(سوريا الثورة اليتيمة) لزياد ماجد: ثورة ينكل بها (الأصدقاء)!

(سوريا الثورة اليتيمة) لزياد ماجد: ثورة ينكل بها (الأصدقاء)!
ثلاث سنوات انطوت من عمر الثورة السورية، وخطاب النخبة العربية وتحديداً، خلال السنة ونيف من الزمن، لم يكن منحازاً للثورة السورية، بل في بعض الحالات اصطف ضد الثورة لأسباب متنوعة منها نفعية وأخرى فكرية عفنة وثالثة طائفية!

زياد ماجد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في باريس والباحث والكاتب والسياسي المعروف، كان من بين إحدى الشخصيات النخبوية القليلة، التي تبنت خطاب فكري معاصر تلمس حساسية وخاصية الثورات العربية بالتعميم وسورية بالتخصيص، سواء عبر مقالاته الدورية في جريدة (الحياة) اللندنية وموقع (ناو) اللبناني والصحف الفرنسية، أو عبر الظهورات الإعلامية على الشاشات العربية والفرنسية، منافحاً عن قضايانا/ فضيته، ناهيك عن المحاضرات التي يشارك فيها دورياً لإبراز الرؤية السورية، وكتابه الأخير (سوريا الثورة اليتيمة) يندرج في هذا السياق المنافح عن الثورة السورية.

رهان مختلف!

يراهن الكتاب على خلاف باقي الدراسات والأبحاث التي صدرت لتعالج، ثورات الربيع العربي، واعتمدت مصادر ومراجع جامعة، لا تراعي تصورات ميدانية، يراهن على مقاربته ومتابعته الدقيقة للحدث السوري وصناعه عن كثب، وسماع شهادات متنوعة لا تحصى.

هذه الكيفية الشاملة والمسترسلة، كان الراهن في تقديم بحث من الممكن أن يعطي تصوراً عن واقع الثورة السورية، رهان لا يستسهل الانكباب البحثي والمرجعي، معفياً نفسه من قيود واشتراطات واجبة التناول الميداني، مقدماً أولية النظر في الحدث، مستبعداً في أمكنة، أوهام النخبة والإعلام والسيناريوهات التي ترسم لمسار الثورة، وهذه هي العقبة التي واجهت غالبية النتاج، الذي حاول مقاربة الثورة السورية، وأزعم أني أطلعت على غالبيته، إن كانت قلة من الكتب وازدحام من الأبحاث.

يعود ماجد إلى بداية الحكم الأسد بصفحته الأولى، مروراً بصفحته الثانية حتى نصل إلى الوقت المتأخر، محللاً العقلية الاستبدادية للنظام، مستعرضاً ما تعرضت له النخبة السياسية السورية من قمع ممنهج خلال الثمانينات من القرن المنصرم، منظراً لقمع وعنف السلطة ضد حلم المجتمع المدني، واختراق البنية الأهلية للمجتمع السورية، أمنياً، ومعرفياً، بمعنى زرع الخوف والجهل من أجل إرساء أسس وجذور عميقة للأبد الأسدي، مستلهماً من هذا البعد التاريخي/السبب،الواقع الراهن/النتيجة، من إلحاح جماهيري مطالب بالتحول عملية إجرائية تكفل عودة الحياة البرلمانية والانتخابات وتعددية وحريات عامة وتحول سلمي للسلطة، مستعرضاً مراحل العسكرة التي كانت بموقع رد الفعل على مفاعيل كارثية لآلة حرب النظام.

الأقليات المنحازة!

لا يعتمد ماجد في بحثه للثورة السورية على نقطة ارتكاز تاريخية، بقدر ما يعنى بالحوادث أي الوقائع الثورية التي ميزت كل مرحلة من مراحل الثورة، محدثاً قطيعاً مع موروث النخبة التقليدية، التي تتخذ من التسلسل الزمني شكلاً للتعاطي مع المفاهيم المتشكلة، ليبني آمالاً على عكس التقليدين على جزئيات تشكل سبل لتطور مسار الثورة، شارحاً للمواقف الدولية والإقليمية وأثرها على مجريات الأحداث، المباشر منها أو غير المباشر.

يتعرض ماجد للأقليات في سوريا، ودورها في مجريات الحدث التاريخي، مشككاً بموقف النظام، الذي يعتبر الأقليات منحازة بصفه، ضد غزو سني مفترض للدولة ومؤسساتها مثلما يزعم النظام، معتبراً كل السوريين في مرحلة الثورة السلمية، كانت تراودهم طموحات تأسيس دولة حديثة، وكسب الرهان التاريخي في مجال الديمقراطية، بل راح يعول على تنوع الثورة السورية من الوسائج الاجتماعية، مظهراً شكل من أشكال قطيعة الثورة مع موروث من التوازنات الأقلوية التي ابتكارها النظام، لترويج نفسه سياسياً.

أصدقاء الشعب السوري!

في هذا السياق كتب ماجد عن الموقف الروسي والموقف الإيراني، إزاء الثورة السورية، متحدثاً عن كونهم حلفاء للنظام في قمع الثورة، معتبراً دخولهم المباشر كحلفاء في الحرب، بينما من يفترض بهم حلفاء وأصدقاء الشعب السوري، منشغلين عن جوهر الحدث بهوامش الحديث عن دعم لا يرقى لطموحات الشعب السوري، ومساعدته في تحقيق حلمه، مما قاد الثورة إلى نفق مسدود، مما أحال الثورة إلى مأزق سياسي، استجلب حركات أصولية، لتكون شاهد على زيف دعاية النظام بمواجهته لحركات إرهابية وأصولية، والثورة ليست سوى أوهام، بتعبيرات النظام، داعياً المجتمع الدولي وصناع القرار إلى الاعتراف بكل الأخطاء المقترفة بحق الشعب السوري، ووقف الحرب المرتكبة بحقه.

الكتاب يشكل بحق، دعوة لكل المفلسين ثقافياً، لمراجعة موقفهم من قضايا الحرية والحداثة، والعودة عن خيانة ضمائرهم، عبر فهم للواقع كمقدمة لتغير المواقف، إنها دعوة للتأمل بالواقع، وليس دعوة للمثقفين لصنع مواقفهم من الواقع من خلفياتهم الفكرية والثقافية، ليغدو مرتزقة عند الأنظمة، واهمين أنهم هم من يصنعون الثورات ويرسمون النهايات لها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات