كل هذا جاء تتويجا واستثمارا لاستخدام واستهلاك "العروبة" من خلال الإعلام والمؤتمرات والتصريحات السياسية والكتب والدوريات وغيرها من وسائل الدعاية والنشر والصحافة، فكانت النتيجة عربيا ما وصل إليه العالم العربي من دمار بنيوي شامل للمجتمعات العربية، ومع انطلاق ثورات الربيع العربي التي جاءت نتيجة وصول القهر والاستبداد والفساد والإفساد إلى حالة قصوى، وتبدى ذلك سيكولوجيا بإحراق البوعزيزي نفسه في تونس، الشرارة التي أشعلت جمود العالم العربي من محيطه إلى خليجه، والآن وبعد الذي حصل من سقوط أنظمة وزعماء إستبدادين وانتظار آخرين للسقوط يأتي النظام الرسمي العربي ليتحف الشعوب العربية بعبارة أخرى لتستخدم بشكل انتهازي على إيقاع "كلمة حق يراد به باطل" فالإرهاب مدان عالميا ولدى كل إنسان عاقل ويمتلك ضميرا إنسانيا حيا معافى، لكن لنأت إلى طريقة استخدام هذه الكلمة عربيا ففي سورية النظام الاستبدادي يستخدمها لكي يقنع الغرب بأنه يحارب الإرهاب (الذي هو بعبع الغرب) في محاولة يائسة للحفاظ على الحكم، أمام ثورة شعبية عارمة واجهها بالقتل والتدمير والتشريد، ويمكن تلمس ذلك في الاعلام السوري الرسمي، وكذلك في كلمة وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر جنيف 2 مرددا كلمة "إرهاب" ثلاثين مرة خلال ثلاثين دقيقة، ويبدو أن هذه الكلمة هي المحببة لدى النظام لأنها –بتصوره– منقذة له من السقوط تماما كما كانت العروبة منقذته خلال أكثر من أربعين عاما، وفي العراق - المالكي الذي تنحى أخيرا بعد فشله الذريع في إدارة دفة الحكم بالبلاد وأفسح بممارساته الفاسدة لداعش أن تمتد وتسيطر على كميات هائلة من سلاح الجيش العراقي الذي ترك بيد داعش بعد هروب العديد من القطعات العسكرية العراقية واحتلال داعش لمدينة الموصل وما جرى بعد ذلك من تمدد داعش في سورية وهجومه على الايزيدينن في جبل سنجار، والتدخل الاميركي المحدود في المناطق الكردية في العراق فقط وترك سورية لتنهش بها داعش والنظام وميليشيات حزب الله كما تشاء، ومعروف أن نظام المالكي هو ذاك النظام الذي جاء على اثر سقوط دكتاتورية صدام حسين، ونتيجة وثمرة للاحتلال الأمريكي للعراق، خلال ولايته الثانية متحولا إلى دكتاتورية عراقية جديدة، الذي حاول (وهو المتعاون مع النظام السوري من خلال التأثير الإيراني عليه والانحياز ذي الطابع الطائفي الواضح) أن يصور الاحتجاجات في المناطق السنية بأنها مجرد إرهاب وإرهابيين وقاعدة علما إن القاعدة موجودة بالأنبار، ولكن هذا التجييش الإعلامي والميداني والسياسي ضد الإرهاب في منطقة محددة يأخذ طابعا تهويليا زائدا عن حده، وهو من نتاج الأنظمة الإقليمية نفسها وبتغطية وسكوت غربي واضح، ولكن الآن وبعد أن طفح الكيل تحاول أميركا والغرب إيقاف داعش ولو بشكل محدود عن الزحف إلى مناطق محددة.
أما في مصر حيث الحكم الجديد الذي جاء على اثر ثورة 30 يونيو 2013 -( الثورة الثانية)، احتجاجا على حكم الإخوان المسلمين متمثلا بمحمد مرسي وعزله وسجنه، فإن الحكومة المصرية عوضا عن إيجاد حل سياسي متوازن مع كافة القوى السياسية، راحت تضخم من هول الإرهاب وتتعامل مع كل حركة احتجاجية سلمية أو عنفية باتهامها بأنها إرهابية وتستخدم الكلمة بصورة متكررة ومملة وتلجأ إلى الحلول الأمنية، وهي ضرورية لكنها ليست كافية ،ناسية أو متناسية أن الاستمرار في التعامل مع قضايا سياسية اجتماعية بهذه الصورة المهولة يؤدي إلى خروج الأمور عن مساراتها الطبيعية والوصول إلى حافة الانهيار، لم تكن اسرائيل لتبقى تعيث فسادا وقتلا بالعرب والمسلمين لولا فساد الأنظمة العربية ووجود علاقات سرية مع إسرائيل رغم نقيق وزعيق إعلام الممانعة والمقاومة، وهي بنفس الوقت استفادت من اسرائل نفسها كذريعة وحجة في تخوين واعتقال وتشريد خيرة العقول والكفاءات العربية، والآن الأنظمة العربية التي ساهمت في خلق بؤر الإرهاب عبر القمع المستدام وخنق التنمية وتفقير الريف وقتل المشاريع النهضوية وكم الأفواه وحرق الأخضر واليابس والتضييق الكبير على مؤسسات المجتمع المدني وحرية الصحافة والفكر والتعبير، وأخيرا مواجهة المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي والطائرات والمدافع وصواريخ السكود كما في الحالة السورية في أوضح تجلياتها، أقول: تحاول هذه الأنظمة أن تستغل ثمار ما زرعته لإبقاء حكمها في وجه الديموقراطية وحراك الشعوب من اجلها لتعيش حرة كريمة، برفع هذه الحجة والمبرر المقبول غربيا، لتتداخل وتتعانق المصلحة الغربية مع مصلحة الطغمة الحاكمة في تدمير الشعوب وسحقها تحت هذه المبررات التي هي وحدها تتحمل مسؤوليتها لا الشعوب المسكينة التي تدفع ثمن أخطاء حكامها من دمها وثرواتها وتراثها وتاريخها وأرضها وكرامتها.
"الإرهاب" الآن عربيا هو بديل "العروبة" للحفاظ على الحكم، نظرا لطاقته التهويلية المحملة بمكثف خوفي رعبي عنفي شديد الوقع والتأثير في سيكولوجية المواطن العربي، وشديد الاستجابة الرهابية لدى الرأي العام العالمي.
التعليقات (4)