أشعل اغتيال الحريري ثورة الأرز والتف حولها لبنان الباحث عن الحرية والمتشوق للحضارة والراغب بالانعتاق من سطوة الفرس والأسد، في تلك المرحلة الفاصلة كان لبنان يتيماً فسارع العرب للسطو على دموعه وبقايا أمله وباركت اسرائيل همتهم فأعانتهم بحربها لتظهير قادة من لون أسود ورايات صفراء يعلم العرب بقصورهم أنها رايات القتلة، قتلة مشروع السنة للانبثاق نحو فجر جديد، فحاصروا الأسد إعلامياً ليخروجه نجماً وتموت المحكمة، وأظهروا الحريري الابن كمدلل يبحث عن صدر حنون وكحالم يبحث عن قصيدة تبكيه خلف النصب والخيمة المشيدة في موقع الجريمة وعلى باب الوزارة.
ترقبنا في سوريا أن يقتنص الشاب فرصة التاريخ ويخلد ذكرى والده بهمة الشباب المتوقد ويعلن مشروعه الخاص المبني على معطيات الدم وحقائق النار والمفخخات، وإذ به ينخرط بلعبة مغانم الشوارع والصور والكرنفالات، ظن الشاب أن البزنس في السياسة يصلح مع كل مراحل التاريخ لم يقرأ الأمانة بمفردات المرحلة الجديدة ولم يقرأ المستقبل كتيار للمستقبل كما يجب، فأدخله نصر الله وحزبه الإرهابي بلعبة المناصب والمغانم واستنزفه الخليج العربي بالوعود، وخدعه الغرب بالمراسم واللجان والشهود، والهدف دثر مشروع الأمة، سهل الأوربيون عودة ميشيل عون الذي قبِل كعادته أن يضعوه في سوق النخاسة فاشتراه الفرس، وشتتوا ثورة الأرز سنة بعد سنة ليصبح الحريري الابن لا يملك مفتاح باب قصر قريطم الذي لطالما كان رمزاً، دخل الشام زائراً قصر الأسد ووضع السكين في قلب السوريين الذين استبشروا بالشاب خيراً وبثورة الأرز كما عنون لها الراحل سمير قصير:" ربيع بيروت سيزهر في دمشق " فإذ بالحريري يدوس ياسمين الشام معلناً الاغتيال الثاني لرفيق الحريري، اعتقد أن "غاندي" يمكن أن يتنقل بين القابض على الزناد في قصر المالكي والقابع في جحور الضاحية يعدّ المتفجرات، دخل طاولة الحوار في لبنان كمن يدخل طاولة القمار على أمل أن يأتيه "صولد" الحكومة وسقط من جدول حساباته أن زعيم الضاحية المتمرس بالإرهاب عينه على لبنان وسوريا من بوابة عين ملالي إيران، ذهبت نكهة بيروت الثقافة والانفتاح وجاءت بيروت اللطم والنواح، وبقي الحريري يبحث عن كرسي أياً كان شكله فتدرج طموحه لينال في آخر خطوط المغانم وزارة داخلية في بلد تملؤه حواجز حالش، ومن السياسي الحالم الباكي إلى السياسي الغائب المعتكف إلى السياسي الفاقد للنكهة والمشروع أضاع مشروع أمة من بيروت إلى دمشق.
قامت ثورة سوريا وكانت فرصته الثانية كي يعيد لكرامة شهداء ثورة الأرز؛ إن لم يكن لكرامة الأمة بعضاً من حضور... لكنه تعامل معها بلغة المتصوف بالحلم، دخل (حالش) سوريا ليشبع غرائزه بالتهام الجثث ومص الدماء، ومن أمام قصره المنيف في (قريطم) مرت قوافل الغزاة القتلة وبقي هو ينادي من باريس بحيادية الدولة!
تساءلنا وتساءلنا عن أية دولة يتكلم الرجل المنكوب سلفاً؟ وأية بطانة سياسية يمثل؟ تساءلنا وما زلنا عن سر الخمول في الرؤى وفي قراءة الاحتمالات، كان المشهد واضحاً بل يبهر الأعمى، أن الفرس أصبحوا في الميدان ولبنان الذي كان لا يمكن أن يكون، استهدف الأسد وعن عمد كل رموز الأمة من المسجد العمري إلى مسجد ابن الوليد ومن رمزية بتر أعضاء حمزة الخطيب إلى رمزية التهام حنجرة القاشوس، وقتل غياث مطر تحت التعذيب... إبادة ممنهجة بحق السنة، وزعيم السنة في لبنان يلتهم الوقت بالانتظار على دور المقصلة!
ذهب بطرك لبنان إلى أساس أوامر القتل في إسرائيل وأخذ جل المسيحيين نحو دعم الأسد في وجه السنة "الوحوش" ولم يقرأ سعد أن السعد في زوال واليتم إن لم ترافقه الشجاعة مصيره البؤس والتشرد، بضعة أرغفة وأغطية للاجئين السوريين ظنها الرجل أنها أدوات انتصار، خذلته بصيرته عن جذب السوريين الناهضين لاستكمال مشروع رفيق الحريري، فساهم بدفن ما بقي من صورة ناصعة للشهيد في مقابر حفرها الأسد عن عمد وغرق هو بوحلها.
جاء هجوم جيش لبنان على مخيم عرسال بل على عرسال نفسها التي حملت آمال الحريري الراحل، وبغضّ النظر عن أسباب ما جرى لكن الابن قرر بيعها بثمن بخس لمن رتب تلك الغيمة السوداء فوق بيروت حين اغتال والده، لا هكذا تورد الإبل أيها السعد ولا هكذا تقرأ السياسة فصاحب حالش الذي يحاورك على طاولة القمار بالسياسة يرسل في وضح النهار قتلة إلى أحياء بيروت التي أصبحت تحت رحمته، لا ندري عن أية دولة تتكلم وأولئك السياسيون في لبنان عندما تحتاجون إذناً للعبور إلى مطار رفيق الحريري في وقت السلم والحوار فكيف في وقت الصعاب والحصار، سمير قصير لم يخطئ عندما قال "ربيع بيروت سيزهر في دمشق" لكني أظنه استشهد قبل أن يقول ربيع بيروت سيبدأ من ياسمين دمشق، حينها لا ندري أية وزارة ستبقى جائزة ترضية، لكن بالتأكيد سيعيد السوريون لرفيق الحريري ذلك الحق الذي أنت أهدرته.
التعليقات (1)