معاذ الخطيب وموعظة العيد

معاذ الخطيب وموعظة العيد
لم يعد شيء يجذب السوريين ويثير اهتمامهم العام منذ أن أشعل أبطال درعا شرارة ثورتهم قبل أربعين شهرا وما حملته من آمال وآلام انتهت جميعها إلى صوت رصاص ومدافع لم يهدأ لهيبها حتى الآن، ولم يعد شيء يستوقفهم لتأمله والبناء عليه، فقد عقدت عدة مؤتمرات ولقاءات ومشاورات ومنابر في دول الجوار وفي جامعتهم العربية وفي بعض الدول الأوربية ولم تلفت نظرهم، فصانعو الأحداث والأفكار مازالوا غير موفقين بصنع مشهد الماستر الذي قد يكون نقطة تحول كبرى في مسيرة الحدث.

في الثورة السورية كان النظام هو الرائد في صناعة المشهد المثير مثل تسليم الأطفال الذين استشهدوا تحت التعذيب لذويهم أو القصف بالكيمياوي أو استعمال البراميل البدائية لتدمير الإنسان والمكان وما إلى ذلك، كانت المظاهرات الأولى حدثاً عظيما ومحركاً مهما بما حملته من معان وطنية وأهازيج شعبية وتحد شجاع، ثم أصبحت رقماً بتعدادها، ثم رافقتها الانشقاقات الأولى للضباط والمجندين لتصبح هي الحدث المثير لكنها أيضاً باتت مشهداً عادياً.

لم تكن حتى خطابات الأسد تعني السوريين بشيء سوى مادة إعلامية لتمرير الوقت أو فاصلا دعائيا بين سلسلة مأساتهم المروعة. في خضم هذه المأساة لم تمر فكرة خارجة عن السياق العام، تشكل مجلسهم الوطني وبعده ائتلاف وطني ثم حكومة مؤقتة، تشكلت مجالس محلية على امتداد الوطن وقبلها تنسيقيات من كل حدب وصوب، تشكلت كتائب وألوية وتسابقت بالبحث عن أسماء لها علها تثير شيئاً لدى السوريين، تشكلت هيئات وجمعيات للإغاثة وأحزاب ولقاءات وهكذا تنوع الكوكتيل السوري وكثرت الألغاز، لكن السوريين استمروا في ترقبهم لشيء ما ينجز لهم فكرة تخرجهم من روتين الألم والوداع والمناشدة والترقب، أصبح الدمار رفيق دربهم والدماء تصبغ يومياتهم، وأضحى الموت فكرة عادية في سرد حكاياهم، والنزوح تتمة خبر لديهم. تظهر على التلفاز قادة دول عظمى وكبرى لكي يدلوا بدلوهم في مصابنا لكنهم أصبحوا كبائعي الأكفان أو عارضي إعلانات.

وهكذا حتى الدول العظمى لا تملك أفكارا عظيمة تحول أنظار السوريين من روتينهم اليومي إلى مفصل يدوّنونه في كتب تاريخهم، وحدها فكرة ثورتهم في آذار 2011 كانت في وقتها وحجزت مكانها في قلوبهم وتاريخهم، تتصاعد نبرة الكلام على صفحاتهم الفيسبوكية وغيرها ثم تهبط لكنها تغرقهم بشعور العزلة والوحدة والندب ويتنافسون في فراغ لا يشبه سوى تنسيقياتهم وكتائبهم لتصبح كل قرية وحارة لها صفحتها ومتابعيها ويبقى الوطن بلا صفحة تجمعهم، تمر في تقليبهم اليومي للبحث عن جديد في صفحات جديدة تحمل فكرة في هذا الفراغ المبهم فتظهر مبادرة هنا أو حملة لمنصب رئاسي لكنهم وفي طريق بحثهم عن وطن لم يعد حتى منصب الرئاسة فكرة فاصلة، بل أيضا مرت كفاصل كوميدي من الكوميديا السوداء الرديئة، ربما بعض الأفكار قد تبدو للوهلة الاولى مثيرة، لكنها في حقيقة أمرها تدل على سبب الترهل السياسي والفكري الذي أصاب بعض هذه المعارضة بعد أن لمعها الإعلام لأكثر من أربعين شهراً ليعبئ بها فراغ الفواصل ويحشو رأس المشاهد بالمواد الإعلامية التي كانت تساهم في خلط الأوراق وبذلك اختلط مفهومنا لكلمة معارضة مع كلمة ثائر.

إن الفكرة التي نريد منها صناعة الحياة قد تصبح طلقة تصنع الموت عندما لا تكون بمكانها الصحيح، هكذا كانت فكرة مؤتمري جنيف وهكذا أيضا فكرة تشكيل لجان ومندوبي هيئات ومراقبين بداية من الدابي مرورا بالابراهيمي وصولا إلى السويدي ستيفان دى ميستورا الذي لم يسمع عنه أحد حتى الآن من السوريين المنكوبين، وبين هذا وذاك يخرج علينا بعض السوريين ليدلوا بدولهم في بازار الأفكار وكأن الدم السوري أصبح مادة للتجريب والتدرب، وهنا لابد من الوقوف عند مبادرات الشيخ معاذ الخطيب المتعددة والتي يعلن عنها كل حين كما يعلن عن فيلم الموسم في شركة انتاج فنية، وآخر هذه المبادرات ما طرحه في رسالته المصورة أخيراً والتي أعطى من خلالها درسا في التربية الوطنية للسوريين باعتبارهم طلبة نجيبين قد أصغوا قبل أيام لشرح مسهب في الوطنية لبشار الأسد، يجتمع الدرسان على فكرة المشاريع الخارجية وتآمرها على بلادنا وإن اختلفت المسميات، يقدم الشيخ معاذ أفكاره التفاوضية على طريقة من يشرح الماء بالماء، فبشار الأسد الذي فاته من قصره رؤية غوطة الشام المنكوبة مسكين لم تصل الى مسامعه صيحات الطفولة، فانبرى الشيخ بإرسال ما فات قاطن غرف الموت المعلن في دمشق، لم يظهر في التاريخ الإنساني نظام على هذا المستوى من الوضاعة والإجرام فيقابله الشيخ بنوايا مختار الحارة الذي يريد تجديد ولايته في المخترة على بضعة نفر يحتاجون ورقة فقر حال أو شهادة حسن سيرة وسلوك، لا شيء في تلك الرسالة يمكن الوقوف عنده وتأمله لا توصيفه لحسن نصرالله وحزبه بأنه انحرف عن الخط المقاوم عوضا عن وصفه بالمجرم الإرهابي ولا وصفه لبقية المعارضة كوجه آخر للنظام ويجب على الشعب أن يقوم بثورة جديدة عليهم وعلى الأسد.

ماهي سبل هذه الثورة ومنافذها، تركه الشيخ لرسائل قادمة منتظرا موفدا أسديا ليفاوضه تحت عنوان وضعه ذلك الجواهري ذات يوم بقوله "سلاما أيها الأسد سلمت ويسلم البلد"، لا أدري بالحقيقة من هم مستشارو الخطيب وناصحوه المجرّبون مثله على طريقة اغمض عينيك واضرب إما أن تصيب أو تخيب، ولكن الواضح أن الرجل يتشوق لخطب الموعظة التي تأتي في سوريا مغلفة وممنوع التلاعب بها، لا فكرة جديدة قدمها الخطيب فقد سبقه المناع والعظيم وما لف لفيفهما ورديفهم لؤي الحسين بأفكار صميدعية تتقاطع مع هذا الخطاب الباكي على كل شيء والمتألم من كل شيء والمعنون بكل شيء إلا الثورة التي أوصلت الشيخ وغيره الكثيرين إلى منافذ الاستثمار في مآتم الدمار، هنا تقفز إلى الذاكرة صور وأحاديث مثقفي اليسار في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، عندما كانوا يتأبطون ثقافتهم ليناطحوا بها بعضهم مستبسلين في الشروحات والتوصيفات لقضم الوقت، وهكذا بعد ترهلهم وحيدين في ثقافتهم الباردة تتسلل إلى الساحة شخصيات جديدة هي أشبه بالسراب الذي نراه ولا نتلمسه وهنا يصبح لدينا مجموعة من هواة السياسة القاسم المشترك بينهم أفكار تصلح لسلسة دون كيشوت جديدة بنكهة سورية.

التعليقات (10)

    عبد الهادي

    ·منذ 10 سنوات شهرين
    الشخ معاذ الخطيب لايمتاز عن غيره ممن امتهنوا الدين لكسب لقمة عيشهم ، ابحث عن اصول اي شيخ وعن مصادره سيصيبك الذهول لما سوف ترى ؟ خطيب العيد ؟ المشرف العام على مجمع كفتارو ؟ ( مثال على ذلك ) محمد شريف الصواف من هو ؟ تخرج من المعهد المتوسط الزراعي ؟ الى دكتور في الشريعة ؟! ومعاذ الخطيب ليس بأحسن حالاً من المذكور آنفاً ؟ رئيس تجمع علماء الشام ؟ توفيق بن سعيد البوطي من هو ؟ عيّن معيد اً في كلية الشريعة بجامعة دمشق بغض النظر عن السن والعلامات بمرسوم من حافظ اسد ؟ فماذا تنتظر من هيك شكيلات ؟

    السلام حرام

    ·منذ 10 سنوات شهرين
    طبعا لكون الاستاذ معاذ يريد ان تنتهي الحرب وذلك يتطلب ان يجتمع الطرفان لان طرف واحد لا يستطيع ان يحاور نفسه الا في الحمام فهنا تكمن المشكله لان القتل وبيع الاسلحه يجب ان يستمر! وطبعا علئ المعارضين من الطرفان على كلام الاستاذ معاذ ان يكتبو وينتقضو لكي لاتنتهي الحرب. الحرب اغنت الكثير من الدول والافراد في السباسه. لذلك لا تسمعو لرجا عاقل يقول لنجد ما هو مشترك بين الطرفين كعدم تقسيم البلد. استمرو في التشاجر والكراهيه والحرب لكي يباد الشعب السوري ويبقى 5 مليون فقط من الشعب

    ملاحظة هامة لأعياد العرب والمسلمون منهم خاصة

    ·منذ 10 سنوات شهرين
    صورة اليوم كما صورة الأمس في هذا العدد للأورينت وفي أي عدد لغيرها لاحق أم سابق البنادق ألعاب أطفال درعا المفضلة ـ تصوير يوسف الدوس الله يعطيه العافية على هالصورة ـ ألعاب اليوم تختلف عن ألعاب الأمس بأنها مصبوبة صب من البلاستيك لها نفس اللون والحجم والشكل للسلاح الأصلي لماذا الله يعطيه العافية لأن أمثال تلك الصور تبرر لأي كان قتله للطفل يحمل هكذا سلاح دون أن يجرؤ أحد باتهامه بالوحشية فقتل هذا الطفل مبني على قناعة تامة محقوقة للقاتل وبناءاً على أمثال تلك الصور زهقت أرواح أطفال فلسطينيين بكل إنتفاضة

    الأطفال يلعبون بما يُتاح لهم

    ·منذ 10 سنوات شهرين
    لا ذنب لهم لكن الذنب على غباء التاجر المستورد وعلى خساسة الأنظمة العربية الإسلامية حصراً والتي لا تعرف دينها وقد حذر محمد الناس من تلك الفئات والفرق بأنه لا تصح صلاتك معهم لفساد عقلهم وقلبهم مساجد سوريا معظمها تم بناءها بإشراف وزارات الأوقاف على أراضِ شبه مغصوبة أو مغصوبة بالفعل أي مُستملكة ومحمد قال الصلاة على الأرض المغصوبة غير مقبولة ـ هيك بيؤولو مو هيك سيدي؟ فلذلك الأفضل للمسلم أن يصلي ببيته هذه الأيام على أن يصلي بمساجد بنيت في العهد الطائفي

    مستاء

    ·منذ 10 سنوات شهرين
    يا اخي اذا كان الذين توسدوا الامر وعلق الشعب عليهم كل اماله على اساس انهم هم الذين سينقذونهم من الناطور ظهر بالتالي ان هدفهم هو العنب والمساومة على الكرم الذي يحصلون عليه مع الناطور ومع عماله الذين هم داخل الكرم وكل الموشرات توكد ذلك فماذا نريد بعد ذلك هل الزيادة في القتل والتدمير هل هذه هي السياسة الصحيحة.ربما اكون على خطاء فافيدونا افادكم الله.اليس الائتلاف وما سمي بالحكومة الموقتةورجالاتهم اسواءضميرا ووجدانا ممن في الداخل لقد تعب الشرفاءوالاحرار كثيرا واعلم ان الاستاذحافظ قرقوط من الشرفاءولكن ل

    muwaten

    ·منذ 10 سنوات شهرين
    لماذا لا يفهم اخواننا من pacificts الذين لا يؤمنون بحمل السلاح بان النظام لا يرغب في منح الحرية والكرامة للسوريون مهما فعلوا لو كان الامر كذلك لماذا لم تتفق هيئة التنسيق مع النظام وحل الازمة لانريد ان نقول من زمان ولكن الان خاصة بعد اعادة انتخاب بشار الاسد لا افهم كم وصلنا الى منحدر من الغاء العقل والمنطق النظام لا يرغب في اعطاء اية حقوق للسوريون مهما كانت ضئلية الامر لايتعلق بمن هو مرتهن للخارج فلو اتفق الداخل لانتهى كل شيء لقد طالب الكثيرون بالحل اليمني وقالوا ليسلم الحكم لهيئة انتقالية ورفضت

    مستاء

    ·منذ 10 سنوات شهرين
    اين تعليقي يا صاحبة المنبر الحر

    Agit Rashid

    ·منذ 10 سنوات شهرين
    استاذنا الكريم في مقالك انتقاد لكلمة الخطيب ولم يكن لديك أي حجة (كبيرة) على انتقاده سوى انك استصغرته بأنه يجب الايقول مثل هكذا كلام, اعجبني مقالك في ترتيب تسلسل الاحداث و وصفها باختصار وهي فعلا الواقع المعاش, ولكن هل لديك حل افضل من الذي طرحه, على الاقل الرجل يحاول بكلمته وحده, ولا يوجد وراءه دسائس. مشان الله حاج تنتقدو كل من هب ودب ليحكي كلمة, لطالما ليس لديك أي بديل. اذا كل العالم متامرة و بشار مجرم ومو لازم نفاوضو, وين يروح الشعب بحالو, متل ما قال الاخ من شوي منوقف لما يضل عددنا 5 ملايين.

    لاجئ تعبان

    ·منذ 10 سنوات شهرين
    يااخي لا اليحكي يخلص ولا اليسكت يخلص حاج كلام فاضي لاقو حل الناس تعبت

    القعقاع

    ·منذ 10 سنوات شهرين
    عندما سمعت كلمة الشيخ معاذ الخطيب تساألت أين ذاكرته من جنيف ١ و ٢ و من مراوغات النظام لكسب الوقت و قتل المزيد من الشعب السوري. النظام بكل بساطه لا يريد أي حل سياسي وكل من يطرح له الحل السياسي يعطيه المزيد من الوقت للقتل و لسفك دماء الأبرياء... لا حل إلى برحيل النظام و رأسه و على ما يبدو بالإقتلاع أي بالقوة...
10

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات