وبدأت الاعتداءات الطائفية والعنصرية على السوريين في لبنان بالظهور إلى العلن بعد انتشار مقطع فيديو على الانترنت، يُظهر عائلة لبنانية تدفع ابنها ذا الثلاث سنوات لضرب طفل لاجئ سوري بهراوة، وانتشر فيديو آخر يُظهر رجل لبناني يهدّد ثلاثة أطفال سوريين لاجئين بالذبح بسكين، واتهامهم بأنهم أعضاء من داعش، في حين كان الأطفال يبكون بشكل هستيري. يبدو أنه لا يقصد ذبحهم ولكن ما الذي أراده من تلك الفعلة الهمجية ومن نشر الفيديو؟
بدأت حملات التحريض والتجييش ضد السوريين قبل ذلك، وساهم فيها إعلاميون بارزون في لبنان مثل طوني خليفة الذي قال" ما بعرف إذا السوري رافض يستقبل مواطنيه، نحنا شو جابرنا نرجع نستقبلهم بلبنان"، كما حرّضت إحدى الاعلاميات على قتل السوريين حين قالت: " على كل لبناني أن يقتل كل سوري يصادفه". وأشعلت مزيداً من التوترات تلك الفيديوهات التي تُّظهر ضباط وعناصر في الجيش اللبناني يقومون بتعذيب وإهانة معتقلين مقيّدين يدّعون أنهم مناهضين للحكومة اللبنانية. وكلّ ذلك تحت سمع ونظر مفوضية الأمم المتحدة للاجئين والمنظمات الإنسانية الدولية التي لم تحرك ساكناً حتى ولو بتصريح!
تحدثت صحيفة (وورلد بوست) البريطانية تحت عنوان " السوريون يعانون هجمات انتقامية في لبنان بعد ذبح داعش جندي لبناني" عن الحملة الهمجية التي يقوم بها لبنانيون ضد السوريين الأبرياء في مخيمات اللجوء ومنهم اللاجئ السوري إبراهيم عباس علي الذي استيقظ وعائلته في منتصف الليل على صوت إطلاق نار خارج خيمتهم في لبنان، وهاموا للمرة الثانية في الحقول هرباً من حرب يبدو أنّها تبعهم عبر الحدود.
أضرم المسلحون الذين هاجموا مخيم مؤقت يضم نحو 200 لاجئ، النار في عدد من الخيام، بما في ذلك خيمة علي وزوجتيه و أطفاله الخمس عشرة، ودمروا ممتلكاتهم القليلة التي تمكنوا أن يحضروا معهم من سوريا، بما في ذلك الوثائق الرسمية وبطاقات الأمم المتحدة للاجئين.
قال إبراهيم "لقد فقدنا كل المساعدات التي تلقيناها من الامم المتحدة وكل ما بقي لنا هي الملابس التي نرتديها".
يبدو أنهم كانوا من بين ضحايا موجة من الهجمات الانتقامية التي بدأت بعد قطع رأس أحد الجنود اللبنانيين الذين أسرتهم مجموعة مسلحة من سوريا في غارة عبر الحدود سابق هذا الشهر. وقد فاقم قتل الجندي الشيعي من قبل متطرفين سنّة التوترات الطائفية في لبنان، التي تعاني من انقسام مرير حول الحرب في سوريا المجاورة.
تعرّض اثنين من السوريين في قرية شمال شرق القاع لإطلاق نار. وفي مدينة صور الجنوبية، فتح مهاجمون على دراجة نارية النار على تجمع لاجئين سوريين دون إصابة أحد. وفي بلدة بر الياس شرق تعرض سوري للطعن في ظهره، وتم حرق سيارة قرية يملكها سوري في بلدة زوطر.
انتشر العنف إلى العاصمة، حيث قام حشد من الشبان بمهاجمة سوريين يحتمون تحت جسر خلال عطلة نهاية الاسبوع، وضربهم بالأيدي والهراوات. ظهرت منشورات في أجزاء أخرى من بيروت تدعو السوريين إلى ترك المنطقة أو "الذبح أو التعذيب حتى الموت."
ليس من الواضح من يقف وراء الهجمات، ولكن معظمها وقع في مناطق ذات أغلبية شيعية. ويقول مسؤولون لبنانيون أنّ مثل هذه الانتهاكات هي من عمل أفراد وجماعات ليست سياسية أو تابعة لمؤسسات الدولة.
شهد لبنان منذ فترة طويلة انقسام حول الحرب في سوريا المجاورة، حيث يؤيد سنّة لبنان الثورة التي يقودها السنّة ضد بشار الأسد ويدعم الشيعة حكومته. وأغضبت حركة حزب الله الشيعية كثير من السنة من خلال إرسالها مقاتلين للقتال جنباً إلى جنب مع قوات الأسد.
ارتفعت حدة التوتر الشهر الماضي عندما سيطر مسلحون من سورية على بلدة عرسال الحدودية اللبنانية لعدة أيام، وأسروا حوالي 20 من الجنود والشرطة وقتل عدة أشخاص آخرين. وطالبوا بالإفراج عن المعتقلين الإسلاميين السنّة في لبنان وانسحاب حزب الله من سوريا.
يُعتقد أنّ تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف هو من يحتفظ بالجنود وقد قطع رأس اثنين من الجنود -شيعي وسنّي -وهدد بذبح المزيد.
أدى مقتل الجندي الشيعي عباس مدلج من وادي البقاع، إلى موجة من عمليات الخطف المتبادلة بين السنة والشيعة في المنطقة. تم الإفراج بسرعة عن الأسرى، ولكن الاختطاف أعاد ذكريات قاتمة الحرب الأهلية في لبنان 1975-1990.
زرعت هذه الهجمات أيضاً الخوف بين أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان، ينظر إليهم كثير من اللبنانيين على أنّهم عبئ على البلد الصغير الذي يبلغ عدد سكانها 4.5 مليون نسمة فقط.
وصف اللاجئون في مخيم بريتال ليلة من الرعب، ذكرتهم بالحرب المروعة التي كانوا قد هربوا منها. وقال محمد درويش إنّ معظم سكان المخيم كانوا نائمين ليلة 6 سبتمبر/أيلول عندما وصل مسلحون يرتدي أغلبهم أقنعة، في العديد من سيارات الدفع الرباعي. وقالوا وهم يطلقون النار "يا أيها الكلاب. نحن قادمون لذبحكم" وطردوا سكان المخيم تحت تهديد النار، فهرب درويش إلى الحقول مع أطفاله الستة. وقال " شاهدنا النار تحرق المخيم ولكن لم يجرؤ أحد على العودة لأنهم كانوا يطلقون النار علينا."
عندما عادت العائلة في اليوم التالي، وجد خالد درويش البالغ من العمر 11 عاماً أن النيران لم تستثني ألعابه. وقال "احترقت الخيمة وكان كل شيء أسود، احترق كل شيء، دراجتي وألعابي والكرة."
قال أحد السكان اللبنانيين من بلدة بريتال أن من قام بالعملية هم "بلطجية ومثيري الشغب" من المنطقة ولا يمثلون البلدة، وطلب عدم نشر اسمه خوفا من الانتقام.
الهجوم الذي وقع في بريتال، والحادث المماثل في بلدة رياق القريبة، رفع قلق اللاجئين السوريين في البقاع، الذين يخشون أن يضطروا إلى الفرار مرة أخرى من العنف والكراهية الطائفية التي اجتاحت بلدهم الأصلي.
قالت فطوم العلّاوي (65 عاماً) الذي فرّ من بلدة الغجر السورية شمال سراقب ويحتمون الآن قرب رياق "نحن نعيش في خوف من التعرض لهجوم، معظم اللاجئين من النساء والأطفال هنا مع عدد قليل من الرجال الذين يعملون في مكان قريب".
وقالت عائشة محمد اللاجئة الأخرى في رياق، التي جاءت من شمال الرقة، التي يحكمها الآن تنظيم الدولة الإسلامية وتتعرض لهجمات متزايدة من قبل الطائرات الحربية الحكومية: "أتمنى أن نعود إلى الرقة ولكن التفجيرات ازدادت، فهربنا من الخوف في سوريا وهنا نعيش في خوف في لبنان."
التعليقات (32)