أورينت نت تحقق: لماذا أخفقت المعارضة في تحصيل منح الدراسة؟!

أورينت نت تحقق: لماذا أخفقت المعارضة في تحصيل منح الدراسة؟!
تتزاحم الصور كثيرةً في مخيلة (محمد)، وهو يتحدث عن يوم المناقشة التي حصلها عليها على درجة الدكتوراه بالهندسة الزراعية، من إحدى أرقى الجامعات الفرنسية، فمحمد المحمد، كان طوال عمره يحلم بهذا اليوم، لكن يوم الحلم هذا جاء باهتاً!

لم يكن مجرد يوم من أجل مصافحة أعضاء هيئة المناقشة والحصول على أعلى الشهادات العليا في تخصصه فحسب، بل كان يراوده، حلم الرجوع إلى وطنه وبدء خطوات جدية في استكمال مشروعه الحياتي والعلمي، ولكن موقفه من النظام ومخاوفه الأمنية ورفضه، أن يكون عاملاً في مؤسسات فرغت من مضامينها الأكاديمية لتصبح أكثر أمنيةً من السابق، بالإضافة لما تعانيه البلاد من حرب طاحنة يقودها النظام ضد شعبه الثائر، كلها كانت أسباب تحول دون أن يتحول حلمه إلى حقيقة.

العقل النازف!

يقدر عدد طلاب الدراسات العليا السوريين، في أوربا عموماً، وفي فرنسا بالتخصيص بالآلاف، ولفرنسا حصة الأسد منهم، إذ يقدر العدد بـ (1200) طالب وطالبة، قبل انطلاق الثورة، حسب إحصاءات أدلى بها لـ (أورينت نت) مصدر مطلع على أوضاع الطلبة السوريين في فرنسا وشؤونهم، والكثير من هؤلاء أصبح يفضل البقاء على العودة، والأسباب متنوعة.

لا تواصل حقيقي بين هؤلاء الطلبة ومجتمعاتهم. وربما كان فقدان التواصل نتيجة ما تعانيه البلاد، وعدم مقدرة المعارضة السورية على مأسسة أدوارها، بما يدخل كل هذه الكفاءات والخبرات في مراحل حياتية غير ناضجة ولا تناسبهم، تحمل ملامح الفشل حتى، إن صح التعبير. الكثير منهم يصارع كي تخطى حاجز الفقر ويضطر أن يشتغل في مجالات، لا تمت لتخصصاتهم بصلة، ولا تسهم في تنمية خبراتهم في مجال دراستهم الأساسي، النزف العقلي السوري هو الآخر هنا، يحفر ألماً شديداً في خاصرة البلد النازف.. ولو على بعد آلاف الأميال!

حينما قضى (محمد) في فرنسا سنته الثامنة، لم يكن ينوي البقاء هنا أبداً، ثماني سنوات قضاها بجد وهمة عالية، مستفيداً من فرص اكتشاف المواهب التي توفرها فرنسا، وتطوير نفسه في مجال اللغات الأجنبية، والاشتغال على مقالات وأبحاث، خارج مواضيع الأطروحة، وإصدار كتاب علمي.

تنمية الشخصية العلمية، كانت هاجساً أساسيا له، لكي يكون قادراً على العطاء مستقبلا، حينما يحين موعد العودة، الذي لا يبدو قريباً، حسب رؤية (محمد).

يتذكر محمد الآن كيف أنه جاء إلى فرنسا بعد رحلة شقاء دراسية بدأت من أول يوم في حياته. عندما تستمع إلى قصته التي تختزن الكثير من قيم الجد والعمل في حياة السوريين، لا يمكن إلا أن تثني على كل تفصيل شخصي وعام فيها، حال غالبية الطلبة السوريين في فرنسا، أما الآن فهو يعمل في مجالات لا تتناسب والحد الأدنى من خبراته من أجل كسب عيشه وأولاده.

طائفية تعليمية!

الطلبة السوريون الذين تتحدث إليهم هنا، يخاف معظمهم من الإدلاء بتصريحات، منهم من يخاف على منحة الإيفاد الدراسي التي يعيش منها، وآخرون يخشون على أسرهم من بطش النظام. (ع، م) طالبة تحضر دكتوراه في القانون، تتحدث عن تكاليف العيش الغالية ورسوم التسجيل العالية، مقارنةً مع سوريا، وسياسة الباب المفتوح بما يخص فئة اجتماعية من طائفة النظام الحاكم، وسياسة الباب المغلق بما يخص طائفة يصنفها النظام، أنها معادية للحكم ولـ"قائد الوطن"، أشياء تجعل ظرفية الدراسة، عقب انطلاق الثورة السورية، جد صعبة، وانتقائية سلطوية بالنسبة للطلبة بشكل أوقح من السابق، تجعل طلبة الطائفة التي يصنفها النظام، أنها عززت حكمه!

موضوع تنكيل بطرق خسيسة، تبدو في نظر البعض "تحمل صفات نذالة لا تتطاق"، منها على سبيل المثال، البحث عن أي سبب لتعليق إيفادهم، أو مراقبة نشاطاتهم، أو إرسال تهديدات لهم في حال قاموا بنشاطات داعمة للثورة، أو حتى واقفة على الحياد أحياناً... ومنها ما يجري تصنيفه بشكل طائفي مسبق كونهم في نظر النظام، أصبحوا من أبناء من الأكثرية المعادية للنظام!

الإيفاد بشروط سلطوية!

تراكم هذه العوامل تجعل من ظرفية العودة، في حال الانتهاء من الدراسة، بالغة الصعوبة، ناهيك عما تحدثنا به (ع، م) عن تدخل مباشر من رئاسة الجامعات السورية، بمواضيع الأطروحات التي يجب انتقائها، أو التي لا تجوز الاقتراب منها، مما يجعل كل الأموال التي كلفت خزينة الدولة السورية في مهب الريح، وتكمل متحدثةً عن صعوبة العمل في مجالات التخصص الدراسي هنا، نتيجةً لسمعة الطالب السوري التي تعرضت لهزات متتالية وممنهجة، وتعزي (ع،م) ذلك إلى، العشوائية في الانتقاء التي لا تراعي اشتراطات الإيفاد النموذجية، وجزء لا يستهان به من الطلبة، قدم ضمن شروط سلطوية وفئوية ومحسوبية، تقول (ع،م): "هم أنفسهم، الذي ينتمون إلى الفئة الاجتماعية للنظام الحاكم لم يعد منهم أحد، لأسباب انتهازية".

ضعف سياسة الائتلاف!

غالبية آراء الطلبة السوريين في فرنسا التي استمعت إليها، تتحدث عن وجوب خلق مشاريع استثمار من قبل الائتلاف والحكومة المؤقتة، لإنعاش خبرات، حقيقةً هي ملك للدولة السورية، لا للنظام، كما يقولون... ويعتبرون أن هناك ضعفاً في سياسة الائتلاف والحكومة المؤقتة، لجذب منح دراسية للطلبة السوريين، واصفين حجم الاستفادة من تسهيلات الحكومة الفرنسية للسوريين بـ "الهزيلة والخجولة، ولم تتعدى حاجز الـ 50 طالباً"، هم أيضاً استقدموا ضمن اشتراطات لا تختلف عن اشتراطات النظام كثيراً، نظراً لغياب جسم مؤسساتي للمعارضة يتحكم بمفاصل الملف، متحدثين عن ضرورة الاستفادة من الطلبة، الذين أنهوا دراستهم العليا في مأسسة المعارضة السورية، وأولوية استقدام طلبة جدد، من أجل الاستفادة منهم فيما بعد، واصفين هذه الضرورات بالملحة، كون سوريا تحتاج إليهم في إعادة الاعمار وبنا عملية إجرائية في البلاد.

العيطة: أخفقنا مع الحكومة الفرنسية!

جمعية (الديمقراطية والتعاون من أجل التعليم) السورية المعارضة في فرنسا، والتي يترأس مجلس إدارتها سمير عيطة، صرح لصحيفة (أورينت نت) قائلا:

"إن عمل الجمعية يتركز على الطلبة السوريين المتضررين نتيجة مواقفهم ضد النظام وقد تمكنا في مرحلة أولى من تأمين منح لتعلم اللغة الفرنسية في جامعة باريس الثامنة، لخمسين لاجئ سوري، وفي المرحلة الثانية حاولنا مفاوضة الحكومة الفرنسية على منح حصة ال400 منحة دراسية، التي كانت تخصص للنظام، قبل قطع العلاقات معه، للمعارضة لكننا لم نفلح".

ونسأل عن سبب هذا الإخفاق، فيقول العيطة: "هذا بحاجة لجهد يفوق قدرات جمعية، ويحتاج لعمل جاد من قبل الائتلاف والحكومة المؤقتة".

(عيطة) الذي تجنب تصويب سهام النقد للائتلاف والحكومة المؤقتة، تحدث عن استقدام 25طالباً سورياً متضرراً، للدارسة في فرنسا، بالتعاون مع بلدية كرتيه في باريس، متحدثاً عن مرحلة رابعة يتم التفاوض عليها حالياً مع بلديات أخرى، من أجل استقدام طلبة سوريين متضررين، رافضاً التهم الموجهة إلى الجمعية بما يخص الشروط وخضوعها لمعايير غير نموذجية، متحدثاً عن معايير وشروط الجامعات الفرنسية التي يجب، أن تتوافر في ملف الطلبة المتقدمين، وهي الفيصل بالموضوع، منوهاً أن الجمعية أعلنت على صفحتها على"الفيس بوك"عن استقبال الطلبات والشروط والمتابعة والتنسيق، مبدياً حرص الجمعية عن الإعلان عن كل ما يخص تطورات الملف.

الأرقام الموجعة!

قبل الثورة السورية كان يدخل الجامعات في سوريا كل عام (80 ) ألف طالب، ويتخرج نصف الرقم سنوياً، منذ انطلاق الثورة السورية حتى الآن، تضرر أكثرمن (150) ألف طالب جامعي من أصل450 ألف، ناهيك عن الأكاديميين، الذين نزحوا من التدريس الجامعي، يضاف لهم طلبة الدراسات العليا، الذين فضلوا البقاء بالخارج لأسباب متنوعة!

كل هذه الأرقام، تبقى أسئلة ملحة بحاجة لإجابات واضحة من قبل الائتلاف والحكومة المؤقتة، يما يخص هذا الملف الحساس الذي يمس شريحة واسعة من أبناء سوريا التي تبدو بحاجة ماسة لهم لإعادة بناء وطن أنهكه الفساد والاستبداد!

التعليقات (2)

    ضايع

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    هؤلاء يقيمون في تركيا كان بامكانهم تامين عدد كبير من منح الماستر والدكتوراه لكنهم لا يهتمون هل يعقل ان يضيع مجهودهم سدىً ماذا فعل النظام بنا, ماذا فعلت المعارضة لاجلنا سؤال برسم الاجابة متنين من الاورينت نيوز المساعدة

    الطنبوري

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    الإخفاق كان في أمور كثيرة وليس فقط في تأمين المنح. فلو افترضنا جدلاً أن الائتلاف عاجز عن تحقيق إنجازات على الأرض في الداخل السوري بسبب شراسة الاقتتال وضعف نفوذه على الفصائل المقاتلة، فما هو سبب فشل الائتلاف في تحقيق إنجازات سياسية في صفوف دول أصدقاء سوريا؟ فمن المشاكل التي أخذت تتفاقم بالنسبة للسوريين في الخارج هي مسألة تجديد جوازات السفر وإصدارها، والتي أصبحت تنذر بكارثة إنسانية حقيقة ستصيب ملايين السوريين المغتربين والهاربين من سوريا. واخيرا قدرنا كسوريين أن نعيش المأساة في وطننا وخارجه.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات