إن هزيمة الفكر الذي عمل عليها المستبدون منذ استقلال دولنا، أصبحت بيئة خصبة ليستثمر فيها كل هواة التلذذ بمصائر البشر، إنه مناخ مثالي كي يتقدم فيه البغدادي وغيره فوق حطام القيم المجتمعية والدينية السمحاء التي لطالما قرأنا التغني بها كما يتغنى الشعراء بحورية البحر!
هي الجغرافيا ذاتها التي أعلن فيها البعثيون شعارهم "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" فعملوا على تخليد طغاتهم وأنهكوا أمة الرسالة الواحدة وفتتوها إربا إربا، وها هو البغدادي يتربع على عرشه الوهمي خلفا للبعث وأتباعه ليعلن رسالته ووحدة الأمة، هذا حقه إن كنا منصفين! فالرجل وبلا حسد جمع المجد من كل جوانبه تماما كما الأسد الأب وبعده الابن، وبالسياسة هنا لا بالأشخاص تقاس الأمور، وبالمعطيات أيضا لا بالتخمينات توثق بنود التاريخ!
في هذا الزمن القبيح من عمر الانسانية تقدم حافظ الأسد بكل أوراق الاعتماد الدولية المطلوبة لتنصيبه خليفة بعثيا على عباد الله هنا، يفتي ويحرم ويعدم ويقصي ويكرم وينتصر ويلقي خطب الموعظة، وهو الملهم الخالد الذي جمع المجد من كل أطرافه، أمه أميركا باركته وخالته روسيا كللته، مرضعته أوربا غنت له وشقيقته إسرائيل هزت له سريره، أرسلت له الصين ألعاب التسلية، وفرشت له إيران سجاد أصفهان، واشترى له خليجنا العربي تحف القصر، وصفق له القوميون في أعيادهم فامتلك كل مفاتيح اليسار واليمين والتطرف والاعتدال، وهكذا طوّبَنا نحن الآدميين هنا وما نملك ملكا له ما استدعى توريثنا، مازال الوريث يجمع مجد والده وعلى الهواء مباشرة وتحت الراية الأممية الزرقاء وما انضوى تحتها من رايات العروبة، وصف بعضهم بأنصاف الرجال ومازالوا يبحثون له عن مخرج لائق، يتفنن بالجريمة تحت رقابة صارمة من طائراتهم التي لا تبارح سماء المنطقة بينما يطالبون الأطفال في قبورهم بتقديم الإثبات.
هذا العالم ذاته من وضع سوريا خلال عقود في شبهة الإرهاب الرسمي فكبل حركة المواطنين الباحثين عن الأمان وبقي الأسد وحده الممانع الفذ، اعتقد العالم أن السوريين خدعوا وصدقوا أن الأسد خالد في صموده الدرامي المركب، فانتقلوا الآن ليعيدوا التجربة على خليفة أمرنا الجديد البغدادي، هاهو يوصف بالإرهاب ويقاوم الغرب الكافر وباسم الأمة يقتل الأمة، وكالأسد تماما نال حرية الحركة تحت رقابة تكنولوجيا التحضر المداومة في سمائنا لتنقل لنا بأقل من ثانية صوراً تحليلية لتسلل لاعب في ملعب كرة قدم في البرازيل، ما أغباها هذه التكنولوجيا حين تصبح عمياء عنا ليتسلل عبر الحدود من يشاء بكل أسلحة الفتك والتحريم والتحليل وبسيارات دفع رباعي ورسائل مصورة يكفي لانتشارها بداية شارة تقول "لا إله إلا الله" وموسيقى تشبه فانتازيا نجدت أنزور ومحلل استراتيجي يقتبس الإشارات من ولي أمر المسلمين.
لمَ لا يكلل البغدادي إذاً خليفة بما أن المجد أتاه من ذات الغرف التي أعطت المجد للأسدين الأب والابن؟
فالسجاد الفارسي مازال على حاله مرصعا ببعض المال من خزائن كسرى، والخليج العربي الذي مارس عليه الأسد دور البعبع سيصلح الخليفة البغدادي كي يطور البعبع إلى غول، وروسيا التي إبان حكم شيوعيتها لم تميز بين حق الشعوب وانحراف الطغاة هي ذاتها تتلذذ بكأس الدم ظناً منها أنه الفودكا التراثية التي استعملها طغاتها لإخراج شعبها طيلة عقود من وعيهم، فماذا نقول عن أوربا أو زعيمة هذا العالم العظمى أميركا، أم نترك خليفة أمر المسلمين ليطلق شعاراته التوضيحية أم نخمن بناءا على خطب رفيق نضاله زعيم حالش الذي اعتبر جهاده في سوريا هو جهاد لتحرير فلسطين، كل شهداء سوريا على درب تحرير فلسطين كانوا سرابا ووحدهم من يقتلون السوريين من أتباعه وأتباع البغدادي هم من يعبد الطريق إلى القدس.
وهنا بيت القصيد حيث فلسطين التي لاحقها الأسد حتى آخر أنفاس الراحل أبو عمار ليمنعه من مجرد خطاب عبر فيديو داخل أروقة مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 بإدارة إميل لحود، هاهو الخليفة البغدادي الآن سيلاحق السوريين في أنفاسهم كما لاحقهم الأسد ليلاحق بالنتيجة آخر أنفاس الفلسطينيين كملتقى يوحد أنفاس العرب أيضا بمشاركة لبنانية أبطالها ميشيل عون وحسن نصرالله طالما أن الدولة لم تفرخ إميل لحود جديد، وبذلك يصبح محور المنطقة سياسيا وعسكريا طهران تل ابيب، فيبدأ بعدها هذا المحور بتغيير معالم طريق الحج الشهير إن لم تستفق هذه الأمة.
التعليقات (2)