المتنمرون على المدنيين

المتنمرون  على  المدنيين
ليست الرقة اليوم في أسوأ حالاتها فحسب، ولكنها تجسد صورة الآخرين الذين تهافتوا على الإيغال في الألم، فتشاركوا مع النظام السوري، قتل المدنيين، وكأن طائرات الأسد وحمم الحرق والقتل لا تكفي.

ثمة حالة يمكننا التعبير عنها باستعارة توصيف " التنمر " لما يتصرف به سواء النظام أم التحالف الغربي، باستهداف المدنيين في الرقة، دون القدرة على اصطياد المجموعات الإرهابية المسلحة. التعويض عن العجز يمكن ملاحظته في بقاء الولايات المتحدة وحلفائها، في حالة تأرجح، في الوقت الذي لايزالون يدرسون فيه الخيارات، بعد أن شب عود الدولة الاسلامية وتمكن في المنطقة الفراتية، من حلب حتى شمال بغداد مرورا بالموصل، فإنهم قد أسندوا مهمة ضرب داعش، مواربةً للنظام السوري، الذي يعلن بعضهم أن لا أهلية للتعاون معه، دون رفض التنسيق معه وغض الطرف عما يقوم به فعلياً من غارات انتقامية، ضمن المدن والبلدات السورية، مستهدفاً المدنيين فقط.. حتى الآن.

يتنمر الأسد على المدنيين في الأحياء السكنية، في ظل مسألتين هامتين، الأولى هي عجزه عن الحسم العسكري والأمني في أي مكان من سوريا، وصورة جوبر مثال على ذلك، والثاني هو عدم رغبته في استهداف داعش سواء مقرات او عناصر، بالنسبة له المواجهة مع داعش، تتعارض مع مصلحة النظام، ومايزال بحاجة للدور الذي تلعبه الدولة الاسلامية فيما يشكل خدمة النظام.

على مدى الأيام الأخيرة، مع اشتداد الضربات الجوية للنظام، قامت داعش بالانتشار، أخلت مقراتها العامة مثل كنيسة الشهداء في وسط الرقة، حيث كانت قد حولتها الى المكتب الدعوي، وطلت جدرانها بالسواد، واستخدمتها لإقامة المحاضرات والدروس الدعوية، وحولت القبو الى سجن، والمدرسة الملحقة بها الى مساكن لعتاة المجرمين من عناصرها. قبل أن تتمكن داعش من غرس أظلافها في الرقة لم يكن نظام الأسد ولا واشنطن يريان مافعلته بالكنيسة وبالناس.. أهل الرقة، الذين لم تترك اسلوباً لإخضاعهم.. ولم يكن ثمة من يساندهم.

في الوقت الذي كانت فيه المقذوفات الحارقة تدمر الأحياء السكنية في شارع تل أبيض، وحارة البياطرة، وحيّ الثكنة، ويقتل مدنيين من ابناء الرقة، كان ثمة إعلاميون يجاهرون " بحياديتهم " يتحدثون عن عمليات دقيقة لنظام الأسد تستهدف داعش بنية وتنظيماً، ويقلبون الحقائق رأساً على عقب. لا يتحدثون عن الضحايا المدنيين وعن أن النظام حتى الآن لم يؤذي التنظيمات الإرهابية. ليست مسألة خطأ: المرصد السوري لحقوق الانسان، لديه شبكة مراسلين فعّالة تكاد تتواجد في كل قرية ومنطقة سورية، ووحده الذي يمتلك الحقيقة "الملغومة" التي يقدمها للغرب عموماً، ولوسائل الاعلام التي تاخذ عنه. معيار المهنية والحيادية، لاتكون له أية قيمة حين لا نقدم الصورة على حقيقتها.

جميعنا يريد إنهاء وجود الدولة بالنظر الى بطشها وجرائمها، لكننا لا يجب أن ندعم سياسة الأسد الذي يقدم نفسه للعالم كمحارب للإرهاب. الإشارة الى الضحايا المدنيين وطبيعة المواقع التي تستهدف أمر يساهم في تشكيل وجهة النظر الأوروبية والغربية، حيال نظام الأسد، خاصة في ظل التحالف الجديد ضد داعش والنصرة. الأعلامي والحقوقي الذي يجانب الحقيقة هو ايضاً متنمرٌ على المدنيين العزل الذين يواجهون الموت بصمت.

ثمة بشاعة أشد، حين تطبق مؤسسات المعارضة السورية صمتاً، وتصمًّ آذانها عن نداءات الاستغاثة، وكأنها شريكة في هذا الخراب والموت الذي يلاحق السوريين أينما كانوا أو شردتهم الريح بحثاً عن السلامة والكرامة. لم يصدر أي بيان يدين عمليات النظام في الرقة، سواء عن الائتلاف الوطني، أو الحكومة المعزولة، لم تستجب فوق ذلك هاتين المؤسستين لنداءات تأمين الأدوية لمشافي الرقة لإسعاف عشرات الجرحى يومياً، باستثناء ما قدمته وحدة الدعم بصورة منفصلة عن الائتلاف والحكومة، وعبر علاقات شخصية. خلال الفترة الماضية لم تقدّم مؤسسات المعارضة أي دعم للسوريين في الرقة، بما في ذلك الدعم المعنوي. وإذا كانت مسؤولياتها مباشرة تجاه ترك الرقة وحيدة بين أظلاف الجماعات الاسلامية، وعدم مساندة تيارات ومجموعات العمل المدني، وما كان لداعش – والنصرة من قبلها - أن تعزز وجودها في الرقة ودير الزور وريف حلب وغيرها، لولا إهمالها وتقصيرها الشديد الذي يصل الى درجة التعمد في ذلك.

هي اليوم أيضاً تترك هذه المناطق، دون مساندة أو دعم من أي نوع. تترك المدنيين يواجهون عمليات القصف اليومي للنظام، واستفراده بها والعمل على تدميرها، فوق سكّانها المدنيين، وكأنها تستحق عقاباً على جريمتها بالتحرر من ربقة النظام في وقت مبكر قبل المناطق الأخرى، الأمر الذي كشف عجز المعارضة المباشرة والكامل عن قدرتها في إدارة المناطق " المحررة "، بل وانغماسها بالصراعات حول المغانم والمناصب، واسترضاء الأطراف الدولية والإقليمية. باتت هي اليوم غير قادرة ان تكون رافعة للثورة أو معبرة عنها وعما تبقى من الحراك الوطني.

نحن ندرك أن الائتلاف والحكومة والمجلس الوطني والأركان، غير قادرين على إصدار بيانات تدين أو تطالب بوقف المجازر بحق المدنيين في الرقة، خشية أن تتلقى لطمة من الغرب، الذي يغض الطرف طوال ثلاث سنوات عن مجازر النظام، ولاشك في أنه يبارك بما يقوم به مع إدراكه لمرامي النظام وغاياته. مؤسسات المعارضة لاتعرف حقيقة ما إذا كان ثمة تعاون بين الولايات المتحدة ودمشق في تنفيذ العمليات العسكرية، ولا يعرفون ماهي استراتيجية الغرب بشأن خطة التحالف الجديد لمحاربة الإرهاب.

في هذه الفترة... يبدو أسوأ ما يمكن تصوره أن تصمت المعارضة السورية عما يحدث من جرائم، من تسليح قوى وكتائب عسكرية، من لقاءات واجتماعات هنا وهناك دون أن تكون على دراية أو شريكة بها.. طُلب منها فقط أن تؤيد موقفاً عربياً تجاه قيام تحالف دولي لضرب داعش والنصرة، بصورة تذكرنا بقرار الجامعة العربية لبدء عاصفة الصحراء 2003.

تنمر مؤسسات المعارضة على السوريين، يسقط عنها آخر ماتبقى من أوراق التوت، ويضعها تماماً في سياق ممارسات منظمومة القتل والإرهاب في المنطقة "طهران وحزب الله والأسد".. وكأن رغيف الخبز المغمّس بدم الضحايا، أمام فرن الأندلس.. لا يعنيهم في شيء، ولم يروه أبداً.

التعليقات (30)

    عبدالحميد

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    بكل اسف المتنمرون على المدنيين من كل الأطراف ..ولو كان هناك حرص على الاتتزام بالقوانين الدولية وقت الحروب لكانت هناك حماية للمدنيين في الحد الأدنى. حال الرقة مثل كل المدن والبلدات السورية التي يقصف النظام فيها المدنيين ويدمر منازلهم ويهجرهم .

    رقاوي

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    خرجنا من اجل الحرية والكرامة فتخلت عتا المعارضة ...لوحوش البربرية الدموية

    ديمه

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    الرقة بأيام النظام مضيومة ..وبأيام " التحرير " محزونة..الله يكون بعونك يالرقة .

    رزان

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    فعلا والله الكل يتنمر ويتأمر على المدنيين ويتاجر بحياتهم وحريتهم شكرا لك

    حر

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    لك صرلو ٤ سنين عم يقصف المدنيين مانو محتاج داعش ليبرر ضرباتو.. مو هامو حدا ومافي حدا بيردعو ..قصف ع المدنيين بكل المناطق

    ياسر

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    شبكة رامي عبدالرحمن فيها كتير تحريف عن الواقع لأن فعلا كل الشهداء في الرقة مدنيين وما قتل حدا من الدواعش ابدا ولا بأي غرة

    هشام

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    سودو البلد الله يسود وجوهم ..والحق على كل واحد وقف مع الدواعش وهم أصلا جماعة النظام الخلايا البعثية المخابراتية التي كانت نائمة واسنكانت حتى تمكنت بالرقة وغير الرقة..ولو كان النظام بدو اياهم كان قضى عليهم بس شاطر ع المدنيين بس. لما لواء داوود يمشي من ادلب للرقة والدير بكامل سلاحه و1000 مقاتل ماشافهم النظام. ابوي مايقدر الا على امي..النظام يقصف المدنيين بكل سوريا

    رقاوي حر

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    اصلاً ما هلكنا الا هالمعارضة الاعتلاف والمجلس الوطني وفوقها حكومة الفاسدين يللي ماقدمت اي شي حتى ادوية.. حكومة ماتفيدنا مانريدها ..الله لايردها لا هي ولا النظام الأجرب والله يخلصنا منهم

    يونس

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    المعارضة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية بأنها فشلت في ادارة المناطق المحررة قبل أن تتمدد النصرة وداعش وغيرها أما النظام فكان يقصف بصواريخ السكود الرقة وغيرها قبل أن يخترع براميل الموت

    حنظلة

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    الرقة بكل اسف صارت مستنقع بفضل النظام ..وداعش اليوم هي قعر المستنقع. المعارضة في الاصل عاجزة عن فعل اي شئ ولكن الحق اولا واخيرا على ابناء الرقة الذين لاصوت لهم ولا سند ممثلي الرقة في الائتلاف وحتى المجلس الوطني لايفعلون اي شئ للبلد

    عامر

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    كل المؤسسات لها اجندات خاصة غير علنية والمرصد السوري لحقوق الانسان بحجة الحيادية يلمع صورة النظام عند الغرب بأنه يحارب الارهاب الدواعش

    ابو سمرة

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    كنا نسخر زمان ونقول احزاب الجبهة الوطنية لصاحبها حزب البعث اليوم صار داعش لراعيها نظام الاسد. اكيد هيك ماراحت الا ع المدنيين

    ابو جاسم

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    لولا تغاضي الغرب عن جرائم الأسد لم يتنمر النظام على المدنيين ولو كان هناك موقف ورأي وضمير ومسؤولية ومحاسبة في المعارضة السورية لتغيرت أمور كثيرة في حياة السوريين

    شمس

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    الاسد اما يقتل المدنيين أو يدمر بيوتهم ويهجرهم اما المعارضة في وادي ..والشعب الحزين في وادي

    ابو عمشة

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    نحن ندرك أن الائتلاف والحكومة والمجلس الوطني والأركان، غير قادرين على إصدار بيانات تدين أو تطالب بوقف المجازر بحق المدنيين في الرقة، خشية أن تتلقى لطمة من الغرب والله صح

    مصطفى

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    حتى في المعارك بين جبهة النصرة وشهداء ادلب .. راحت على المدنيين أيضا

    غيث الميداني

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    بكرا بيقصفو الميدان بحجة دخول الثوار ...والهدف ضرب المدنيين ودفعهم للنزوح عن بيوتهم المجتمع الدولي منشغل بمكافحة الارهاب الداعشي..ويترك للأسد حرية اختيار شكل المذابح التي يريدها لتأديب السوريين

    التاريخ1

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    تبآ لهذا الزمن العجيب تبآ للغرب والشرق تبآ للمجتمع الدولي الذي يسمح في القرن ال21 بسقوط هذا العدد المهول من الشهداء والجرحى وملايين المهجرين وملايين البيوت المدمرة على رؤوس أصحابها والعالم يتفرج تيآ لمافية الأسد الجزّار المجرم لاعب الأتاري ..... سقط القلم وهربت الكلمات والدموع تنهمر على وطني الحبيب

    الفراتي

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    اورينت وحدها انصفت الرقة شكرا لها ولكاتب المقال

    انور

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    داعش تختبئ اليوم بين الأحياء السكنية ولم يعد لها وجود علني ..والنظاام فعلا يستغل الحملة على داعش لكي يواصل حملته لقهر السوريين منذ ثلاث سنوات ونصف..وان شاء الله سيندحر الأسد ونظامه وتذوب الدولة الداعشية كما يذوب الملح في الماء الساخنة

    كرم الحمصي

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    شهداء مدنيين في تلبيسة اليوم ببراميل أسد المجرم ويوم امس في مجزرة بجنوب القامشلي بيد قوات الحماية يارب احمي اهلنا من جبروت المجرمين الطغاة

    طه الجزراوي

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    معتر يامدني اليوم سقطت الطائرة فوق السكنيين بالرقة استشهد عشرة نعرف ان ضحايا الحروب كلها مدنيين ..لكن والله مو لها الدرجة ؟؟

    باسمة

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    اتفاقية جنيف الرابعة تحرم استهداف المدنيين. يجب توثيق كل شئ.. لكي تتم محاسبة من يستهدف المدنيين في محاكم جرائم الحرب ضد المدنيين

    غسان

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    رغم هذا العدد المهول من المدنيين الذين سقطوا شهداء ...لايزال المجتمع الدولي يتعامى عن جرائم نظام الاسد

    زين

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    بكل اسف المعرضة بسبب تشتتها وصراعاتها فيما بينها...اضعف من ان تدافع عن المدنيين أو تقوم بحملة دولية لحمايتهم

    طارق

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    من نجا من براميل الموت ..خطفته لقاحات الاطفال .. لماذا كل هذا الموت يلّف حول السوريين من كل جانب ؟ اين الاحساس بالمسؤولية ؟

    ابو مالك

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    منذ بداية الثورة استهانت المعارضة بالمدنيين ولم تعرف كيف تحشد الدعم الدولي لحمايتهم من مجازر النظام ...والمجتمع الدولي يكيل كعادته في كل قضية بعدة مكاييل

    سامرالشامي

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    يتنمر الأسد على المدنيين لم يأت من فراغ .. فمنذ انظلاقة الثورة عمل النظام على نزع الصفة السلمية عنها..كي يسهل عليه مواجهة السوريين بالحل الأمني ، بعد ان أعلن أن مايجري هو تمرد جماعات ارهابية .. وليس ثورة ضد نظام الأسد

    ياسين..

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    سوف نشهد فصلاً جديداً من قتل المدنيين عندما تبدأ قوات التحالف بقصف مواقع داعش في الرقة ودير الزور وريف حلب..ولأن داعش اخلت مقراتها وانتشرت في المناطق فإن الضحايا غالباً سيكونون من المدنيين.

    نصر الدين

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    الجميع تخلى عن المدنيين ..بما فيهم اولئك الذين أصبحوا بين يدي تجار تهريب السوريين ليقذفوا بهم الى الموت
30

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات