يقاتل نظام الأسد على جميع الجبهات ويسخر كل الأدوات التي بين يديه، يرسل براميله من جهة ويصدر نشرات أخبار مزورة للتشكيك بما يحصل، يعتقل ويشرد ويجوع من جهة وتستقبل محطاته مطربي الهشك بشك ومعدي الطبخ وقارئي الحظ، تغيرت حياة السوريين اليومية بما فيهم أولئك الذين مازالوا تحت قبضته محاصرين بالشبيحة والرقابة الصارمة وأزمة الماء والكهرباء والخبز، لكنه لا ينسى أن يدفع فنانيه ومخرجيه وكادرهم للبحث عن أفكار تصلح لتكون دراما اللاشيء، تنام الناس وتصحو على لون الدماء لكنه يكتبها بقلم حمرة لحاتم علي ويسوقها ببقعة ضوء لمن عششت العتمة في قلوبهم كفنانين ومخرجين وكتاب، وبين ما يسميه التراث الشامي والمعاصرة الشامية يغتصب البلد.
*هل يكفي نقد دراما النظام؟!
إنه سلاح الدراما الذي لم يهمله منذ اللحظات الأولى للثورة، افتتح برامج خاصة ليستقبل فنانيه وملحقاتهم صباح مساء ليوجهوا الرسائل التي يريد، وعلى بساط الطاعة سار نجومه العتاة وقد أغدقهم بالمال والامتيازات وجعلهم يسرحون ويمرحون كعاهرة على باب مرقص، حاول من خلالهم كسب جمهوره أمام شاشته ليقرأوا أخباره العاجلة أثناء متابعتهم لنجومهم الميامين وسحب ما يمكن استمالته من جمهور رمادي أو مسالم، بل تعداه بغاياته الخبيثة إلى جعل الكثير من حاضنة المعارضة يهتمون بتلك الدراما الأسدية ويحاولون البحث عن جمل يرضون بها ضمائرهم بأن بعض أولئك النجوم والكتاب والمخرجين يكتبون لمعاناة الناس ويتلمسون خيوط الثورة، وكأن الثورة مازالت مجرد خيوط ولم تُحرق وتُدمر مدن بأكملها ولم نفقد مئات الآلاف من أبناء الوطن.
وبالمقابل ماذا قدمنا كمختصين بمجال الدراما وقد أعلنا التزامنا بثورة شعبنا وآلامه، هو السؤال الذي يجب طرحه الآن مع تقدم حلقات دراما الأسد في رمضان، هل يكفي أن نشتم وننتقد ونوضح للسوريين أنها دراما خارج سياق حياتهم الاستثنائية التي يمرون بها تماماً كما تفعله مؤسسات المعارضة بداية بالائتلاف وحكومته وصولاً إلى تجمعات لا نكهة لها ولا طعم جميعها استهلكت سنوات الثورة بالشرح والتحليل ورد الفعل على خطط النظام بلا أية مبادرة تحسب لها.
إن الدراما ليست سلاحاً عاديا، فهي تدخل إلى كل بيت وتخاطب كل الأجيال وهي الوسيلة الأسرع لإيصال الحقائق للجمهور المرهق أصلاً من نشرات الأخبار، ربما لو أن الثورة أنجزت غايتها الأسمى وهي إسقاط النظام خلال مدة وجيزة لم نكن لنفتح هذا الجدل، ولكن بعد مرور الأشهر والسنوات واستمرار النظام بتوجيه سلاحه الدرامي وإن كان بمسلسلات عشق أو نخوة فارغة من المضمون، أصبح لزاماً علينا فتح هذا الجدل علنا نصل إلى نتيجة ولفت نظر إلى أن كادرنا الدرامي المعارض مازال خارج الفعل الحقيقي.
* سلاح بأيدينا لا نستخدمه!
لا شك لدينا مجموعة من المخرجين المتميزين وعدد من الكتاب والنجوم الذين فقدوا عملهم ككل السوريين الذين خرجوا للحرية دون التفكير بالثمن الذي دفع أو سيدفع، لكن المسؤولية هنا أبعد من ذلك، إنه سلاح الفن الذي بيدنا ولا نستخدمه، وهنا يبرز السؤال الأهم: هل أتيحت لنا المساحات التي يمكن أن نستثمرها لنساهم بدورنا، في الحقيقة لا يوجد لدى السوريين سوى محطة واحدة يمكن التعويل على طريقة أدائها، ولكن ما الذي ستتحمله هذه المحطة، فالمال الذي تستلزمه أية عملية إعلامية أو فنية ليس بالسهل، لذلك يُوجه السؤال إلى جهات تمويل سورية خاصة كان عليها ومازال تمويل هذا الجانب لإنتاجه وتقديمه ليس لتلفزيون أورينت وحسب، بل للمزاحمة في سوق الدراما العربية كإنتاج بديل عن مفرزات الأسد وفنانيه ومنتجيه، فإن غابت هذه الجهات التي قد تكون حساباتها هي الربح والخسارة دون أن تدرك الحسابات المعنوية والمباشرة لدور الدراما في معركتنا، فكان يجب على الائتلاف ومؤسساته الالتفات لهذا الجانب بكثير من الاهتمام عوضاً عن أن يكتب بعض من كان فيه في الأمس ملاحظات ومواد غزل وإعجاب ببعض مسلسلات النظام وكأننا في مهرجان درامي لا في ثورة تسير نحو تغيير الكثير من المفاهيم والقيم التي زرعها عبر عقود في نفوس السوريين، وشوه من خلالها ليس حياتهم فقط بل طريقة تفكيرهم وإبداعهم فأخرج هؤلاء المنحرفين الذي سميوا بالزمن الخطأ نجوم ومخرجون.
وعليه وبجملة بسيطة نقول للسوريين المنكوبين: تخيلوا الآن ماهي النتائج التي كنا سنحصدها لو أن مسلسلا دراميا واحدا يعرض باسم الثورة ويتوجه للجمهور السوري والعربي لنضع الأمور في نصابها السليم ونقول للعالم إن الثورة ليست فعلا سياسيا وحسب بل فعلا إبداعيا أيضا؟!
*المال الخليجي لا يدعم ثوار الفن!
للأسف إن المال القادم من الخليج العربي"خص نص" للدراما السورية لن يأتي لنا ولن يوافق على مشاريعنا. مدراء العملية الإنتاجية في تلك المحطات الكبيرة تماماً كما الدعم الذي لم يأتِ ليد الثوار بالأسلحة والذخائر ومازال يتدفق للنظام في وضح النهار، ذلك المال مازال يصب في شركات النظام الفنية وجيوب مرتزقته، وتلك المحطات مازالت أبوابها مشرعة لجمهور القتلة وليس لنا، وللتاريخ يجب القول إن كادر الثورة الدرامي محاصر ومهمش تماماً ككل من التزم بهذه الثورة اليتيمة.
لا تلوموهم بل ابحثوا عمن أراد لهم أن يعملوا بكافة المهن الممكنة ليعشوا الكفاف خلال سنوات الثورة ، إلا مهنتهم، فمشاريعنا جميعاً ما زالت معطلة لا نجد من يقول لنا هذه مساحتكم لستم "أهل ذمة"، ولهذه الكلمة كثير من المدلولات يفهمها من عمل بهذا الوسط في ظل النظام وشركاته، ونتائجه ظهرت أثناء الثورة، فمن بقي يتوسل عمله ذليلاً كما أراده النظام ما زال هناك، ومن كان يحمل عزة نفس هو تماماً هنا بينكم وبثورتكم، ثورة الكرامة، ولن يتوسلوا لصاحب مال كي لا يشوهوا شعاركم الأهم "الشعب السوري ما بينذل".
التعليقات (1)