صلاح الدين الأيوبي وإعادة إحياء المذهب السني

صلاح الدين الأيوبي وإعادة إحياء المذهب السني
يقدم كتاب «صلاح الدين الأيوبي وإعادة إحياء المذهب السني» (بلومزبري) لقراء العربية للمرة الأولى مُترجماً عن النص الأصلي الذي كتبه بالإنكليزية الدكتور عبد الرحمن عزام وترجمه وعلق عليه المؤرخ المصري قاسم عبده قاسم. ويعرض هذا الكتاب صورة جديدة من بين صور تاريخية وأسطورية عدة للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. اختار المؤلف النظر إلى صلاح الدين من زاوية لم يشاركه فيها أحد من قبل عبر إطلالة على الأحداث السياسية والعسكرية والفكرية في ذلك العصر من نافذة صلاح الدين الأيوبي نفسه. ومع أن الكتب التي كُتبت عن صلاح الدين، في عدد كبير من اللغات، وعلى مر الأزمنة، كثيرة في شكل يجعل إحصاءها مهمة شبه مستحيلة، استطاع عزام التركيز على الجانب الشخصي في بطل كتابه، بحيث نُطل على الأحداث ونحن وقوف إلى جوار صلاح الدين في كل موقف من المواقف التي واجهها، أو واجهته، على مدى هذه السيرة.

حاول المؤلف أن يُقدم لنا «الإنسان» صلاح الدين، في ذروة انتصاره، وتألقه، كما حاول أن يصوره وهو في الدرك الأسفل من إحباطه. قدم لنا صلاح الدين: الابن المطيع لوالده الذي يطلب مشورته ورأيه، والزوج المحب الذي يُخفون عنه نبأ وفاة زوجته حتى لا يتأثر بموت المرأة التي أحبها، والأب بكل ما يتصف به من عطف ومهابة ومن قوة في تربية أبنائه والإشفاق عليهم. ورأينا صلاح الدين يبكي، ويخاف، ويتوتر، وينفعل، ويغضب، ويقتل بيده.

صوّر المؤلف صلاح الدين الإنسان الحقيقي داخل جلده البشري، ولم ينزع عنه بشريته، كما يحلو لبعض كتاب السيرة، لكنه وقع في غرام صاحبه الذي كتب سيرته ودافع عنه بسبب هذا الغرام أحياناً. هناك بالتأكيد بعض الاختلافات في وجهات النظر بين المؤلف والمترجم، وهو ما أراه من طبيعة الأشياء. ذلك أن النظر إلى التاريخ من نافذة الشخصية الفردية يختلف بالضرورة عن النظر إلى الشخصية من خلال العصر وحقائقه التاريخية الموضوعية. ولا يعني هذا بطبيعة الحال أن هناك فضلاً لرؤية على رؤية أخرى، وإنما يعني بالضرورة وجود اختلاف في الزاوية التي يتم النظر منها، ومن ثَمَّ وجود اختلاف في وجهات النظر.

جاء صلاح الدين ليلعب دوره التاريخي من خلفية الصراع بين الصليبيين والمسلمين، وهو الصراع الذي نجم عن نجاح الحملة الصليبية الأولى عام 1099م. ولم يكن ظهوره ناتجاً من الصراع بين السنة والشيعة كما يظن عزام. اكتشف الناس والحكام أن الصليبيين جاؤوا إلى المنطقة العربية بقصد البقاء، فلم يكونوا مجرد جنود مرتزقة أتوا من الغرب للعمل في جيوش الدولة البيزنطية كما حدث مراراً من قبل. وكان هذا اكتشافاً مؤلماً وخطيراً، كما كان مقدمة لعدد من ردود الفعل على المستوى الفكري والثقافي في المنطقة العربية لم تلبث أن خلقت أفعالاً وتصرفات على المستوى السياسي والعسكري. ومنذ البداية لم تتوقف المحاولات من جانب المسلمين للتصدي للصليبيين. لكن ميراث الشك والمرارة في المنطقة وقد خلفته الحوادث السياسية والعسكرية على امتداد القرن السابق على قدوم الصليبيين إلى المنطقة، حال دون القيام بأي عمل سياسي أو عسكري فعال ضد الوجود الصليبي في المنطقة العربية.

أشار المؤلف إلى جهود صلاح الدين على المستوى المذهبي وكيف أنه تحرك بسرعة للقضاء على المذهب الشيعي وإعادة المذهب السني إلى مصر. والحقيقة أن هناك قدراً من المبالغة في هذه القضية؛ لأن المذهب السني لم يخرج من مصر حتى يعيده إليها صلاح الدين أو غيره فقد ظل المصريون على تمسكهم بالمذهب السني، وكانت لفقهاء مصر منذ البداية إسهامات مهمة في تطوير الفقه السني، ومنهم أولاد عبد الحكم، والليث بن سعد، والإمام الشافعي نفسه.

وعلى المستوى الشعبي حوّل المصريون كثيراً من احتفالات «الحزن» الشيعية إلى احتفالات شعبية سارة. وتحفل المصادر التاريخية بالأمثلة الدالة على مقاومة المصريين للفاطميين وكراهيتهم لهم، أو عدم الاحتفاء بهم، أو تأييدهم على الأقل. وربما تأثر صلاح الدين بآراء فقهاء المشرق الذين أحاطوا به، والشيوخ الذين تولوا التدريس في المدارس السنية الحديثة، وكان معظمهم من مناطق المشرق الإسلامي الذين عرفوا بتشددهم المذهبي، ولم يدرك طبيعة الموقف المصري الشعبي من الدولة الفاطمية والمذهب الإسماعيلي. وانعكس ذلك في الحقيقة التاريخية القائلة إن الفاطميين اعتمدوا في إدارة دولتهم على المغاربة وعلى أهل الذمة، بحيث يعتبر بعض الباحثين أن العصر الفاطمي كان العصر الذهبي لهؤلاء.

وفي غمرة حماسة صلاح الدين لمحاربة المذهب الشيعي وإعادة تأسيس المذهب السني في مصر أغلق الجامع الأزهر، وباع ما بقي من كنوز مكتبة القاهرة ونفائسها (بيع بعض كتبها في أثناء الشدة المستنصرية) وعلى رغم أن بعضهم يمكنهم تبرير هذا التصرف في ضوء حماسة صلاح الدين للمذهب السني وترسيخه في مصر، فالواقع أن المصريين لم يعتنقوا في معظمهم المذهب الإسماعيلي (مذهب الدولة الفاطمية) من ناحية، كما أن تأثير هذا التصرف كان سلبياً في الحياة الفكرية والثقافية في مصر من ناحية أخرى.

يقدم الكتاب سيرة تاريخية بديعة للسلطان «الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب» من منظور إنساني جديد ومدهش، فقد زامل الباحث النابه عبد الرحمن عزام (حفيد عبد الرحمن حسن عزام باشا الأمين العام الأول لجامعة الدول العربية في قمة أنشاص وبقي أميناً عاماً إلى العام 1952 ). كلاً من عماد الدين الأصفهاني، وابن شداد ليرصد لنا ملامح صلاح الدين الإنسان، في لحظات قوته ولحظات ضعفه على السواء وفي حيوية بالغة جعلتنا نشعر بالقلق والخوف، والغضب والفرح أحياناً مع صلاح الدين وكأننا وقوف إلى جانبه أو جالسون في حضرته أو مصاحبون له في ميدان القتال.

وتختلف بالضرورة الزاوية التي نظر منها المؤلف إلى موضوعه عن الزاوية التي ينظر منها الآخرون، وأنا منهم بطبيعة الحال. بيد أن هذا لا يعني أن هناك زاوية أفضل من الأخرى. ومن ناحية أخرى حاول قاسم عبده قاسم الذي أمضى عمره الأكاديمي في دراسة الحركة الصليبية قدر الطاقة، أن ينقل لنا النص الأصلي في لغة عربية سلسلة وبسيطة مع الرجوع إلى نصوص المصادر التاريخية الأصلية التي استعان بها المؤلف؛ بغية تعريب النص بصورة كاملة قدر الإمكان.

المصدر: صحيفة "الحياة" السبت، ١٣ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٤

التعليقات (2)

    حسين السوري

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    المعروف تاريخيا أن صلاح الدين الأيوبي قاتل الشيعة لكي يستطيع الدخول إلى الأقصى، لأنهم كانوا حماة للصهاينة في ذلك العصر بالضبط كما نظام الأسد في سوريا وميليشيا نصر الله في لبنان، لذلك فإن التاريخ يعيد نفسه وصلاح الدين الأيوبي القادم يجب عليه قتال وتصفية عملاء الفرس لكي يدخل الأقصى.

    ابو عبدالله

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    الدولة الفاطمية الشيعية في مصر كانت تناصب صلاح الدين العداء و عقدت اتفاقية مع الصليبيين..
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات