لماذا حُمّل السوريون كل تلك الاتهامات؟!

لماذا حُمّل السوريون كل تلك الاتهامات؟!
ابتدأها النظام ولم يترك وصفاً إلا ونعت به الثوار فقد اعتلت بثينة شعبان منصتها الإعلامية في بداية الثورة كناطقة باسمه لتتحفنا بعبقريتها، ثم زكى أقوالها وليد المعلم بوصفه تحفة دبلوماسية يختصر كل متاحف الشمع بالعالم، ليتناغم معه التحفة الأخرى بشار الجعفري بإطلالة أراد أن يؤدبنا فيها ويؤدب الكرة الأرضية، دخل إلى أركان هذه الجوقة شبيحة الفن ومذيعي النعوات في التلفزيون السوري واتفقوا جميعاً بأننا إرهابيون متآمرون وخائنون طائفيون ننهل من مدرسة الصهيونية والرجعية والامبريالية ونعتاش على الأفكار الوهابية والعثمانية وما إلى ذلك.

أما على الأرض وفي الميدان، حيث المواجهة فقد تولت عصابات الأمن ولفيف قطاع الطرق وجيش الأسد ومنتسبي البعث بالدوس على الأحياء وقذف الناس بأبشع العبارات، لكنها وللأمانة كانت صريحة وواضحة أكثر من الجميع، فهي كانت تعلنها مع كل حفلة تشبيحية بجملة" بدكن حرية"، يعرفون ماذا نريد ويعرف رئيسهم لمَ خرج الشعب لإسقاطه ونظامه المتعفن، لكن الجوقة التي أخذت أركانها وآلاتها تتوسع شرقا وغرباً وتبنت هذه الوقاحة بالتطاول على الشعب السوري كالخمينية ومن والاها والبوتينية بوصفها فرع حزب البعث بنكهة فوق البلشفية وبعض أشباه الدول من كوبا إلى كوريا الشمالية.

رغم ذلك لم يكن الأمر مفاجئاً، ولكن أشقاء الدين والدم والتاريخ عوضَ أن يكونوا عوناً للسوريين فقد اقتحموا المضمار واستلوا آلاتهم الموسيقية ليكملوا الجوقة، من مصر أم الدنيا إلى لبنان الأخضر مروراً بكواليس شارع عربي لطالما كذبنا على أنفسنا وقلنا أنه متعاطف مع آلامنا وأطفالنا وثكالى سوريا وراعٍ لأحلامنا بالانعتاق إلى الحرية، فهل أخذنا فكرة العروبة وحفظناها دون أية مراجعة فكرية أو إنسانية أو اقتصادية أو حتى بمعناها الرمزي؟

من الواضح أن ثورة السوريين بما تحمله من زخم وحيوية وفكر أعادت للعلن الجدل في تقييم تلك المفردات والانتماءات، ولا شك أن للسياسة الرسمية العربية مصالحها المتقاطعة بل وربما المتحدة لبقاء سلطة الأسد لتشابه الأهداف والأسباب، لكن تمدد هذا الاستعداء للثورة وللسوريين ليس على وسائل إعلام وإعلاميين مأجورين وحسب كما نلاحظ في بعض الإعلام المصري أو اللبناني أو الطائفي العراقي، هذا التمدد من العنصرية اللامبررة إلى مستوى الشارع لا يمكن تصوره أنه يصدر عن أشقاء يتقاسون معنا المعاناة الإنسانية حسب ما كنا نفترض، لكنهم للأسف قد قاموا بهذا الدور لصالح دكتاتوريات متنوعة التوصيف والمرجعية إن كانت مناطقية لبنانية أو على مستوى دول بعينها.

وبذلك يصبح السؤال الذي لا بد منه لماذا هذا التجمهر اللا واعي بوجه السوريين؟ ولماذا أصبحت كل مصائب العرب سببها السوريون؟ ولماذا وصفوا بسهولة كإرهابيين أو متطرفين أو قتلة أو متسولين وحتى مسوقي دعارة وحشيش ومهربي أسلحة وما شابه؟!، هذه أسئلة تبحث عن إجابات وقد يكون أهم جواب هو عدم إحساس المواطن العربي بمواطنيته التي تعزز فيه مفاهيم الأخلاق والقيم الضرورية لبناء المجتمع، بما فيها البنية التي يفترض أنها تقود إلى آداب في السلوك وفي التعاطي مع الآخر بوصفه صاحب كرامة يجب عدم التعدي عليها، وهنا يكمن سر عظمة الربيع العربي لو سار كما يجب، فلكي تقطع جذور هذا الربيع الذي أخذت تتمدد متسارعة وحتى لا يسرح ويمرح في هذه الجغرافيا وما تجاوزها بالذات شرقاً ليعيد إحساس الفرد بالمواطنة التي أفقدته إياها تلك الأنظمة الفاسدة كان لابد من استعمال كافة الأسلحة المادية والمعنوية، فكما للأسد أتباع تجردوا من الحس الآدمي نتيجة سنوات عجاف امتدت إلى عقود غاب فيها الإدراك الواعي لقيم الحرية، كذلك الأمر في بلداننا العربية من خلال التبعية اللاواعية لإشارة تأتي من هنا أو هناك، فبالتأكيد لبنان الدولة والمجتمع في تراجع ملفت على المستوى الثقافي والإنساني وهذا لزوم بقاء هذه الطبقة المريضة من السياسيين الطائفيين.

كذلك فإن أغلبية المجتمعات العربية تتبع التوصيف ذاته وإن كان بأشكال مختلفة، فهناك طائفة الحكام العسكر كما طائفة الأسر الحاكمة وهكذا، وهذا أيضاً ينطبق على طائفة المافيا البوتينية وطائفة اليسار المتآكل من الصين إلى كوبا ومعهم طائفة الخمينية، والمؤلم في كل ذلك أن العديد من النخب وخاصة العربية منها كانت أكثر ترهلا من الأنظمة ذاتها، لكن الملفت أن الثورة السورية بقيت تتنقل من وهج إلى وهج وتجبر الجميع على البحث عن خيارات وأوصاف جديدة للنيل منها.

ظهرت داعش وأتباعها ضمن هذا السياق لتصب جام غضبها على الشعب السوري وتلقي تهماً جديدة عليه، فهي تكفره وتخونه وتريد تقويمه بحد السيف لتطبق قانونا افتراضيا هي لا تدركه، وبذلك فإن من صنعها قد حاول ضرب عصفورين بحجر، تشويه ثورتنا المباركة وإظهار الدين الإسلامي الحنيف أمام شعوب الأرض على أنه دين قتل وليس عدل، بينما بالنسبة للسوريين فإنه يكفيهم شرفا أن جوامعهم كانت منابر حرية ومن خلالها امتلأت الساحات بأجمل اللوحات البشرية التي تعبر عن فكر حضاري سلمي وواع، ولهذا كان ظهور داعش وغيرها لحرف هذه الرؤية عن تلك الحقيقة بل وطمسها، واستمرار كيل التهم للسوريين والهدف واحد: إحباط تطلعهم إلى الحرية.

بقيت الثورة كفكر وفعل متجدد تنبض في صدور السوريين واستطاعت دائما قلب السحر على الساحر، فالغرب المدعي رعاية مواثيق الحرية والحقوق الإنسانية قد أسقطته ثورتهم في مستنقع العار ليتلوث وتتلوث معه كل شعاراته الخادعة حتى وإن جاء ليبيض صفحاته بمحاربة داعش، فدم السوريين الذي استسهله برعايته للإرهابي المرتدي بدلة الجنتل في سوريا سيبقى دائما ميزان محكمة منصوب لاتهام ساسة هذا العالم مهما استنبطوا من تهم لرميها بوجه السوريين صاحبي نداء الكرامة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات