اللاجئون السوريون في تركيا: لن نكون (عالة) ونريد العمل بشرف

اللاجئون السوريون في تركيا: لن نكون (عالة) ونريد العمل بشرف
مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، اضطرتهم الظروف الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، عقب انطلاق الثورة السورية إلى اللجوء إلى تركيا، وهذه الأعداد الكبيرة، خلقت مشكلة سياسية واقتصادية، وفي بعض الأحيان أمنية على عاتق الحكومة والمجتمع التركيين.

قسم كبير من اللاجئين يعيشون في المخيمات، ومن سمحت لهم ظروفهم المعيشية يعيشون في المدن التركية، وخاصة اسطنبول وغازي عنتاب، وبين المخيمات والمدن، الكثير من القصص المأساوية التي تروى.. كيف يعيش السوريون؟ وكيف يقضون أوقاتهم؟ وما هي مشاكل العمل والإقامة والإندماج، في وسط اجتماعي جديد، غريب اللسان؟! هذه الموضوعات وغيرها، طرحتها صحيفة (أورينت نت) وحاولت الاستقصاء عنها في التحقيق التالي.

 حوادث فردية ليس إلا!

القاطنون في المحافظات الحدودية مع تركيا، كانوا أول النازحين إليها. ظاهرة التدفق نحو (غازي عنتاب)، هي الظاهرة الأميز في اللجوء السوري، كونها مدينة كبيرة ونشِطة اقتصاديا وتجاريا، ولما ترتبط بأهمية خاصة لدى السوريين ثقافيا ودينيا، وقد استقبل سكان المدينة أفواج النازحين إليها، وخاصة القادمين من حلب وإدلب والرقة، ورغم ذلك يبقى عدد النازحين في المخيمات، أكبر من الأعداد المتدفقة لـ(غازي عنتاب) وإسطنبول بكثير، نظرا للظروف الاقتصادية السيئة للكثير من السوريين، لذلك يعتبر اللجوء الإنساني السمة الغالبة للجوء السوري، مما يمنح قضية اللجوء السوري، شرعية سياسية تتحمل مسوؤليتها الدول الإقليمية والجهات الدولية، ولا يمكن إنكار كون الحكومة التركية، عالجت قضية اللجوء السوري، بطريقة أفضل من دول الجوار كافة، لما تتميز به تركيا من علاقات تاريخية تربطها بالشعب السوري على مستوى السياسي والثقافي والديني.

ورغم كل ما يتداول عن بعض الحالات الفردية هنا وهناك، تبقى الظاهرة العامة هي الاحتواء والتنظيم بشقيه الحكومي والأهلي، وخاصة أن عدد اللاجئين في تركيا هو الأكبر، وفي تزايد مستمر، وغالبية اللاجئين من الأطفال والنساء والمسنين، وهم الشريحة الاجتماعية الأكثر تأذيا من آلة حرب جيش النظام، وهم الشريحة التي يدأب جيش النظام على استهدافها منذ بداية الثورة، الخوف من آلة حرب النظام هو السبب لكل نتائج الحرب الدائرة في سوريا، لا أحد يعتبر أن الجيش الحر أو الفصائل الإسلامية أو حتى ما يسمى "الحركات الأصولية"، هي السبب وإنما يراها البعض نتيجة للقتل والنهب والسرقة والهدم، الذي مارسه النظام وجيشه تحت مسميات الدفاع عن "الوطن"، غالبية الأراء التي استمعت إليها صحيفة (أورينت نت) يحملون جيش النظام مسوؤلية بقائهم في مخيمات لا تقيهم البرد في الشتاء والحر في الصيف، وإن كانوا أوفر حظا من ناحية وصول الغذاء إليهم على عكس من بقي في الداخل السوري، الذي تحول المعارك الشرسة في الكثير من الأحيان، دون وصول المساعدات إليهم.

ويبدو أن عدد النازحين السوريين يفوق أعداد النازحين خلال الحروب الأهلية في أثيوبيا وإريتريا وباقي الدول الإفريقية التي تعتبر، الحالات الأكثر مأساوية في التاريخ البشري المعاصر، وتبقى مخيمات النازحين السوريين في تركيا، بمنأى عن الأمراض الخطيرة والفتاكة، نتيجة للعناية الصحية وتوافر الحد الأدنى من الخدمات، وخاصة اللقاحات والأدوية والأمصال، وهذا ما تفتقده المخيمات في لبنان والأردن، ومواد الإغاثة تصل بسهولة وانتظام إلى سكان المخيمات.

لا نريد أن نكون عالة على أحد!

في مقهى(نهاوند) في مدينة غازي عنتاب، تستوقفك طاولة كبيرة يجلس عليها، عدد من الناشطين السوريين، صوت أحد الحضور يتحدث عن ضرورة الخلاص الفردي بوصفه جزء من الخلاص الجماعي:

"لا نريد أن نكون عالة على أحد، نريد أن نعمل ونعيش بشرف" الكثير من الصور والقصص والمأسي، تجدها لدى كل فرد سوري، ربما غالبية الناس، الذين خارج أسوار المخيمات، باتت تراودهم أحلام الهجرة إلى أوربا ولو بقارب قد يجلب لهم الموت.

المسألة الأكثر إلحاحا على السوريين هنا، الحصول على إقامة تمنحهم الحق بالعمل وممارسة حياتهم بشكل طبيعي، تكاليف المعيشة في تركيا مرتفعة نسبيا عن سوريا، والكثير من السوريين يتقن العمل في مهن يدوية ولا يطيق العيش بلا عمل، أحد السوريين الذي فقد أخاه في الثورة، يتحدث عن إتقانه لمهنة النجارة وصنع أثاث المنازل، ويتوق للعودة إلى ممارسة، هذه المهنة:

"كان لدينا ورشة صغيرة، لكن الآن لم يعد هناك ورشة ولا مصدر رزق، ليت خسارتنا اقتصرت على الجانب، لكنت أعتبرت نفسي حينها محظوظا، ولكن الأمر كان غير ذلك.. البشر لا يعوضون!".

الكثير من السوريين، الذين استمعت إليهم يتجنبون الحديث عن قصصهم الشخصية بالأسماء الصريحة، ولكنها قصص كثيرة تروي مجتمعة مأساة شعب وأفراد معاً. هنا لا يمكن أن تكون اللغة سوى بائسة، (أمينة) امرأة سورية مقيمة في غازي عنتاب تتحدث عن فقدانها، لعدد من أفراد عائلتها أثناء الثورة. لا يوجد لديها أقارب هنا، تتحدث عن بعض التعاطف حيالها، ولكنها تعول على تسجيلها لدى مفوضية اللاجئين في انتظار قدر قد يرأف بها وبأطفالها، (أمينة) ربما تكون مثال لنسبة لا يستهان بها من السوريين، الذين اختارت ألة حرب النظام، أن يكونوا وقودا لها. الكثيرون مثلها يحلم بالهجرة والحصول على أوراق رسمية والعمل.

العمالة السورية كمصدر قلق!

لا يمكن الحديث عن وجود حالات من العداء والتميز ضد السوريين في تركيا، وتبقى ما تناقلته وسائل شبكات التواصل الاجتماعية والإعلام، مجرد حالات فردية لا ترتقِ لكونها ظاهرة عامة، ويبقى الملمح الأساسي الإحتواء والمعالجة.

الكثير من السوريين استجلبوا عائلاتهم إلى تركيا، بغية الاستقرار بصفته مكان للم الشمل، الذي قد يطول، وخاصة في ظل نكبة قطاع التعليم، وترافق ذلك مع دخولهم سوق العمل، وخاصة في القطاعات الخدمية والصناعية، التي لا تحتاج ليد عاملة عالية الكفاءة والتأهيل، في (غازي عنتاب) على سبيل المثال تجد الكثير من المقاهي والمطاعم السورية المنتشرة بكثافة عالية، وهناك سوق خاص بالسوريين، في ملمح قد يفضي لإقامة دائمة، وهذا مصدر القلق الأساسي للأتراك، وخاصة في ظل تشكيلها لقوة حيوية تحمل مقومات استمرارها، وينطبق ذلك على قطاع خدمات المطاعم والخدمات العامة وبعض تجارة التجزئة، ولا تخفى ظاهرة إقبال اللاجئين على السلع والبضائع المحلية في تنشيط للدورة الاقتصادية ككل.

 لجوء مؤقت أم هجرة اندماجية؟!

(علي شلاش) ناشط سوري، يقيم ويعمل في مدينة (غازي عنتاب)، صرح لصحيفة (أورينت نت) قائلا:

"اللاجئون السوريون، يقومون بدور اقتصادي، يمكن وصفه بالمهم، وخاصة في مجال تنشيط الدورة الاقتصادية، لذلك يجب أن تتجاوز حقوقهم مجرد الإقامة، نحو اكتساب حقوق كاملة تمكنهم من الإقامة والاندماج مستقبلاً، وكسر النظرة التنمطية نحوهم، بوصفهم لاجئين يجب أن تقام في وجوهم تحصينات وحواجز، تحد من أدوارهم"

ويرى شلاش أن ذلك يكون عبر: "إفساح المجال كاملا لهم، في الاندماج على غرار سياسات مماثلة، سنت وطبقت في دول الإتحاد الأوربي وأن هذه السياسات في حال توافرها، قد تنقل حالة اللجوء السوري من العشوائية الحالية إلى حالة من الدينامكية والواقعية الموظفة حسب الحاجة، وخاصة أن هذه القوانين قد تكسر الأقوال الخاطئة، حول أن اللاجئين قد يشكلون مخاطر وأعباء على الدولة المضيفة، وخاصة الأمنية منها، في تجافي لدورهم الاقتصادي والحاجة لهم"

يقترح شلاش أيضاً استبدال مفهوم "اللجوء" بـ "الهجرة" وهو يرى في هذا السياق:

"إن اللجوء السوري، تجاوز توصيف الحالة الطارية إلى كونه هجرة، نتيجة الإقامة والعمل، وتسريع إجراءات انضمام تركيا للإتحاد الأوربي، والنهضة التي تشهدها بعد إعادة الإعمار والنهضة الاقتصادية، عوامل قد تساعد الأتراك، وتحول دون أن تغدو الهجرة السورية، مشكلة تطفو على السطح، وخاصة في ظل رغبة النظام في ذلك... فالسوريون هنا لا يأخذون فرص عمل الأتراك، ولا يتناقضون مع قيم المجتمع التركي، ذات الملمح الإسلامي المشترك مع السوريين، وهذه عوامل احتواء سياسي واجتماعي تساعد على الارتباط" ويختم حديثه إلينا بالقول: "حتى الآن لا يوجد إجراءات إدارية تحد من الوفود السوري، ولا وجود لردود فعل تعسفية بحق السوريين المقيمين هنا، وهذه نقاط إيجابية تحسب للأتراك، وتؤخذ على لبنان والأردن ومصر".

لا لقوارب الموت!

تركيز السوريين على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي، وفي مراحل لاحقة على الإندماج السياسي، وذلك عبر تجمعات اجتماعية بالدرجة الأولى، قد يكون حلاً يساعدهم على تجنب قوارب الموت، والتي إن أوصلتهم إلى بر الأمان المادي، فإنهم توقعهم في مشاكل مع مجتمعات تتناقض مع قيهم ومثلهم، وهي حالات شهدت لها المجتمعات الأوربية نماذج ناجحة، في إنكلترا في الستينات، وفرنسا في السبعينات، حيث نجحت موجة النزوح في الاندماج والبقاء على ارتباط بالمجتمعات الأم، على عكس ألمانيا التي تأخر ذلك فيها حتى التسعينيات.

التعليقات (1)

    القصه مش عاله او غيره

    ·منذ 9 سنوات 8 أشهر
    القصه مش عمليه عاله او غيره.اذا كانت مخصصه لكم اعانات تكفي حاجتكم اذا لا داعي لمزاحمه اهل البلد في رزقهم وطبيعي ان يغضب اي شخص اذا رأى لاجئ يأخذ اعانات ويقوم بالمزاحمه بالعمل واخذ اجر ارخص.يعني نحن كسوريين يجب ان نراعي حقوق اهل البلد ولا نمتحن صبرهم لان قطع الارزاق لا يقبله احد ولا احد يقول ان السوريين عاله على من استقبلهم الا اللبنانيين وهم شعب رفع عنهم القلم ولا عتب على كل اللبنانيين بكل طوائفهم فهم اصلا يكرهون بعضهم بعضا فلا نتوقع حبهم للسوريين!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات