أورينت نت تحقق بالأرقام: كيف دمر الأسد غوطة دمشق؟

أورينت نت تحقق بالأرقام: كيف دمر الأسد غوطة دمشق؟
غوطة دمشق، تلك البقعة الخضراء التي خصها الله بدمشق الفيحاء، لتكون رئتها وسوارها الأخضر، ولتمنح أهلها من إنتاجها غذاءهم وملبسهم ، كما منحت الأمان لثوارها في الثورة السورية الكبرى، غوطة دمشق التي حافظت على نضارتها على مدار الزمن، إلا أن جاء نظام الأسد بحقده الأسود على كل ما هو جميل في سوريا، وكأي طاغية مستبد كان لا بد من تجفيف منابع العطاء.

أدرك هذا النظام أن الغوطة قد أدمنت العطاء من خلال زراعتها التي تؤمن لأهلها كامل حاجاتهم ((كما تحدث محمد كرد علي في كتابه غوطة دمشق: "لو كان عند الغوطيون الحديد والفحم الحجري، لما احتاجوا إلى شيئ في زراعتهم وصناعتهم، فهم يستخرجون الزيت من زيتونهم، والدبس والنبيذ والجلاب من عنبهم، والعصير والنقوع (قمر الدين) من مشمشهم، والعطور من زهرهم، والصابون من زيتهم، والأجبان والسمون من حليب أبقارهم وماعزهم وأغنامهم، وثيابهم من صوفهم وحريرهم)).

فقد سلط عليها ولمدة تزيد عن ثلاثين عاماً المحافظ (علي زيود) الذي أخذ على عاتقه تنفيذ مخططات سيده بتدمير الغوطة عن طريق تدمير مصدر رزقها ورأسمالها ألا وهو أراضيها الخصبة، معتمداً بذلك على وسيلتين أسياسيتين الأولى قضم الأراضي الزراعية، والثانية تعطيش المتبقي منها".

بالنسبة لقضم الأراضي الزراعية فقد أدرك النظام أن التوسع العمراني غير المنظم هو أفضل وسيله لتنفيذ مخططه ، فقام ولسنوات طويلة بتعطيل المخططات التنظيمية لبلدات الغوطة الشرقية والغربية ، فانتشرت نتيجة لذلك طبقة من السماسرة من أهالي الغوطة ودمشق على حدٍ سواء ارتبطت مصالحهم بمصالح النظام، وبدأت عميلة قضم الأراضي الزراعية الخصبة في الغوطة إما عن طريق غض النظر عن انتشار الأبنية المخالفة (دون ترخيص) وأمام أعين رؤساء البلديات المعينين من قبل النظام، أو عن طريق منح رخص البناء على هؤلاء السماسرة وذلك بتشجيع مباشر من محافظ ريف دمشق، وطبعاً وفي الحالتين سواء بغض النظر أو بمنح الرخص كان هناك ثمن يدخل جيب المحافظ وحاشيته، هذا بالإضافة للإستملاك الواسع لأراضي الغوطة من قبل الحكومات المتعاقبة لبناء مبان حكومية ومساكن ومرافق وخدمات. دون دفع تعويضات لأصحاب الأراضي المستملكة، وحتى الأراضي التي استملكت من أعيان دمشق بموجب قانون الإصلاح الزراعي لم يُستفد منها بالشكل الصحيح بل منحت لإدارة تسمى الإدارة الإنتاجية التابعة لوزارة الدفاع، التي أقامت عليها مزارع كانت أشبه بمزارع خاصة لضباط الجيش والأمن. والكثيرين من المهندسين الزراعيين أدوا خدمتهم العسكرية الالزامية في تلك المزارع ورأوا الفساد والإهمال اللذان ينتشران بها.

الوسيلة الثانية التي استخدمها النظام لتدمير الغوطة فهي تعطيشها وذلك عبر عدة طرق أهمها انتشار المستوطنات السكنية التي أقامها النظام لأزلامه القادمين من الساحل وحاجتها للمياه فأدى تغذيتها بالمياه لاستنزاف حوضي بردى والأعوج، فمثلاً تم حفر أبار على ضفاف نبع بردى لتغذية نبع الفيجة عبر جر مياه تلك الآبار إليه مما أثار احتجاج مزارعي الزبداني ومحاولتهم تفجير أنبوب الجر أكثر من مرة مما اضطر النظام لوضع كتيبة حماية له، كما تم حفر ثمانية عشر بئراً عميقاً لري ملاعب الغولف في فندق إيبلا الشام الوقع على طريق المطار والذي كان له التأثير الكبير على انخفاض مستوى المياه الجوفية في قرى الغوطة المقابلة للفندق.

ولعل أخطر ما في الموضوع هو تلويث المياه المتبقية للغوطة وذلك عبر تسليط المصارف الصحية على الأنهر الذاهبة للغوطة، والسماح بإقامة المنشآت الصناعية فيها، حيث ذكرت إحصائية مديرية صناعة ريف دمشق أنه يتواجد في محافظة ريف دمشق ستة عشر ألف منشأة صناعية، عشرة ألاف منها تقع ضمن الحدود الإدارية لغوطة دمشق. ( ولعل جميع أهالي الغوطة تعرف أين تصب الدباغات الواقعة في منطقة الزبلطاني المجاورة للغوطة نفاياتها)، وبذلك تصل المياه للغوطة مشبعة بالملوثات، وتستخدم لري الأشجار المثمرة والخضراوات التي تباع منتجاتها لأهالي دمشق.

كل تلك الإجراءات أدت إلى تقلص الأراضي الزراعية الخصبة في الغوطتين ، ولا تشير إحصائيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لذلك حيث أن تلك الإحصائيات تشمل كافة أراضي ريف دمشق وليس أراضي الغوطتين فقط، ولعل القارئ لتلك الإحصائيات يرى تطور الأراضي القابلة للزراعة في محافظة ريف دمشق فمثلا كانت الاراضي القابلة للزراعة في محافظة ريف دمشق حسب إحصائيات وزارة الزراعة في عام 1991 / 195013/ هكتار بينما بلغت الأراضي القابلة للزراعة في نفس الإحصائيات في عام 2012 /212387/ هكتار، ولكن تلك الزيادة في المساحة كانت نتيجة استصلاح الأراضي خارج الغوطة وخاصة في المناطق الجبلية المحاذية للحدود والتي يعمل بعض من أهاليها بالتهريب وغالبا لصالح بعض المتنفذين من رجال النظام أو بشراكة معهم، وغالباً ما كانت عوائد التهريب توظف في استصلاح الأراضي وإقامة مزارع لهؤلاء المهربين أو هؤلاء المتنفذين (سرغايا – رنكوس – يبرود – عسال الورد ...) ولكن الإحصائيات غير الرسمية تشير أن حوالي 70 % من أراضي الغوطتين قد تحولت لأبنية وخرجت نهائياُ من كونها أراضي زراعية، ولتأكيد ذلك نعود لإحصائيات وزارة الزراعة والدخول بتفصيلات الزراعات التي كانت تشتهر بها الغوطة لنرى مدى تراجع إنتاج تلك المحاصيل الزراعية.

فمثلاً تراجع عدد أشجار المشمش (التي كانت سوريا تحتل المركز الثالث عالمياً بإنتاجه بعد الولايات المتحدة الأمريكية وإيران) من /2147/ ألف شجرة في عام 1991 إلى /1936/ ألف شجرة عام 2012، وأشجار الجوز ( التي كان أهل دمشق يستعملونه في مكدوسهم قبل أن يستبدلوه بالجوز الأوكراني) من /357/ ألف شجرة إلى /217.2/ ألف شجرة ، وأشجار العنب من /8350/ ألف شجرة إلى /2169.2/ ألف شجرة. والجانرك من /537/ ألف شجرة الى /229.3/ ألف شجرة و الخوخ من /705/ ألف شجرة إلى /350.5/ ألف شجرة ، وبذلك تكون غوطة دمشق قد فقدت /7193.8/ ألف شجرة خلال عشرين عاماً أي بمعدل يبلغ وسطياً / 360/ ألف شجرة. في تلك الأصناف الخمسة فقط.

في مجال الخضراوات والمحاصيل الشتوية (ونظرا لعدم توفر البيانات الإحصائية لعام 1991 فسنقارن بين عامي 1995 و 2012)، فقد إنخفض إنتاج الملفوف من /53161/ طن في عام 1995 إلى /5578/ طن في عام 2012، ومحصول القرنبيط (الزهرة) من / 5828/ طن إلى / 3823/ طن، والخس من /18264/ طن إلى /8994/ طن. وانخفضت المساحة المخصصة لتلك المحاصيل من /4782/ هكتار في عام 1995 إلى /1009/ هكتار عام 2012.

أما المحاصيل والخضراوات الصيفية فعلى سبيل المثال تراجع إنتاج الباذنجان (التي تشتهر غوطة دمشق به) من /4983/ طن عام 1991 إلى /2591/ طن عام 2012، والفصة (التي تعتبر غذاء الثروة الحيوانية في الغوطة) من /82360/ طن إلى / 62616/ طن.والذرة الصفراء من /1283/طن الى /67/طن والخيار من /6168/ طن الى /3857/ طن والبندورة من /25452/ طن الى /18601/ طن مع ملاحظة تلاشي زراعة القطن في الغوطة التي كان إنتاجها في عام 1991 /2767/ طن، وانخفضت المساحة المخصصة لتلك المحاصيل من /5735/ هكتار في عام 1991 الى /2774/هكتار في عام 2012.

وبذلك تؤكد الأرقام أن ما حصل في غوطتي دمشق كارثة بكل ما للكلمة من معنى وذلك في ظل نظام يَدعي التطوير والبناء فجاء هذا التطوير والبناء على حساب أراضي غوطة دمشق وأهلها مما أثر سلباً عليهم ، وأذكر الذي ما زال يدافع عن هذا النظام ويدعي بأن هذا التوسع العمراني الذي شهدته الغوطة هو نتيجة طبيعية لزيادة عدد السكان، بأن أول قرار منع للبناء في غوطة دمشق أصدره الخليفة الأموي يزيد بن معاوية وذلك عندما لاحظ بأن هناك هجرة من قبائل الجزيرة العربية إلى دمشق بعد توطيد الحكم الأموي بها، وذلك خوفاً منه على غوطتي دمشق من القادمين الجدد، وقام هذا الخليفة الأموي بشق قناة من بردى اُطلق عليها نهر يزيد وذلك خارج أراضي الغوطتين بهدف إبعاد المهاجرين الجدد عن البناء في الغوطة حفاظاً عليها من التخريب، وبذلك بقيت الغوطة محافظة على دورها، ووظيفتها إلى أن ابتليت بهذا النظام الذي ظن أنه بسياسته يكون قد أركع أهلها ،ولكن وعلى الرغم مما حصل بها أبت إلا أن تكون شوكة في حلق النظام، مما أفقده رشده وتوج عملية تخريبها بقصفها بالكيماوي وحصارها حتى تركع ولكنها لم ولن تركع.

* مهندس زراعي

التعليقات (5)

    زيدان زيدان

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    بطلو تنبشوا بالماضي وتفتحو دفاتر قديمة منشان تثيروا الاحقاد كلنا سوريين وأبيصير نغذي الكراهية على كل شي علوي منشان السيد غسان عبود يحقق احلامه ويصير رئيس

    أبو شام

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    الحقيقة تؤلم... شكرأ لكل من أعد هذه الدراسة عن الغوطة

    أكثر من القرد ما مسخ الله خاصة بعد هذا الدمار والتشريد والإفقار

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    مستحيل كان بإمكان المثقفين منهم تفنيد إدعاءآت النظام فلم يكبحوا جماح جنون العظمة الذي تفشّى بالبلاد بل استفادوا منه ـ بعثات للخارج على حساب الدولة ـ دورات في الخارج ـ إيداعات في الخارج ـ إستيداعات في الخارج ـ الخ الخ ناهيك عن الجيش والمرسيدسات ... خلص التوبة الشعب السوري يستحيل أن يقبل بعودة هكذا نظام الذي أفقر الغني و أمات الفقير

    ابو حديد الشامي

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    نعم انه الحقد الطائفي على دمشق عاصمة الأمويين و تنفيذا للمخطط الصهيوني بتدمير الغوطة لانها معقل الطائفة المنصورة

    Sam

    ·منذ 9 سنوات 7 أشهر
    يعني ثورتكم رح ترجع العز للغوطة ، على الأقل كنا عايشين قبل الثورة أحسن ، لا لأسلمة و لاخونة سوريا ، سوريا لكل السوريين
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات