بالمقابل، امتدح بشار الأسد صمود مؤيديه وإصرارهم على البقاء في سورية، وذلك أيضا ناتج عن تربية حميدة تلقوها، وكأن التشرد والنزوح يمثلان أحد تعبيرات قلة الأدب حيث تنجو العائلات بأطفالها ونساءها من خطر الموت والاغتصاب، فيما مؤيدوه الذين استباحوا الحواضر السورية وباعوا مسروقاتهم في أسواق السنة كانوا يفيضون تأدبا وأخلاقا! علما أنهم كانوا يفعلون ذلك بأوامر شخصية منه مباشرة، إما بهدف تمويل حربة على قليلي الأدب، أو لكسر عزيمة الثائرين عليه وإحباطهم.
طبيعي أن يحاضر بشار الأسد بالعفة والشرف، وذلك شأن أمثاله، وطبيعي أن أن يزايد على ضحاياه، وهو وريث نظام حوّل سورية إلى مزرعة فساد كبيرة وصلت إلى حد شرعنة منظومة الفساد وهيكلتها بحيث تحتل الطبقة الأولى عائلات الأسد ومخلوف وشاليش والطبقة الثانية كبار رجال الأمن، فيما الطبقة الثالثة تتسع للموظفين الفاسدين، وهذه الطبقات كانت تملك الوقت والسماح لكي ترتب شبكة العلاقة بينها بحيث تأتي الخدمة من الأسفل للأعلى فيما يأتي الدعم والتثبيت من الأعلى للأسفل!
يستغرب بشار، بل ويفاجئ، بالسوية الأخلاقية المتدنية لبعض مواطنيه، وينسى أن التربية السياسية لنظام الأسدين جعلت سورية على تلك الهشاشة، فمناخات الفساد والتفرقة التي جرى تعميمها وتحويلها أدوات سياسية لتثبيت الحكم حولت سورية إلى تلك السوية من الهشاشة، وأن أساليب القمع الوحشية التي جرى اعتمادها في إدارة المجتمع السوري ومحاولات ضبطه حولته إلى مجتمع رخو.
لكن الغريب أن يوزع بشار الأسد شهادات الوطنية على قلة من أذنابه ويحرمها على غالبية الشعب السوري، والغريب هنا، انه يفعل ذلك في وقتت باتت فيه كل الأوراق مكشوفة وصار معروف موقع كل طرف وطبيعة عمله، حيث لم يشهد التاريخ عميلا بمستوى رخص بشار الأسد حينما منح إيران فرصة تدمير سورية والمشرق العربي مقابل احتفاظه في الحكم، فيما كان الشعب السوري قد منحه فرصة التنحي بكرامة وشرف؟، يتحدث بشار الأسد عن العمالة فيما هو قبل بيوم من الأيام أن يكون مخبرا صغيرا في إدارة استخبارات بوش وتوسط قادة إسرائيل ليكفلوه لدى بوش، وهذا ليس افتراء ولا ردة فعل غاضبة بل هي حقائق طفحت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية بعد الشروط الشهيرة لكولن باول سنة 2004.
الغريب أيضا أن بشار الأسد يكيل الأمور بمكيالين، ذلك أن سيرته التاريخية توضح بما لا يدع مجالا للشك انه طالما اعتبر العمالة والتخاذل والانتهازية ضروب من الذكاء السياسي ووسائل مشروعة للحفاظ على سلطته، وتلك خصال كان قد ورثها عن والده، الذي طالما يصفه أنصاره بالعبقرية السياسية، وهي صفة لم يحصل عليها بسبب انجازاته السياسية والاقتصادية والحضارية لسورية، بل بسبب قدرته على الغدر بحلفاء والبطش بشعبه والرضوخ والتخاذل مع أعداءه الخارجيين، ومؤامراته على الدول العربية وتفكيكه لجبهة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وقد كان أشهر من يبيع حلفاءه وقت الحاجة وحادثة تسليم عبد الله اوجلان للأتراك لا زالت طرية في الذاكرة!
ولعلّ المراقب لمشهد ذلك الرئيس المنافح عن سورية وشعبها أن يستغرب كيف لم يغص في خطابه وأربعة ملايين من أبناء شعب سورية يلطمون جهات الأرض الأربع تشردا وقهرا؟، وأضعافهم يهيمون على وجوههم في سورية نفسها، بل أنه لم يلتفت إلى أن شبيحته على الحواجز أجبروا الآلاف منهم الذهاب الى صناديق الاقتراع كي يهيئوا له لحظة الخطاب هذه؟
هذا هو بشار الأسد، لم يكتفي بسرقة أحلام السوريين بمستقبلات أكثر أمانا لأبنائهم، ولا بتزوير نفسه حاكما بالغصب والإكراه، بل انه لم يخجل حتى بسرقة شعارات الثائرين التي صاغوها بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة، فظهر متطفلا حتى على لحظات عذاب السوريين، ولم يخجل بتزوير الوقائع فوصف القتلة والأذناب بالثائرين وعلى من؟ على الثوار أنفسهم!
لا يستقيم تحليل خطاب بشار بالمعايير السياسية، الأصح وضعه في إطار المكايدة والردح والتعيير، وهي درجة منحطة من الخطابة لا تليق حتى بأزعر الحارة، لكنها توضح طبيعة درجة العنصرية التي يكنها للسوريين، أو للأكثرية منهم، وتوضح درجة التصاقه بثقافة التشبيح وسلوكياتها، أليس هو رئيس للشعب الشبيح؟.
التعليقات (5)