(لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة):الفشل في سرد التاريخ روائيا

(لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة):الفشل في سرد التاريخ روائيا

تستمر (أورينت نت) في إفساح المجال لمناقشة النتاج الروائي السوري الذي صدر خلال الثورة في السنوات الثلاث المنصرمة، في دعوة لفتح حوارات وسجالات، جديرة بالرواية السورية المعاصرة.. بغض النظر عما تتيحه هذه المناقشات من رضى أو قبول لدي بعضهم.. هنا وقفة مع رواية (لا سكاكين في مطابخ المدينة) للروائي خالد خليفة.

لم تلق رواية الروائي السوري خالد خليفة الأخيرة: (لا سكاكين في مطابخ المدينة) رواجاً جماهيرياً، رغم صدورها عن دور نشر لبنانية شهيرة، والعدد الكبير من المقالات التي نشرت في الصحف والدوريات والمواقع العربية، وترشحها للقائمة القصيرة لجائزة البوكربنسختها العربية، ربما الترحيب لم يكن بالرواية الجديدة، بقدر ما كان ترحيباً بالروائي القديم، الروائي الذي يملك في رصيده رواية، قد تكون فذة، وحملت عنوان "مديح الكراهية" وبقي في ذهن القارئ والناقد والصحافي العربي، صاحب "مديح الكراهية"، الذي يجب أن تفرد لكل عمل من أعماله الصفحات الثقافية، سواء عبر المقالات أو الحوارات الأدبية أو الدراسات النقدية.

لا حبكة روائية لافتة في عمله الأخير، قد تحمل إنجازاً يحمل سمات رواية جديدة، أو على الأقل لنقل معاصرة، قراءة تاريخية لزمن عاش فيه السوريون وثاروا عليه، لا أبالغ حينما أقول أنه أستاذ تاريخ، بارع في سرده البطيء، سوريا البلد الذي يحكمه العسكر، حيث يتنافس كل أزلامه على جعل الناس عبيداً للقائد الخالد، سوريا التي نعرفها جميعاً، والاشتغال على مساحة التاريخ العام، ومساحة التاريخ الشخصي، في مقاربة لزمن تاريخي مميز، رغم كل محاولات هندسة السرد بشحنة من التوتر، بين عالم المدينة حلب التي عاشت الحقبة العثمانية ثم الحقبة الفرنسية، وتالياً حقبة العلوية السياسية، يحاول الراوي، أن يكشف عن حجم الاختلاف بين حلب المدينة، وحلب الريف. عالمان تحاول الرواية، أن تكتشفهما بلا جدوى، هذا الصراع ليس صراع الريف والمدن، بل هو صراع الغنى والفقر، التنمية والإهمال، العلم والجهل، وليس اختلاف العوالم بين المدينة والريف، لم يقل الراوي شيئاً متماسكاً، يستحق الإشادة.

سوسن بطلة الرواية، تتملكها ككثيرات حمى الانتساب للحزب. تحاول الرواية هنا أن تثير مسألة شديدة الحساسية في المجتمع السوري، بين القضاء على الحياة المدنية فيه وعسكرته بالكامل، بإزالة الفاصل بين الحياة العسكرية والحياة المدنية، حيث ترغب العلوية السياسية أن يصبح كل المجتمع عبارة عن ساحة حرب. لا عيب في أن تركز الرواية على هذه الموضوعات ولكن العيب في أن الكاتب لا يركز عليها من وجهة نظر روائي يحاول أن يفهم العالم، بل من وجهة نظر سياسي، يحاول الصراخ والزعيق وإثارة الضجيج، دون أن يفهم الآخرون شيئاً.

وتستمر الرواية طوال فصولها الخمسة في البحث عن وصفة ناجزة من وجهة نظر راو يحاول أن يقول إن السبب كامن في مشاكل حياتنا الكارثية، والتي دفعت بالظروف إلى التفجر، والرواية العالمة بكل شيء جزء من هذا، بوصفها تحاول أن تبحث عن حل لمشاكلنا بنفس الطريقة الحمقاء لحياتنا المعاشة.

الشاذون الذين يعيشون حياة جنسية غير "طبيعية"، هم الآخرون لهم حضورهم في السرد. حيث يحاول الراوي، أن يناصر التعساء منهم، وهذه الموضوعة ليست هي الأخرى عيباً في الرواية، ولكن العيب في أن التركيز على الشخصية الرئيسية أو الموضوعة الرئيسية، يصبح قطاعاًً هامشياََ. راو يتكلم باسم الكل ولا يستمع إلى أحد، بل يجب على الآخرين الاستماع إليه، بوصفه الراوي المثقف المستغرب المستنير المستناب عن الناس، والمناط به وظيفة أخلاقية ووجدانية للنهوض بهم وبمشاكلهم، ولا يغيب عن ذهن الراوي الحديث عن الإسلاميين بوصفهم جزء من ممارسة العمل السياسي داخل السرد الروائي، هنا تصبح الرواية أصبح بكتابة عرائض وتعليقات سياسية والبحث عن أجوبة لها.

سوسن المرأة التي تشبه التاريخ بأوهامه وانتصاراته وخدائعه، وكتابة الذاكرة على هامش الماضي والحاضر، ترافق كل التحولات، من المظلية المحبة للقائد الخالد، والتي تكتب التقارير بزميلاتها، وتنزل برفقة الرفيقات المظليات لانتزاع الحجاب عن رؤوس النساء المحجبات، ثم تمسي عشيقة ضابط كبير ترافقه إلى دبي، حيث تعود بخيبة تعيدها إلى الورع والتقوى وترقع غشاء البكارة، ثم تتزوج وترحل إلى باريس، لكي تعيش حياة باريسية، وكأنها الفشل في المشروع والتاريخ، كعادة كل الروايات العربية.

يمكن لكاتب شاب أو مغمور، أن يعتبر الترحيب في الصحف بعمل روائي لا يحمل من سمات السرد الروائي شيئاً، ومبنياً على التاريخ أكثر من كونه متخيلاً، شيئاً يستحق الانبهار، ولكن حيال كاتب مثل خالد خليفة عليه الاعتراف، أنه حاول أن يقول كل شيء عن كل شيء، ولم يقل شيئاً روائياً واحداً، حينها يصبح الحديث عن كاتب كبير ومعاصر في سورية، بقي وفياً لتاريخه الحقيقي، شيئاً يستحق الاحترام والقول.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات