ابتلى الله ثورتنا بالعديد من الشخصيات التي تتقن فن الشعوذة السياسية وتحمل إرث الحكواتي الذي عرفته بعض مقاهينا القديمة في ظل غياب الإعلام المرئي، عرف السوريون في مسيرة ثورتهم المباركة عدداً من هذه الشخصيات المثيرة للجدل كهيثم مناع الذي لم تدفعة صور الدم الى الالتزام السلوكي والكلامي ولو بالحد الأدنى تجاه شعب بذل كل ما يملك في سبيل حريته، فاستغل الرجل وجوده في أوروبا ليتنقل بين عواصمها ومحطات التلفزة يطعن الضحية من جديد في كلام يقطر سماً على السوريين أصحاب المصاب، فكم من مرة عرقل السيد مناع إيصال كلمة السوريين إلى العالم.
وعلى هذا المنوال أنجبت مرآة البعث الأخرى عدداً ليس بقليل من الذين اصطادوا بالماء العكر وحولوا أنظار العالم عن مأساة السوريين إلى مجرد مهاترات سياسية لا يشبهها إلا براميل النظام المتشظية، أولئك النجوم المترفين بثقافة القيل والقال سطو بشكل متعمد وعن سابق إصرار على الوقت الذي كان مخصصاً في محطات التلفزة لإيصال صوت السوريين وإذ بهم يتحفوننا بصفتهم محللين سياسيين يشرحون للسوريين المذبوحين كيف ذبحوا وللمشردين لماذا تشردوا، ومثالهم الأكثر شهرة وحنكة هنا السيد ميشيل كيلو الذي مازال يظن أن الشعب السوري الذي ثار على الطاغية، هو شعب أميّ في فهم ألاعيب السياسيين ومازال لا يملك حس المسؤولية في صناعة حاضره ومستقبله، غافلا أن هذا الشعب أبهر العالم بصبره وعناده بل وإبداعه في صناعة ثورة متكاملة المواصفات ونادرة في التاريخ الإنساني، وستكون محور الثقافة الانسانية لمئات السنين القادمة بما أنجزته، يبشرنا الآن السيد كيلو على إحدى محطات التلفزة العربية أن هذه الإسطورة السورية قاربت على الخفوت إذ أن النظام ينتصر وينتصر من حمص إلى حلب فيبرود فدمشق، وقد سبق السيد كيلو برشاقته دبابات النظام ومرتزقة حزب الله متكلا على موهبة الحكواتي القديمة ليعلن انتصارهم في درعا، وما هي إلا مسألة وقت وعلى هذه الثورة السلام..
في يوم ما ابتلع وليد المعلم خرائط العالم، وها هو كيلو يبتلع سوريا محافظة تلو الأخرى بجلسة تلفزيونية وبكلام غير مسؤول يشبه تلك المناشدة القديمة التي قدمها لحسن نصرالله كي يشفي السوريين من الكرب ويتواسط مع بشار الأسد لحل أزمتهم، وإذ بنصرالله يعي أن الشعوذة السياسية هي مصدر إلهام كي يقتحم الحدود ليذبح السوريين بطائفية بغيضة، مدركأ أن سياسيين بنموذج السيد كيلو هم عطايا مدارس سياسية عمرها عقود نمت في ظل مناخ سياسي مشوه كما مقاومته وحزبه الهزيل ويمكن تبادل الخدمات معها بإدراكها أو بدونه. وبذلك استطاع الاستاذ كيلو أن يثقل الثورة على مدى ثلاثة أعوام بتحليلاته المتناقضة والتي كان يصنفها السوريون في قائمة العرض والطلب كمنادي في المزادات، وقد حفظ دوره واستعان بتجربته ليخرج التوصيفات من جيبه الصغيرة وبسلاسة المقامر متناسياً أن هذه المقامرة تجري على دماء الناس.
بالتأكيد لا يجهل هذا النوع من السياسيين مقولة من أين تؤكل الكتف، ويعلمون جيداً أن هذه الثورة الولادة هي ثورة على كل ما ترهل في بلادهم إن كان نظاماً أو معارضة ويا لهم من معارضة!. لكن الاستاذ كيلو وضع هذه المعرفة على الرف ربما لحين الطلب وشكل منبره الديموقراطي أسوة بأولئك الجهابذة الذين أسسوا هيئة التنسيق وهم بدورهم أسسوها أسوة بالجبهة الوطنية التقدمية ورجالها الميامين، لاشك أن الاستاذ كيلو متيقناً كما حسن نصرالله أن حجم المحبطين الذين يبحثون عن كتف تؤكل سيبحثون عن منبره ليشاركوه وليمة البهرجة السياسية التي نمت كالطحلب على دماء شهداء حريتنا، يعلم مؤسس هذا المنبر أن مجرد هاتف وإعلان سيجمع حوله العديد من الأشخاص الذين يتوهمون أن الرجل وبلقاءاته في عواصم صنع القرار قد يغدق العطاءات من بعض المناصب والامتيازات، وفعلا أثبت كيلو أنه صاحب حنكة في قضم الخرئط ويصلح كنظير محترف لوليد المعلم في قراءة النعوات السياسية واستهلاك الوقت، فكان ما كان ودخل إلى الائتلاف الوطني وشارك بطولة المسلسل ووضع اسمه في كلمات الشارة.
ليست المسألة من يمثلنا ومن يترجم شجاعة ثوارنا إلى فعل سياسي مراكماً الانتصارات فوق بعضها للوصول إلى وطن حر كريم بقيمة ذلك الدم الكريم، لكن المسألة هل هؤلاء الرجال قد قرأوا في طفولتهم ومراهقتهم عن شخصيات عظيمة دخلت التاريخ من أبوابه العريضة فتوهموا أن فرصة تاريخية أتتهم على طبق من ذهب لتشاهد الأجيال القادمة أنهم رجال صناعة القرارات الصعبة، فوقعوا في حالة فقدان التوازن حيث نسوا أن من سطر لهم التاريخ كانوا أبناء الأحداث ولم ينفصلوا عن يوميات الناس وهمومهم وبعضهم لم يكمل تعليمه، ولم يضع جريدة تحت إبطه ويتحفنا بمنظره ليفهمنا أنه مثقف، ولم يستعمل سوى اللهجة البسيطة في مخاطبة الناس فدخلت قلوبهم بلا استئذان، ووضعوا أولئك الرجال في مكانهم اللائق كرموز على مر الأجيال، وما أكثر الرموز المشرفة في تاريخ وطننا الغالي الذي زاده عزة آلاف الرموز التي أنارت درب حريتنا في هذه الثورة العظيمة وتوزعت على جغرافيا سوريا، فهل نتعض.
التعليقات (4)