ماذا تقول دراسة حبش؟!
ولمزيد من الدقة، يروج د. حبش اليوم لنظرية تقول – والكلام بين الأقواس له - :
" في العراق وبلاد الشام يعيش قرابة 82 مليون إنسان، يزيد عدد الشيعة فيهم عن 36% وإذا استثنينا الكرد الذين لهم هم قومي وليس مذهبياً، فالشيعة هنا تقارب نصف الناس، هذا إذا لم نتحدث عن الامتداد جنوب العراق صوب الكويت والاحساء والبحرين والاهواز والامتداد العلوي في تركيا العلمانية بواقع يزيد عن عشرة ملايين تركي، وهذا يعني أن الصراع المذهبي سيكون صراعاً ماحقاً، وأنه لا أمل في انتصار أحد فيه".
ويذهب حبش في دراسته التي تقع في أربعين صفحة، ويحاول الترويج لها، بالتناغم والتنسيق مع أصوات مشابهة أخرى كمعاذ الخطيب ورياض نعسان آغا، إلى أن:
"هناك أربعة أحواض بشرية متجاورة ومتساوية تقريباً تعيش في هذه المنطقة: "إلى جانب إقليم العراق والشام الذي يشكل حوضاً بشرياً مشتركاً في التاريخ والجغرافيا فإنه يجب الربط بالأحواض الثلاثة المحيطة بهذا الحوض وهي إيران وتركيا والجزيرة العربية، ويقيم في هذه الأقاليم الأربعة نحو ثلاثمائة مليون مسلم تقريباً، وهو يعيش في المخيلة الشعبية لأكثر من مليار مسلم عاصمة روحية وعرفانية، وبذلك نكون أمام كتلة بشرية تبلغ 318 مليون إنسان وهكذا فإن هذه الكتلة البشرية الهائلة تتألف تقليديا من 178 مليون سني ونحو 123 شيعي وستة ملايين مسيحي ونحو ستة ملايين من اليهود".
السنة ليسوا أكثرية والأمة ضائعة!
وفي حين تصف معظم الدراسات الشيعة في العالم الإسلامي بأنهم أقلية، يتضح مع الدكتور حبش أنهم في منطقة بلاد الشام والعراق وإيران. هم (123) مليون مقابل (178) مليون سني، ليصل إلى نتيجة مفادها:
"أن المنطقة منقسمة بالمعنى الطائفي للكلمة، وأن هذا الانقسام حقيقي وحاد، والنسب متقاربة، ومن غير الوارد أن نفرض على أي من الطيفين الكبيرين ضرورة الانكفاء في زاوية من الوطن، والدخول في رغبات الجماعة"
ينفي حبش في ورقته هذه أن يكون السنة أكثرية، ويطالب بحوار يعيد توزيع الحقوق على أساس هذه الأرقام والتقسيمات...
وقد جدد حبش نشر هذه الورقة على صفحته على (فيسبوك) وموقع (كلنا شركاء) بعد انتهاء (حوارات البحر الميت) تحت عنوان (المسألة الطائفية وصناعة الأقليات)، والتي شارك فيها سبعون باحثا وأكاديميا من مختلف البلاد العربية بدعوة من المركز العربي للبحوث ودراسة السياسات... .
وتساءل (حبش): "لماذا فشلنا خمسين سنة في الوصول إلى بيت المقدس على الرغم من النضال الذي لم يتوقف على المستوى السياسي والحربي والدبلوماسي"، ليجيب نفسه بأنها "أمة ضائعة ذبحتها مشارط الصراع الطائفي والسياسي" متناسياً السيد حبش، أنه لم يكن هناك نضالا حقيقياً ولا ما يحزنون، وأن نظام الأسد على سبيل المثال، لم يخض أي نضال للوصول إلى بيت المقدس، خلال أربعين عاماً من بقائه في الحكم، وأن كل محور الممانعة تاجر باسم بيت المقدس، ولم يناضل لتحريرها، وأن الأسلحة التي قصف بها الشعب السوري كانت كافية لتحرير (فلسطين من البحر إلى النهر) أو تدميرها على الأقل فوق رؤوس ساكنيها، كما دمرها النظام سوريا فوق رؤوس السوريين!
غسان عبود يخوض السجال: أية أحواض؟!
أقوى ردود الفعل، على هذا الطرح الذي يتردد بإلحاح، وينتقل من ملتقى إلى آخر، جاء من الأستاذ غسان عبود، مدير عام مجموعة الأورينت الإعلامية، الذي خاض حواراً معمقاً على صفحة د. حبش على (فيسبوك) حيث نُشر رابط المقال... مبتدءاً بالتقاط بعض التناقضات التي وردت في مقال حبش، فكانت أولى التعليقات:
"أخ محمد قلت في السطر الثامن: "الطائفية … هذا السرطان الإيبولي الذي ضرب الأمة خلال العقد الأخير وأحال وحدتها وآمالها إلى ركام"!؟ عن جد كانت الأمة موحدة وآخر 10 سنوات العقد الآخير - كما وصفت- فرقها؟! ثم عدت وقلت في السطر 16: " إنها أمة ضائعة ذبحتها مشارط الصراع الطائفي والسياسي"!؟ ارسالك على بر فهل هي أمة موحد حتى ما قبل 10سنوات، أم أنها أمة ضائعة منذ المشروع الصهيوني قبل 70 سنة؟! "
ثم مضى غسان عبود ليناقش أساس النظرية التي يروج لها حبش، فكتب ساخراً:
"حلوة هاي نظرية الأحواض... عجز عنها فوكوياما!؟ شو هالاختراع دكتور متى كان هناك التقاء بين الشام والعراق؟ حتى زمن الأمويين والعباسيين كان أحدهما غالب أو مغلوب، وانقطعت العلاقات السياسية منذ نهاية العصر العباسي، عدا (الموصل) لأنها كانت من أتبعيات بلاد الشام قبل سايكس بيكو!؟ ولو أخذنا فرضيتك على محمل الجد واعتبرنا الصلات التجارية وبعض شذرات سنوات من التاريخ اجتمع بها البلدان ومصر هذه أليست من بلاد المشرق العربي وتشكل حوضا خامسا كما زعمت بالأحواض أم من بلاد المغرب العربي؟! والتاريخ يؤكد أن بلاد الشام ما التقت مع الإيرانين منذ نحو 2500 سنة في حين أن مصالح بلاد الشام كانت دائمة وغير منقطعة مع تركيا ومصر ولا تزال!؟"
وقد رد السيد حبش على هذه النقطة بالقول:
"لم نتحدث عن وحدة وتكامل.. إنما تحدثنا عن علاقات تعايش معقول منذ سقوط حكم الشاه حسين الصفوي 1722 الى الحرب العراقية الايرانية 1980 ونظريا فقد تأجل الصراع السوري الإيراني إلى السنوات الاخيرة.... أما معرفة العلاقات التاريخية بين السوريين وسكان الحوص الايراني - لم اقل الايرانيين- بل قصدت الذين سكنوا هناك لان كثيرا منهم غير ايرانيين، ولمعرفة ذلك يكفي ان نقرأ تاريخ دمشق لابن عساكر وهو اكبر كتاب في تاريخ دمشق، يذكر فيه نحو 120 رازيا ونحو اربعين اصفهانيا ونحو ثلاثين مشهديا وقزوينيا وشيرازيا ... وآخرين من الاعلام الذين علموا في دمسق او تعلموا فيها اوكتبوا عنها..... ويكفي لملاحظة ذلك انه ما من مدينة بالشام الا وهي اسم لعائلة إيرانية كالشامي والحلبي والحمصي وكذلك فان اسماء العوائل السورية المشهورة والكثيرة تحمل أسماء المدن الايرانية مثل عائلة الاصفهاني والاصبهاني والكرمنشاهي والشيرازي والقزويني والتبريزي والرازي والجرجاني والطبراني والطبري ....ويكفي ان نعلم ان الستة الكبار المحدثين البخاري ومسلم والترمذي وابو داود وابن ماجه وكذلك المفسرون الرازي والنيسابوري والزمخشري والطبري كلهم تقريبا من سكان الحوض الإيراني والافغاني".
وقد رد الأستاذ غسان عبود ساخراً من هذا الاستغلال لأسماء عائلات أو أفراد لا يمكن أن يسهم في تبديل هويات دول ومناطق بأكملها:
"بكل الأحوال هذه الأرقام التي ذكرتها وكذلك أسماء بضع عائلات أو مفكرين إسلاميين من أصول ايرانية عاشوا في كنف ولايات الخلافة الاسلامية لا يعني شيئاً، ولا يقدم شيئاً. كأنْ مثلا تقول أن هناك 10 آلاف عالم وباحث وبروفسور عربي أو مسلم في أمريكا، فهذا لايعني أن الحضارة الأمريكية عربية أو إسلامية "
أرقام مزيفة أم صادمة ؟!
مسألة الأرقام التي أوردها د. حبش في دراسته كان مثار نقاش وجدل كبيرين... فقد شكلت إحدى ركائز المقولات التي أراد أن يسوق إليها بحثه...... وقد علق الأستاذ غسان عبود محللا الأرقام التي أوردها حبش ومتهماً إياه بتشويه الأرقام الإحصائية لخدمة مشروع سياسي فكتب واصفاً إياها بـ "الإحصاءات الخرافية":
"روق علينا دكتور! من وين جايب هالاحصاءات الخرافية سأكتفي بايراد أرقام السنة والشيعة: العراق 15 مليون لكل منهما، سوريا شيعة وعلويين مليونان وسبعمائة ألف، والسنة نحو 17 مليون، لبنان 1430000 شيعي و180 ألف علوي 1140000 سني، الأردن 1% شيعة و5% مسيحيين و94% سنة من مجموع 7800000 نسمة في فلسطين سنة صافية تماما من أصل 4 مليون في الضفة والقطاع، والبعض لا يذكر من البهائيين فكم تصبح النسبة مستر حبش؟! 19200000 شيعة وعلويين وبهائية مقابل 44500000 سنة. يا دكتور تشويه الأرقام يفقد البحث قيمته!؟ وفي دراسات الإحصاء من المعيب تشويه الأرقام الاحصائية لخدمة مشروع سياسي!؟ فالنسب ليست متقاربة كما زعمت بل هناك فارق يعادل 76% مقابل 24% لصالح السنة هذا في العراق وبلاد الشام! أما في مصر لأن بها 85 مليون سني فهذه تجاهلت وجودها تماماً؟"
ورغم اللغة الاتهامية الواضحة التي كتب بها غسان عبود تفنيده لما أسماه (تشويه الأرقام الإحصائية) وإسقاط مصر من الحساب، لتقليص عدد السنة، وتضخيم عدد الشيعة في المنطقة، والتي يفترض أن يُرَد عليها بقوة، إلا أن حبش رد بلغة تصالحية تحاول تجنب المواجهة فكتب:
"توقعت تماما ان تكون الارقام صادمة.... لأنني أعلم ان الباحثين في بلادنا يستندون الى ارقام سارة ... سواء في الجانب الشيعي او في الحانب السني، وهذا أحد أهم الأسباب التي تقنع الطائفيين بحقهم في تغييب خصومهم وقدرتهم على ذلك........"
لكن غسان عبود رد على هذه اللغة بإعادة التأكيد على (زيف الأرقام) وليس (صدمتها) وبالتأكيد على جوهر الخلل، الذي يحيله حبش دائماً إلى شكل من أشكال "الخلاف البريء" في الرأي... فكتب معلقاً:
"مرة أخرى تجاهلت تماما مصر في النقاشين وأصريت على العيش في وهم الإحصائيات المزيفة بالمطلق، وليس كما تقول صادمة! كما أن الواقع لا يؤكد ذلك، وقد أعطيتك إحصاءات بالأرقام"!
تجزئة السنة وتصوير الشيعة ككتلة واحدة!
والواقع أن هذه الأرقام التي سماها (حبش) صادمة، لدرء التوصيف الآخر عنها وهي (مزيفة) أثارت اعتراض قراء آخرين على صفحته، وقد رد حبش بأنه من الممكن أن تكون الإحصاءات التي اعتمد عليها قد استثنت الأكراد من المكون السني... وقد علق غسان عبود على هذه النقطة، موضحاً عيباً كبيراً من عيوب ورقة حبش، وكيف أدى هذا إلى تلك النسب المضللة، فقال عبود:
" في ردك على أمير عودة تقول: "من المحتمل إنه (الإحصاء) كان بدون الاكراد أو معهم، أو أنه كان يتحدث عن معايير مرتبطة تجعل الإحصاء مختلفاً" في إيران تتجاهل مكونها العرقي الذي يعتبر مسرحا لكل الجماعات العرقية من أكراد وعرب وتركمان وخزر وأذربيجانيين وووو وتتحدث عنهم ككتلة شيعية واحدة صماء؛ في حين في البلاد العربية تقول: ربما الأكراد غير محسوبين؟! هنا التقييم على أساس العرق والدين والمذهب وهناك <في إيران> فقط المذهب"؟!
إسقاط مصر وتجاهل تركيا!
كان موضوع إسقاط مصر من نظرية (الأحواض) المزعومة، من أجل تضخيم عدد الشيعة، إضافة إلى تجاهل العلاقة التاريخية بين العرب والأتراك، ومحاولة طمسها، مقابل ادعاء علاقات عميقة وقديمة مع إيران، إحدى محاور النقاش الأساسية التي تصدى لها غسان عبود في سياق كشف عملية التلاعب الفكري والتاريخي التي تقوم عليها ورقة حبش، فكتب في إحدى تعليقاته يرد على حبش:
"إن بلاد الشام علاقتها بإيران كعلاقتها بالهند أو الصين؛ لكن علاقتها مع مصر قوية جدا في العصور القديمة منذ العهد اليهودي والعصور الحديثة إلى اليوم، وكذلك مع الأتراك (حكم 400 سنة)، نصف عائلات سوريا شمالا وفي الوسط والشرق لها علاقات مصاهرة ودم مع أتراك. فكيف تتجنب مصر في حين تربط اليمن التي تبعد نحو 5000 كم في المشروع؟!"
وقد ادعى حبش في رده... على هذه النقطة، أن الشيعة يعتبرون أن مصر شيعية لكن صلاح الدين أجبرها على اتباع المذهب السني، فقال:
" باحثو الشيعة لديهم أرقامهم السارة الخاصة بهم ... بل لديهم اعتقاد أن مصر شيعية سننها صلاح الدين بالقوة، وحلب شيعية سننها نور الدين بالقوة.... ولذلك لا يرضيهم ما نطرح ويطالبون بالمزيد".
لكن غسان عبود رد على هذا "العرض الحيادي" لوجهة النظر الشيعية من قبل د. حبش، دون مناقشتها بالقول:
"إن كانت إيران تعتقد أن مصر سننّها الأيوبي بالقوة وهذا يعطيهم الحق بها؛ فإيران ذاتها إلى عهد اسماعيل الصفوي، كانت سنية وتعادي الفكر الشيعي، وشيّعها اسماعيل بالقوة والدم والمجازر ليقف بوجه مد الخلافة العثمانية فهل ندعي أن لنا حق بها؟! ما هذا الجنون"؟!
وقد وافق د. حبش في تعليقه أن هذا الأمر (ضرب من الجنون) لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيتصدى لمثل هذا الجنون أم سيستمر في الترويج له كـ (أمر واقع)؟!
مشروع محكوم عليه بالفشل!
لقد كان خير تلخيص لكل ما تهدف له ورقة محمد حبش، وما تحمله من رسائل، ما ختم به غسان عبود تعليقه الذي يجمل الموضوع بالقول:
"بكل بساطة دراستك لها غاية خدمة مشروع سياسيي كتبت بلغة مطاطة وكأنها تحمّل الطرفين مسؤولية الصراع الطائفي في المنطقة، متناسيا الحقائق كاملة: أولها شعار تصدير الثورة الإيرانية الذي رفعه الخميني 1979، وآخرها أن ثورات المنطقة لم تك شعاراتها طائفية، وأن الايراني وأنصاره هم من استجروها بعد عدة سنوات الى صراع طائفي! مشروعكم السياسي محكوم عليه بالفشل لأنه يعطي للإيراني شرعية أن يكون له نفوذ ووصاية على المنطقة بما فيها دول الخليج؛ وهذا يؤسس إلى نار لن تبرد أبدا مهما علا لهيبها. شعوب المنطقة لم تتحمل حكم "الإسلامي السني" فكيف ستقبل باحتلال ونفوذ ملالي إيران؟ ودول الخليج ليست لقمة سائغة، على الأقل هذا ما اتفقت حكومات دول الخليج عليه وكذلك دول العالم ذات النفوذ"!؟
التعليقات (36)