداع الفكري والثقافي.. بحيث لا يبقى المثقف متسولا!وهذه الشروط بحاجة إلى حامل سياسي وجماهيري.

الإنسان والثقافة في الدولة السورية

المتابع للوضعية الثقافية السورية, يدرك مدى التنوع والتعددية الكبيرة الموجودة في الظاهر, والمقموعة في الباطن من لدن الأنظمة الحكومية. لكن الفرد السوري امتاز على الدوام بسعته الثقافية الكبيرة, وشغفه للوصول إلى أخر الابتكارات, ووجوده في شتى الميادين والمؤسسات والمراكز في متخلف أنحاء العالم خير دليل على ذلك.

أراد الفرد السوري خلخلة البنى التقليدية القديمة فيما يخص حقوق الطفل والمرأة, وحرية التعبير والاعتصامات والتشكيلات السياسية والحزبية والشبابية و....الخ, وما بروز حركات شبابية وتنسيقيات وهيئات محلية إلا خير دليل على دخول الفرد السوري العالم الرقمي والفكري بسرعة فائقة, ومقارنة بالحالة الشبابية في دول الجوار, فإن الفرد\ الشاب السوري كان الأنضج والاميز مقارنة بباقي الحركات الشبابية في باقي الدول, وما عسكرة الثورة السورية مناصفة بين بعض الأنظمة العربية والدول الغربية إلا دليل على عجزها عن كبح لجام الثائر السوري بثقافته ووعيه, فقد رسم هؤلاء واحة للحرية واحترام الخصوصية الفردية والشخصية، ولعل رفع العلم الكوردي في حمص ودرعا وغيرها من المدن السورية، كان دليلا على كسر الشباب للحواجز التي رسمها الكبار.

من ناحية أخرى فإن الاهتمام الكبير بالجانب الثقافي والفكري والتراث السوري بتشكيلاته وتنويعاته وتفرعاته من (عربية، كوردية، آشورية، تركمانية...) عبر مؤسسات ومراكز إعلامية وندوات حوارية شبابية خير دليل على الوعي الفكري والثقافي الكبير الذي امتاز به الشاب السوري.

حتى على المستوى الإعلامي فإن تجربة الوجود الشبابي في فضائية (الأورينت) على سبيل المثال لا الحصر، أثبتت علوا كعب الشباب السوري, وتبوئه مراكز ثقافية وإعلامية مميزة. لكن يبقى السؤال الأبرز لماذا غاب أو يُغيب الشباب السوري عن مراكز القرار السياسي ضمن أطر المعارضة، ولماذا لم يتم تأمين مصادر تمويل ودراسات عليا وخطوات تأهيل الشباب للمستقبل القريب من قبل أقطاب المعارضة؟ هو ما يتوجب على الائتلاف السوري الإجابة عليه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات