ونشرت (ديلي بيست) الأمريكية حواراً مع السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد تحت عنوان "يقول السفير السابق إنّ الجيش السوري الحر المعتدل هو أقوى مما تعتقدون، ونظام الأسد يترنّح، فهل ستقدّم الولايات المتّحدة دفعاً للجيش الحر؟”، وبدأت المقال بتمهيد عن الوضع الحالي في سوريا إذ يبدو أنّ الجميع الآن، قد صعدوا على متن قطار القضاء على داعش واضعين مزيداً من الفحم لمحركه. وهذا مفهوم، بعد جريمتي القتل المروعتين للصحفيين الأمريكيين، ولكن هناك طرق للقيام للقضاء على هذه الجماعة وأخرى يحب عدم اتباعها. ومن بين السبل التي يجب عدم اتباعها وهي الأسوأ بالتأكيد، هو التحالف بأي شكل من الأشكال أو الطرق أو الأساليب مع بشار الأسد، وهو ما سيؤدي إلى نتائج كارثية.
الأسد يتربّع على قائمة مجرمي الإبادة الجماعية
دعونا نتذكر، فلو استطعنا خلع (طميّشة) الإدارة الأمريكية لمدة 30 ثانية فقط عن عيوننا، لرأينا أنّ الأسد قد فاق تنظيم الدولة الإسلامية بمرات كثيرة في سفك الدماء والقتل الجماعي والمجازر على أوسع النطق وبشكل لا يمكن مقارنته مع ما فعلته داعش، قد لا يكون من بين جرائم الأسد، قتل الأمريكيين ونشر مقاطع فيديو بشعة عن ذلك، لكنه مسؤول عن مقتل مئتي ألف سوري على الأقل، فالأسد تسيّد قوائم مجرمي الإبادة الجماعية بسرعة كبيرة وبتوقيعه الشخصي ( ما يضعه في مرتبة مجرم ليبيريا تشارلز تايلور وعلى قائمة أكبر مجرمي الإنسانية العشرين). إن الأسد يقتل يومياً ما بين 30 و80 من المدنيين الأبرياء السوريين، (من بينهم 10 أطفال قُتلوا الأربعاء الماضي عندما سقطت أحد قنابل الأسد على حافلتهم) ويضرب شعبه بالغازات السامة، نعم فنحن نحيا في عالمٍ قذر. ولكن يجب أن نضع حدوداً في مكان ما، وإذا لم يكن ما يفعله الأسد هو هذا المكان، فيجب ألا نكلف أنفسنا عناء التظاهر لفترة أطول أن هذه الحدود موجودة أساساً.
إن تجاوزنا عبورنا للجسر الأخلاقي إلى الجحيم من أجل التعاون مع الأسد، فالاعتبارات الاستراتيجية أيضاً لهذا التعاون خطيرة جداً، فهو سيقوي الأسد، وبالتالي يدعم إيران وحزب الله الذي يحظى بأدنى مكانة له في العالم العربي الآن لأنه يقاتل من أجل الأسد. نعم، داعش هي تهديد أكثر مباشرة للولايات المتحدة، وينبغي أن تكون همّنا الأول، ولكن لا يمكن أن تكون همّنا الوحيد، لذا فإن السؤال الحاسم هو: كيف يمكن للولايات المتحدة محاربة "الدولة الإسلامية" مع عدم تقديم الدعم للأسد؟ بل وإن أمكن القضاء على كليهما في وقت واحد؟
كانت هذه الأسئلة تدور في ذهني عندما اتصلت يوم الأربعاء الماضي بـ روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق لسوريا والذي استقال هذا العام بسبب الإحباط (أو الاشمئزاز، يمكنك أن تختار المفردة) تجاه رفض باراك أوباما لبذل المزيد من الجهد لمساعدة "أطباء الأسنان والصيادلة " في المعارضة السورية المعتدلة. لا يعرف عديد من الأميركيين الوضع بشكل أكثر عمقاً من فورد، الذي نجا من سبات البيروقراطية الأمريكية وأيضاً من تهديدات بالقتل بينما كان يقيم في دمشق. ويقول بأننا يجب، ويمكننا أن نضرب كلاً من داعش والأسد.
صرخة علويين تعِبوا من الطائفية والدمار
قال روبرت فورد: "لا أعتقد أن ضرب أهداف معينة للدولة الإسلامية في سوريا يحلّ المشكلة، ربما يساعد في بعض الحالات بطريقة تقنية جداً، ولكن الحل على المدى الطويل في سوريا، كما في العراق، هو أن تكون هناك حكومة جديدة قادرة على حشد أغلبية كبيرة من السوريين في مقاومة ومحاربة، وفي نهاية المطاف احتواء والحد من جاذبية هؤلاء المتطرفين.
ويسوق فورد حجة قوية بأن الولايات المتحدة يمكنها توجيه الأحداث نحو تلك النتيجة، فالأمر الرئيسي الذي يجب أن يحدث: أن تقوم المعارضة السنية المعتدلة، وقد لا يكون هؤلاء الناس زعماء الديمقراطية في العالم، بإيجاد والوصول إلى الزعماء العلويين الساخطين ضمن نظام الأسد ويقدموا لهم خارطة طريق سياسية لخطة وفاق وتشكيل حكومة ما بعد الأسد. ويجب أن تقدّم الولايات المتحدة المال والعتاد الكافي للمعارضة والجيش السوري الحر، بحيث يكون منوطاً بالوصول إلى الحل السياسي.
ويقول فورد إن على المعارضة السورية وضع برنامج يقبله شريحة من العلويين "، وأضاف "اعتقد أنّ كثير منهم على استعداد للقفز من مركب الأسد إذا كان لديهم شيء للقفز إليه. ولكن إذا كانت المعارضة لا تقدم لهم أي شيء، فلن يجدوا بر أمان لهم، وسيبقون عالقين في مكانهم. إنهم يشعرون بالرعب من سيطرة داعش على سوريا، وجميعنا يشاركهم هذا الشعور. لذلك يجب زيادة المساعدات إلى المعارضة المعتدلة التي في الوقت ذاته يحب أن تبذل جهداً حقيقياً لتطوير مبادرة سياسية وعقد اجتماعات مع العلويين ".
وأكد فورد أن الشقاق والغضب تجاه عائلة الأسد وصل الى نقطة اللاعودة عند العلويين، ففي 12 آب بدأ بعض الناشطين العلويين حملة توعية عامة مناهضة للنظام تسمى "صرخة " (وطن تعِب من الطائفية والدمار والقتل والتعفيش).
بنود مقترح فورد
تشمل خارطة الطريق السياسية التي تحدث عنها فورد هذه العناصر الأساسية: خطط للمصالحة، وعود بعدم الانتقام الطائفي، الالتزام بعدم خضوع المجتمعات العلوية لمراقبة فرق أمنية سنية، وبعض الخطوط العريضة لما ستبدو عليه الحكومة الجديدة. ولكن المشكلة، كما يقول فورد، هي أن زعماء المعارضة المعتدلين الذين تحدث معهم حين كان سفيراً لم يكونوا مستعدين ذهنياً ت
ماماً للقيام بذلك.ويضيف "لم تقدّم لي المعارضة حين كنت سفيراً أي من هذه الاقتراحات، فهم يعتقدون في أعماقهم بعدم جدوى التفاوض مع العلويين. وعندما كنت أقول لهم هل تقولون إنكم ستقومون بإبادة العلويين؟ فيقولون لا، لا نحن لن نفعل ذلك، فأقول لهم حسناً إذن عليكم التفاوض معهم، فيردون بتردد نعم، ربما في يوم من الأيام، فأقول لهم حسناً ربما حان الوقت للبدء، فيجيبون نريد أولاً صواريخ أرض جو ومنطقة حظر طيران. لايزال كثير منهم يأملون بتدخل عسكري أميركي كافي كي يتمكنوا من تحقيق انتصار عسكري. لذلك أعتقد أن علينا أن نقول لهم: سنُقدم على زيادة المساعدات العسكرية، ولكن ليس من أجل اسقاط النظام، بل لجلب عناصر من النظام إلى طاولة المفاوضات والتفاوض بجدية، فهم يقولون: "سئمنا الموت من أجل عائلة الأسد".
يواجه النظام نقصاً في عدد الجنود الآن، ولكن هذا ما أنتج سياسة الحصار والتجويع، فبدلاً من القتال والسيطرة على المناطق المعارضة، يخفض النظام ببساطة من إمداداتها الغذائية. فليس لدى النظام ما يكفي من الجنود للاستيلاء على الأرض، لذلك ما يفعله هو قطع الطرق المؤدية إلى هذه المناطق والجلوس في حصار قروسطي وتجويع الناس، وقتل الآلاف نتيجة لهذا التكتيك.
الجيش الحر وطني وذو مصداقية
وفي الوقت نفسه، يقول فورد إنّ الجيش السوري الحر المعتدل هو قوة قتالية أكثر مصداقية بكثير مما يعتقد معظم الناس، رغم أن ذلك يختلف من وحدة عسكرية إلى أخرى، ويتراوح تعداد الجيش الحر بين سبعين وتسعين ألف، وهو عدد أكبر بكثير من قوى داعش كما يقوم بقتال كل من النظام والدولة الإسلامية في المحافظات الشمالية والغربية والتمسك بإحدى ضواحي دمشق الرئيسية. وهو يسيطر على المعبر الحدودي في الجنوب ويحاصر قاعدتين جويتين للنظام في شمال غرب البلاد، ويدفع بشكل منتظم لجنوده نحو 100 دولار في الشهر (على الرغم من داعش يدفع ما بين 400 أو 500 دولار في الشهر).
يضيف فورد أنّه كتب من قبل أنّ الملف السوري يمثل أكبر فشل للرئيس الأمريكي باراك أوباما، ورغم أن الحديث عن حل إيجابي بعد مقتل أكثر من مئتي ألف قد تأخر كثيراً، ولكن مع ضعف النظام الحالي، ما زال هناك فرصة على الأقل لتحريك الأحداث في اتجاه إيجابي. فهل سيقوم أوباما بفعل ذلك؟ اعتقد أنّه لن يكون لديه في نهاية المطاف خيار آخر. فلماذا يؤجل فعل ذلك؟ نحن لن نمحي داعش عن وجه الأرض، ففي أحسن الأحوال نحن في طريقنا لإعاقة هذه الجماعة من خلال الغارات الجوية والقيام ما بوسعنا للمساعدة في إنشاء حكومات في العراق وسوريا يمكن أن تهمش جاذبية داعش. وإذا استطعنا أن نفعل ذلك مع اسقاط طاغية الإبادة الجماعية الأسد في نفس الوقت، فهذا هو بالضبط "الأمل" لنجاة سوريا بكل من فيها وما فيها.
التعليقات (5)