هاني عباس لأورينت نت: الثقافة تعيشها في الشوارع والأزقة

هاني عباس لأورينت نت: الثقافة تعيشها في الشوارع والأزقة
"فرحت كثيراً بالجائزة التي حصلت عليها مؤخراً... فأعمالي التي تحكي عن الثورة السورية... جعلت الجائزة لها... بل إن هذه الثورة أضفت روحها على رؤيتي لفن الكاريكاتير، فالموضوع شحن الرسم بألقه، وراح يتعامل معها بوصفها ثورة وليست مجرد رسومات عادية"، بهذه الكلمات ينطلق رسام الكاريكاتير الفلسطيني-السوري هاني عباس، في حديثه لـ صحيفة (أورينت نت)عن جائزة (صحافة الكاريكاتور) التي حصل عليها مؤخراً، والتي تمنحها مؤسسة (رسامو كاريكاتور من أجل السلام) معتبراً إنها ليست مجرد رسومات، ونقل الواقع عبر رسومات، بل هي تفصيلات معاشة في عالم الرسم والخطوط، حيث فن الكاريكاتير لصيق بعالم الناس الثائرة على الواقع".

"لا يمكن عقد مقارنة بين المكان الأم سوريا وسويسرا، لكل مكان خصوصيته الثقافية والاجتماعية، لا أعيش حالة صراع تستنزف مقدرتي على العطاء، أحن إلى دمشق وأستفيد من إقامتي السويسرية، لكي أتلمس أماكن خاصة و جديدة في موهبتي، على ضوء الإمكانيات المتوفرة من أجل تقديم ما هو أفضل، لا أبحث عن موضوعات لرسوماتي يكون استدماج الشرق والغرب فيها، الفكرة حاضرة دائماً من أجل القضية قبل الثورة السورية، واليوم قضايانا بعد الربيع العربي" هكذا تبدو أفكار هاني عباس مثل ومضات رسوماته: إشارات مكثفة، وخطوط سريعة ولماحة ترسم مشهداً أكبر..

 الثورة السورية ألم لابد منه!

ينفر عباس من "الموضوعات الكبرى" كما يسميها، حين نسأله عن عن علاقة الرسم والأفكار بين الشرق والغرب... يقول ببساطة واستقلالية: "لا تستهويني كثيراً مسألة التعايش بين الحضارات والحوار وشبيه ذلك، هذه موضوعات كبرى، تخص الفكر لا الفن، حينما أرسم، أستمع إلى الخطوط التي تنبعث من داخلي، ترسم لوحة ما، هنا تمنح حريتك لتصير إنساناً قابلاً لاكتشاف مواهبه كاملةً، عكس هناك يسلبوننا مواهبنا لكي نبقى ناقصين".

وحول التماهي مع الثورة السورية واقعاً وشخوصاً في رسوماته، يجيب عباس قائلاً: "لا أستطيع أن أصفها غير كونها ألم لا بد منه، أن تعيش في مخيم اليرموك بين الناس، الكثير منهم خسروا منازلهم، والكثير الكثير خسروا أصدقا وأحباء وأهل بين القبور والمعتقلات، والكثير الكثير الكثير استشهد، كانت لدي قصدية لكي أشبع رسوماتي بهذا الواقع، لكي ألعب مع الموت، لا أجعله يسلب منا كل شي، ونحن نتفرج".

"التشكيل عبر الكاريكاتير، لا يمكن أن يكون شاقاً على المتلقي، الشقاء، حينما يكون المتلقي في سياق استيعاب الرسوم بلا عنا أو شقاء"ويكمل عباس موضحاً، صعوبة التشكيل في لوحاته، قائلاً:"أنوي لفت نظر المتلقي إلى موضوع بعينه، حينما يكون التلقي مباشر لا يحدث أي أثر، الأثر المطلوب حينما يكون، قابل لإثارة نقاش ضمن سياق اللوحة، وهذا ما أسميه تثقيف الحواس، كل منا يفهم اللوحة ضمن سياقه الثقافي، الموسيقي يعتبرها معزوفة، والروائي مقطع سردي...إلخ".

(عباس) يعتبر الشكل والمضمون في فن الكاريكاتير، كلاً لا يتجزأ، ويقول: "أنظر إلى اللوحة بوصفها سيمفونية، لذلك أجد نفسي دائماً مطالباً، ببذل الكثير على مستوى الشكل والمضمون، لكي أقدم لوحة تكون فيها كل العوامل تحاول أن تنجز، لأنه لا يوجد لوحة ناجزة" وعلى صعيد المضمون عباس يرفض التعامل مع الواقع عبر منظومة سياسية مسبقة، يعتبر الفن مساحة إنسانية أكثر من كونها، ساحة للاحتدام السياسي، هذا التكنيك الذي يحبذ أن يشتغل عليه، "المساحة البيضاء هي ملك للإنسانية" حسب تعبيرات عباس.

 الرقيب قتل على أيدي الثورات!

عباس الذي درس الاقتصاد، اكتشف موهبته بمحض الصدفة، هذه الصدفة قادته إلى النشر الأول نهاية تسعينات القرن المنصرم، في عدة صحف محلية وعربية، تاركاً بعضها حيناً، حينما ترغب أن تبقى رسوماته تحت سقف واطئ. يعمل حالياً كرسام أساسي لصحيفة (المدن) الإلكترونية في لبنان. صحيفة أنتجها بشكل أو بآخر الربيع العربي... وهو يتحدث هنا عن فن الكاريكاتير عقب الربيع العربي قائلاً: "شهد فن الكاريكاتير عقب ثورات الربيع العربي، ثورة هو الآخر على مستوى الكم والكيف، وأصبح فن الكاريكاتير العربي بالتعميم، والسوري بالتخصيص، قادراً على التأثير بالناس بعد غيابه لدواعي الاستبداد والقمع، متخذاً مكاناً له في الثورات التي تسعى للانقلاب على الأنظمة ومورثاتها، وخاصةً بعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، التي تجعلك على تماس مع الجمهور، بعيداً عن سلطة رقيب، نستطيع اليوم أن نقول أن الرقيب الخالد، لم يعد خالداً، لقد قتل على أيدي الثورات".

"أهوى فن الكاريكاتير بالمقام الأول، ولكني أحرص على تناول الموضوع من حيث التناول العام، وهذا ما يجعلني ضمن مشتركات مع الحقل الصحفي"رغم ذلك يعتبر عباس أن الصحافة شيء آخر يفترق عن فن الكاريكاتير، للصحافة أدوات وتقنيات، ولفن الكاريكاتير أدوات وتقنيات، لذلك يبقى الهم المشترك التناول العام، العام وبما يكون هذا التناول شريك لكل المهن، وليس حكراً على العلاقة الوثيقة بين رسام الكاريكاتير والصحافة.

 شركاء في عالم واحد!

عباس لم يحضر معارض كثيرة لرسامين عالميين بحكم وضعه المعاشي آنذاك بدمشق، ولا يحبذ التعامل مع الموهبة بتشريح علمي، رغم يقينه أن الموهبة تحتاج لمثابرة واشتغال دائمين، ببساطة لا يمكن أن تجدها لدى غالبية من يحرص على تقديم نظام صارم لتجربته بتصنع ونفاق يتلائمان والمزاح والذائقة البرجوازية المنتحَلة لمحدثي النعمة!

تلحظ البسمة والسخرية في رد عباس، حينما يحدثك عن ولعه بالمكان الأم/ مخيم اليرموك، يروي لي" كيف أن الرسم والثقافة تتعلمها وتعيشها في الشوارع والأزقة في العالم، الذي يحاول الاستبداد أن يرسمه لك، وأنت ترسمه كما تشتهي، حينها يصبح عالمنا، كفلسطيني صرف سابقاً، وفلسطيني- سوري حاضراً، مظلومية انتماءين يتقاسمان فني وروحي، مساحة هذين الانتماءين، أحاول عبرهما، أن أرسم لوحات جيدة، عبر التشكيل بالخطوط، أحاول استحضار شخصيات من الواقع، هي شخصيات واقعية لا فنية، بعضها عرفتها وتعايشت معها، وأخرى تحمل جوانب نفسية وإنسانية تجعلنا شركاء في عالم واحد، عالم لنا".

 للكاريكاتير بعد ذاتي!

عباس الذي يؤمن بوظيفة فن الكاريكاتير، حيث أنها رسالة جمالية وإنسانية، تعبر في وجه منها عن بعد ذاتي، وفي وجه أخر عن ذات جمعية، لا ينسى أن يلفت النظر إلى أن فن الكاريكاتير شكل من أشكال تحقيق الذات في الواقع، وفرصة للخلود مستدامة، لا تمنحها الكلمة على سبيل المثال، الفن أبقى وأكثر استدامة في حياة الشعوب،لذلك لا يشاطر النخب العربية بالتعميم والسورية بالتخصيص، الخوف من المخاطر التي تهدد الفن في ظل صعود التيار الديني في جانبه السياسي، ويبدي عدم شغفه بالسياسة، ولكن لا يفوته تذكير الإسلام السياسي بضرورة كون المراجعات التي أجراها، يجب أن تكون حقيقية من منحى حريات الفكر والإبداع لكي نعيش حياة كاملة.

في سياق رده على شبهات التسيّيس في منحه الجائزة، يقول عباس موضحاً موقفه: "لن أقول شيئاً مشخصناً أدافع به عن نفسي، إزاء ما ذكرت آنفاً، ولكني أود القول أني شغوف بالكتابات النقدية، وشغوف بمطالعة مقالات وكتابات نقدية، تتحدث عن تجربتي وتجربة زملائي، وهذا يرضي غروري أكثر من كليشهات من قبيل الفنان والرسام الكبير وما شابه، وأتمنى أن أقرأ مقالات نقدية عن فني، سأعتبر نفسي حينها محظوظاً، وخاصةً في ظل صخب رأي عام، وضجر نقدي، لا يستهويه سوى مناقشة السياقات العامة وبالأبجديات، وهذا لا ينفي وجود حالات من النقد، تسترعي ما أرغب به".

أنهي حواري مع هاني عباس وهو يحلم بقراءة نقد عن فنه في ظل صخب رأي عام... ربما ندرك اليوم أن هذا الرأي العام الصاخب، سيلتفت إلى إعادة نقد كل شيء بعمق وجدية، حين يتنهي مشهد الدم السوريالي بكل أحزانه ومفاجآته التي لا تنتهي!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات