هذا الرجل الذي لا وزناً سياسياً له ولا ينتمي لأي فكر أو رؤية سوى إطلالات إعلامية يرمي من خلالها السباب والتهكم اللحظي الذي يتلاشى فور انتهاء أي لقاء، لكن أبعاده موجودة عند آخرين خلف المشهد.
ونستطيع القول إن وهاب يشكل ظاهرة تعبر عن مرحلة، تماماً كما ظاهرة أغاني "الهشك بشك" التي تنتشر في الكراجات وعلى البسطات، ولطالما شوهت الذوق العام، هكذا وهاب بظهوره تحت عباءة السياسة ومنذ سنوات عدة يمارس الدور ذاته تحت عناوين مختلفة، لكن مسيرته الغوغائية تلك أخذت وهجها ومجدها قبل وبعد اغتيال الرئيس الحريري في لبنان، وكان عليه تمرير البذاءة التي يتجنب حزب الله لفظها على ألسنة ممثليه، لكنها بالنتيجة تعبر عن مرحلة يتم التعامل بها بلا ضوابط سياسية أو قانونية أو أخلاقية وهي تتبع حسابات حالش على الساحة اللبنانية بحيث يوظف المال في شراء الفجور الإعلامي، فكان وئام وهاب وناصر قنديل والعديد غيرهم ممن وجد فرصة للظهور وللمال وإبراز ملكات التكلم بكل شيء وبلا شيء، حينها لم يكن أي عمل لوهاب سوى قذف آل الحريري ومكونات 14 آذار بكل أنواع التهم والكلام الجارح، وعندما أذن الغرب والعرب بتمرير مخرج للمعادلة اللبنانية وطي صفحة الساحات هدأ هؤلاء وغابوا عن الشاشات، وكان مؤتمر الدوحة، ثم حين رأى حالش أن الوقت قد حان للانقلاب على التفاهمات والتوازنات التي خرجت من الدوحة وأن هناك فرصة لابتزاز جديد بدأ وهاب كما غيره بالظهور على الإعلام من جديد وابتدأت معزوفات التخوين والترهيب والشتائم وما إلى ذلك من تلك الثقافة، وتوجيهها للأطراف اللبنانية والخليجية التي يجب أن تخرج أو تضعف في المعادلة.
لا ثقل للرجل على الساحة اللبنانية، ولهذا اللبنانيون لا يقيمون لصوته أي اعتبار حقيقي؛ وهذا واضح من أداء جنبلاط في مناطق نفوذه السياسي والاجتماعي... حيث زُرع وهاب بل قد يكون جنبلاط الذي يصفه البعض أنه داهية في السياسة مستفيد ضمناً من بالونات وئام وهاب، حين يعد العدة متحضراً إلى حدث ما يتم في الكواليس الآن وبعد إعلان وهاب إغلاق مكاتبه التشبيحية في سوريا، ثم خروجه على إحدى المحطات اللبنانية التي هي بالأساس موالية للنظام السوري ولمن يغطي وهاب، وتصريحه أن المخابرات السورية أساءت له ولحزبه وأن كبرياءه لا يسمح له بذلك، الأمر الذي جعله يغادر، رغم أنه لم ينسَ بالتأكيد تمرير جملة أنه سيبقى مؤيداً للأسد.
لكن ليس هنا بيت القصيد حسب التجارب السابقة وليس هنا مصب الكلام فدافع المال هو محرك الجوقة الموسيقة النشاز، أي حالش بالذات، وعلى هذا يصبح السؤال الآن هل هنالك طبخة تعد في الكواليس يدس فيها السم بهدوء؟ بالنسبة لنا كسوريين لم يكن حضور وهاب الإعلامي وشتائمه ذا قيمة خلال سنوات ثورتنا بل ربما كان له أثر معاكس على ما رغبه من استضافه واستضاف بقية أقرانه اللبنانيين وهو إعلام الأسد ، فقد حاول وهاب اختراق مدينة السويداء بالذات و شراء الذمم ببضع آلاف من الليرات مع بضع إعانات غذائية تقدم من خلال مكتبه أو أتباعه، واعتبارها مدخلاً لتسليح الشباب وتطويعهم تحت راية دكانه السياسي الصغير المسمى حزب التوحيد والذي هو بالنتيجة تحت راية حالش، وبدعم أمني ورسمي حاول اختراق النسيج الاجتماعي وأخذ بإطلاق الإشاعات التي يرغبها النظام لبث الذعر بين الناس من قادم الأيام الأسود ومن حكم إسلامي متشدد سيبقر البطون ويقطع الأعناق وما إلى ذلك.
لاشك أن النسيج الاجتماعي في السويداء الذي حاول اختراقه هو نفسه الذي رفضه وقيد حركته وساعد بذلك الحراك السياسي المعارض بمثقفي السويداء، فأعلن تجميد حملته أكثر من مرة وأغلق سابقاً مكتبه الوحيد لكنه عاد للنشاط مع زيادة تغول النظام بالدم وانتشار عناصر حالش وزيادة الأزمة المالية عند الناس، وابتدأ يعيد أنشودة التسليح والتعاضد والتكافل مع حالش، ومن الملاحظ أن رحيل الشيخ أحمد الهجري شيخ عقل الطائفة والتي ما زالت إشارات الاتهام في محافظة السويداء تتوجه إلى النظام باغتياله، كان الفرصة الأهم لوهاب بعدغياب هذه الشخصية الوازنة للتطاول والتمدد وإن بحدود ضيقة، لكن الملفت بالمقابل أن كل أساليبه الملتوية لم تؤدِ إلى النتيجة المرجوة في سوريا إلا في مكان واحد وإن بشكل نسبي وهو بعض القرى الدرزية في ريف دمشق الغربي المتاخم للجولان، فقد فشل في جرمانا وصحنايا والأشرفية كما السويداء حيث الثقل الدرزي، فماذا جد الآن من أمور ليعلن وهاب هذا الموقف وعلى الهواء؟.
ربما نستطيع العودة هنا إلى ما جرى بعرسال ومن ثم اتهام اللاجئين والتعدي عليهم، ثم موقف القوى اللبنانية المؤيدة لذلك بما فيها جنبلاط، مضافاً إليه عودة سعد الحريري إلى لبنان بعد غياب دام ثلاث سنوات، ثم معركة فاشلة لمدسوسي الأمن السوري غرب السويداء والهجوم المباغت على قرية بسيطة اسمها دير داما وبلا مبرر وإعلان وهاب أن حزبه شارك بحماية القرية، مع العلم أن عناصر النظام ومن تبع لها من دفاع وطني قد انسحب ولم يشارك بذلك، كل هذا يمكن ربطه مع التطور الأهم للموقف الأميركي من داعش وخسارة النظام للرقة كاملة حيث سيقودنا إلى توقع لغة جديدة قادمة مهد لها الصغار، فهل من مبادرات سيجري العمل على تسويقها لتحريك المياه الراكدة، وهل سنشاهد إطلالات جديدة لتلك الجوقة الغوغائية كناصر قنديل على سبيل المثال ليمهد لانسحاب تكتيكي لحالش قبل أن تبدأ أمريكا بضرباتها المتوقعة على داعش؟
التعليقات (1)