مواجهة إيران بالعقل الإستراتيجي

مواجهة إيران بالعقل الإستراتيجي
على الرغم من رفضها الظاهري بالمشاركة في الحرب على التي تخوضها اميركا ضد داعش، نتيجة رفض واشنطن إدخالها في الحلف، تنخرط ايران بعملية تدخلية واعية تهدف من وراءها تغيير المسارات المستقبلية للحدث، حيث تعكف على صياغة شبكة عملانية على نحو يسمح بضمان إحداث تحولات على صعيد الأهداف النهائية للحرب.

بناء على ذلك تعمل إيران على تكييف الموجودات والمتغييرات وإعادة ترتيب حركة تلك المتغيرات بما يقود الى الوصول للهدف المطلوب وهواعادة تحقيق مشهد مستقبلي مرغوب، هذا يعني ان ايران تحاول الهروب من وضعية الموقف الإستسلامي لقانون الحركة الذي يستثنيها من إمكانية الحضور لحظة إعادة ترتيب الواقع الإقليمي، وتسعى مقابل ذلك الى إعادة تركيب قانون الحركة وفق أهدافها بما يضمن وضعها وسط معادلة الصياغة الجيوبوليتيكية للمنطقة وحصولها على حصة معتبرة.

يقوم العمل الإيراني على إحتمالية مواجهة الإستراتيجية الأمريكية عوائق عدة في عملها ودفعها الى اللجوء للإستعانة بالقوة المنظّمة والجاهزة للإنخراط والتكليف، والتي تمتلك هيكلة وبنية تساعد في إنجاز المهام، وهي القوة التي صنعتها ايران في الاقليم ورسختها على الارض، ميليشيات وأحزاب وتنظيمات، إضافة لمحاولتها إدماج قوة كردستان الى منظومتها القتالية عبر مدّها بالانظمة التسليحية المختلفة.

لا شك أن صانع السياسة الإيرانية يعمل وفق مبدأ الاحتمالية، وذلك إنطلاقا من حقيقة عملانية، وهي ان الحركة الامريكية سوف تنعكس ضمن محيط واسع ينضوي على بيئات خارجية غير متجانسة أحلاف وإئتلافات تحمل فرص ومخاطر عديدة، وبيئة داخلية أمريكية فيها نقاط ضعف وقوة، وهذا التنوع يشكل عامل ضاغط وإرباك للحركة الامريكية ما يؤدي تاليا الى بحثها عن مخارج لمشكلتها تكون حينها طهران هي القبلة المتوخاة، ومن المعلوم أن لإيران تجربتها المديدة في صياغة استرتجيات العرقلة وتعرف أدواتها وكيف توظفها، كما فعلت سابقا مع القوات الامريكية في العراق، وعند تلك اللحظة يتصور صانع القرار الايراني ان يتم اللجوء اليه حينها تعمل طهران على اعادة صياغة المشهد الاقليمي بالطريقة التي تناسبها بعد ان تكون قد زخّمته بمعطيات جديدة.

بالطبع هذه الإستراتيجية تواجهها عوائق عديدة اذ يبدو ان حساسية ايران تجاه التكاليف لا زالت منخفضة بالرغم من ظهور مؤشرات عديدة على إستنزافها، كما ان الهيكلية التي صنعتها صارت تعاني حالة إنهاك وتشتت كبيرة حتى انها اصبحت مثل مكنة عتيقة مفككة الاجزاء كل جزء منها يعمل منفردا ، من العراق الى سورية ولبنان، دون امكانية تحقيق منتج مفيد، اضافة لذلك ثمة متغير جغرافي خطير يتمثل يتحطيم رؤوس الجسور التي صنعتها طهران لتشبيك جسم مشروعها ما أدى لحصول قطوع جغرافية واضحة في جزء كبير ومتواصل من جغرافية العراق وسورية ومن جهة القلمون وغيرها.

تستدعي هذه الإستراتيجية الإيرانية مواجهتها عبر إستمرار سياسة العزل التي تقوم بها اطراف عربية للتأثيرات الإيرانية وإحتواء مكوناتها وخصوصا في بيئاتها وحواضنها، ولا يمكن الركون لعوامل الضعف الظاهرة ذلك أنها اذا ما تركت دون مواجهة يمكن ترميمها وتفعيل ديناميكيتها، والتقدير هنا أن العقل الإستراتيجي العربي سيتعامل مع هذه الحالة بوصفها فرصة لتغيير المعادلات في المنطقة، وليس إنتظار ما ستتكشف عنه التطورات اللاحقة.

على ذلك فإن عملية مواجهة إيران في المدى الإستراتيجي العربي يجب ان تكون خطوة اولى يستلزم اتباعها بنقلات جديدة لا تستبعد الداخل الايراني من حيزالصراع، وهذا يتطلب صناعة سياق متكامل للمواجهة مع طهران عبر رصد توجهات وحركة أفعالها وتحديد نقاط القوة والضعف، بما يساعد على كسر إندفاعها الهجومي وإشغالها في الداخل، وثمة إجراءات كثيرة يمكن القيام بها في مدار الصراع مع ايران، اذ تؤكد الكثيرمن الدراسات الإقتصادية أن تخفيض أسعار النفط بنسبة بسيطة في السوق العالمي من شأنه أن يكون له أثر كبير على مجمل الحركة الإيرانية، صحيح أن ذلك قد يكون مؤلما بالنسبة لدول االخليج العربي، لكنه قد يكون أفعل وأقل خسارة بما لايقارن بشراء كميات كبيرة من الاسلحة. كما انه قد يحمي من مخاطر مستقبلية ويعفي الاجيال القادمة من أثارها، وقد يساعد على تظهير قوى ايرانية جديدة تكون لها رؤية مختلفة للعلاقات مع العالم الخارجي.

أن الأوان للعقل الإستراتيجي العربي أن يعمل بكامل طاقته في هذه المرحلة، لا زال ثمة إمكانية للعمل النافع، بعد ذلك سيكون المجال ممكنا فقط لإزالة أثار الخراب التي ستخلفه إيران في منطقتنا لو تركت تعمل على هواها.

التعليقات (2)

    وهل عقول انظمتنا المتخلفة تفقه ما تقول؟

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    مقال رائع ولكن عليك أن تسأل أولاً هل فعلا بقي هناك عقل استراتيجي عربي يخطط بكامل ارادته؟؟ اليست هذه العقول المتخلفة المنقادة هي المسؤولة عن تغوّل ايران وسيطرتها على العراق واليمن حاليا ومن قبلهم على سوريا ولبنان؟ وهل نجح قادة الدول العربية والنفطية خصوصاً على أي صعيد استراتيجي سوى بتدمير مصالح دول عربية أخرى فقط لمنعها من أي نهوض قد ينافسهم؟

    العرب السنة في مهب الريح

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    كما تكونوا يولى عليكم ‎ (2) (0) التبليغ عن اساءة العرب السنة لديهم تحدي مصيري. في الماضي كانت اسرائيل و الأن إيران. المصيبة أن عدونا الأساسي هو قاداتنا التي تريد البقاء على الكرسي للابد و مستعدة لبيع كل شيء من اجل الكرسي و أيضا لدينا شعوب عربية ذليلة مستباحة و مشتتة. الحج القادم في مكة سوف يكون تحت اشراف و رعاية ملالي إيران لأن الهدف بعد اليمن هو بلاد الحجاز.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات