هل بتنا نقف أمام استحالتين؟، الاجابة برأينا تحيلنا إلى مربع التوهان وإعفاء النفس من مواحهة الحقيقة الساطعة، وهي أن القوى المتصارعة في الميدان السوري، من قوى ثورية وقوى أسدية، أصيبت بعطب في ميكانيزمات عملها ولم يعد ممكنا لأي منها تحقيق الحسم لصالحها، حتى أنها لم تعد قادرة على إحداث تموضعات جديدة تتيح لها تطوير عملها، وترشيق أساليبها، لم يعد لديها فائض من الإمكانيات يساعدها في تزخيم قوتها، ما بقي يكفي للحفاظ على الوجود وليس لتغيير الحدود.
الواضح أن هذه الخلاصة لم تعد خافية على أحد، ثمة تحركات في دوائر صنع القرار العالمية تتأسس على هذا المعطى الواقعي، الحشد الامريكي ودعوة أوروبا للحرب على الإرهاب يدخلان في سياق تغيير المعادلات الشرق اوسطية، ومحورها المعادلة السورية، وحدهما أطراف الصراع السوري يعتقدان ان الرياح ستجري لصالحهما؟.
ثمة ما يمكن استشقاقه في الحراك الدائر في عواصم القرار الدولية والتي تسعى الى تجهيز حشد دولي لمواجهة مخاطر الفوضى الحاصلة في الاقليم، وهو انه يقوم على قاعدة التفكير من خارج صندوق الحلول التي كانت مطروحة سابقا والتي غالبا ما ارتكزت على ثنائية قمع الثورة او سقوط النظام، هذه المعادلة أسقطها عجز الداخل وخلافات الخارج " القوى الدولية الفاعلة"، لكن استمرار هذه المعادلة صار مستحيلا ولأسباب عدة:
-تهاوي نظرية " ترك الاعداء يقتلون نقسهم بنفسهم" التي تبناها الغرب، وظهر أن مفرزات هذا النمط من التفكير والتقدير ضارة وخطيرة، وذلك بسبب الدينامية الناشطة لحالة الإستقطاب والتي أنتجت تضخما مفرطا لدى جبهتي القتال السنية والشيعية لدرجة تكاد تطوي كل سكان المنطقة تحت جناحيها.
-تهديد الازمة للمنظومة الإقليمية التي ترعاها اميركا في المنطقة صار حقيقة لا افتراض، بعد ابتلاع العراق ووقوف لبنان على عتبة الازمة، وإحتمال وصول نيرانها الى اسرائيل صار واردا، التقدير السليم لا بد أن يعطي ارجحية كبيرة لمثل هذا الإحتمال.
-استنفاذ كل الرهانات والمشاريع الإقليمية والدولية وبلوغ الازمة مرحلة تصدير التداعيات السلبية بكثافة.
-توفر مناخ من الإستعداد الإقليمي والدولي، وإن كان في بداياته، لإنجاح خيارات جديدة للخروج من المأزق الشامل والثقب الاسود الذي يهدد بابتلاع الجميع، وخاصة في المنظومة المؤيدة لاستمرار سيطرة بشار الاسد على سورية، ايران التي تقف على ابواب صراع داخلي قد لا تخرج منه سالمة، وروسيا المنهمكة حتى اذنيها في اوكرانيا حيث تنفلت الامور بطريقة دراماتيكية، وحتى الدول العربية الداعمة للثورة صارت لها تقديراتها الخاصة من استمرار الصراع وهي تسعى الى التوافق مع التوجهات الدولية الجديدة.
التفكير الجديد يمكن قراءته من بين سطور الترتيبات الدولية للعراق، والتي تأسست على معادلة جديدة وهي ان التدخل مشروط بتوفير بنية تحتية ملائمة تبدأ بإحداث تغيير سياسي في معادلة الحكم، وفي مرحلة ثانية تطبيق مبدأ اللامركزية وبشكله الأقصى، بما يشبه الدولة الكونفدراليه، بحيث يكون للمكونات المختلفة أكثر من إدارة ذاتية لأقاليمها، تحضير لحالة انفصال قادمة، وهو ما تؤكده الإجراءات الامريكية على الارض من تسليح للأكراد وتشكيل جيش للسنة.
من المؤكد أن نجاح هذا الحل في العراق لن يتأخر ترحيله وتطبيقه على خريطة الازمة السورية، وخاصة وأن البنى التحتية للحل باتت متوفرة، من خطوط تماس وحراس للحدود، ورغبة جارفة في عدم تعايش الاطراف المتصارعة مع بعضها البعض ورفضها التساكن في وطن واحد ولا يمكن لأي ضمانات، مهما كان نوعها، ان تحل هذه الإشكالية.
هذه المعادلة التي تتحرك في إطارها التحركات الدولية تقوم على أساس تحريك المعطيات الموجودة في الصراع السوري ونزع تأثيراتها الإقليمية والدولية، بمعنى: إعادة صياغة الصراع بحيث يكون داخليا على حدود الأقاليم السورية وتركه يستهلك نفسه هناك حتى تنضج ظروف تسويته.
هل ثمة مؤامرة ينطوي عليها مثل هذا التطور؟ ربما، فتاريخ السياسة الدولية لا يبرئ نفسه من مثل هذه السياقات، لكن علينا أن نعترف أن بيئة هذا الحل صنعها بدرجة كبيرة نظام الأسد وهو الذي أنضج سياقاتها وصنع حدودها ببحور من الدم والكراهية. الحل اليوغسلافي يلوح في الافق، ليس علينا سوى انتظار تطبيقاته لنقول وداعا يا سورية.
التعليقات (13)