دراما اللا ثورة.. واللا أزمة!
لا أحد يستطيع نكران ما تعانيه الدراما السورية من صعوبات، ولكن هذه الصعوبات ليست بالحجم، الذي يعفيها من الاشتراطات المنتجة، حيث أنها دخلت المنافسة هذه السنة بموازنات ضخمة تفوق مثيلاتها في السابق، وعلى لسان صناعها في تصريحاتهم لوسائل الإعلام، وعودة العديد من الممثلين إلى سوريا، وبقي العائق الوحيد أمامها، أماكن التصوير التي اعتمدت على أماكن مخصصة مسبقاً، او ذهبت للتصوير في لبنان أو حتى استوديوهات الإمارات... لذلك فإن الحديث عن الصعوبات لن ينفعها في حال محاكمة تواضع نتاجها على صعيد المنافسة، كماً ونوعاً، ولا بد من تخطي عوامل التعويل على التمويل والهيمنة السلطوية لصالح دراما تشبه الناس.
وحينما نقول أن سوريا تعيش ثورة، لا أجد ملمحاً هنا أو هناك في مسلسل "قلم حمرة" بعد مضي عرض أربع حلقات منه حتى الآن، لا يخبرنا أن شيئاً تغير هنا أو هناك، ما زالت الكوادر التلفزيونية المملة نفسها تعرض نفسها مراراً وتكراراً، تقليد لا يحمل شيئا جديدا لا بالشكل ولا بالمضمون، وكأن آلاف الصور البصرية والحسية التي مرت في سوريا، ليست موجودة هنا، ولا زالت الكوادر تشهد نزوحاً لا مثيل له للثرثرة التي تعاني من غياب السيناريو، لصالح صوت المؤلف، وارتجال الممثلين العبثي، الذي يحاول أن يقول كلامياً وبشكل مباشر وفج وضبابي، ما تعجز اللغة البصرية عن تقديمه كشريط درامي يسترعي توافر أدوات قوله.
حاتم علي والمقولات الترويجية!
ويبقى الحديث عن شخص يدعى حاتم علي، الذي يوصف بأنه رجل مغامر ومتحمس وذكي، لكنه في العمق لا يحمل شيئاً مميزاً عن الأجيال السابقة.. لا من حيث الغنى ولا التنوع ولا الجرأة في قول الواقع، سوى إلمامه العصري بتطور التقنيات، ويبقى للمسة الجيل القديم، إن صح التعبير، نفس الحضور والملامح. لا نجد شخوصا تشبه الناس التي ثارت، وكأن سوريا عبارة عن هوس بمغامرات الزواج والطلاق والتأمين الصحي والاجتماعي، أشياء تلفزيونية، تشبه تناولك لوجبة من كنتاكي، وتبقى المنطقة الخاصة في سوريا بعيداً عن حساسية اكتشفها بتناقضاتها وارتباكاتها وتعقيداتها، وظلم من يحتل ناسها، لا رؤية لسورية التي ولدت من مخاض عسير.
لا نريد من المخرجين والممثلين وكتاب السيناريو، مشاركة الناس السجون والأقبية الأمنية، ولا نريد منهم أن يعيشوا في مخيمات اللجوء، ولا أن يعيشوا ظرفية انعدام المرافق والخدمات العامة، ولا فقدان ذويهم خلال المظاهرات والقصف العشوائي من قبل آلة حرب النظام، نريد منهم على الأقل تصوير سورية الحقيقية، كعطل وضرر عن ما أصاب البلد والناس، لا أن يبقوا في حكم دائرة الإنتاج السلطوي مع لمحات واقعية لا تتعدى كونها مكياجا لوجه قبيح.
دراما خذلت المرحلة!
لا شيء يبرر هذا الخذلان في مسلسل جنحت وسائل الإعلام إلى توصيفه، انه الأقرب إلى تصوير الواقع السوري، سوى أن النزعة الاستهلاكية، التي ما زالت مسيطرة على المزاج الدرامي، واستهلاك ضمن مواصفات ما يسميه الناقد السوري راشد عيسى"دراما تحت سقف الوطن"حيث أن الموضوعات الكبرى تختزل بشكل هامشي وسطحي، إنه شكل من أشكال الاحتيال الانتقائي على المتلقي، إنه شراكة بين السلطة والدراما من أجل طرح وجهة نظر السلطة، وتغييب وجهة نظر الناس. الناس الذين صنعوا حيوات جديدة تبقى الدراما في أمكنة تنأى بنفسها عن تلمس حضورها، حتى لو كان على شكل مقاربة للتخوم.
بعيداً عن أي شكل من أشكال التجريب والتجديد، يعرض مسلسل "قلم حمرة" في حلقاته الأربع الأولى، شخصيات من الطبقة السورية الوسطى، تلك الطبقة غير المنتمية، التي لم يعول عليها في ثورة أبناء الظل، السيناريو هنا، يصف أزواجا يعيشون أزمة عاطفية بعد برود علاقاتهم، ومثقفين مأزومين، وشبابا جامعيا يبدو أنه يبحث عن فرص دراسية ووظيفية لا أكثر... وعلى الرغم من وصف الممثلين المشاركين أنهم نجوم، إلا أن لهؤلاء النجوم الذين صورت أغلب مشاهدهم في الحلقات الأولى في أماكن مغلقة، أداء لا يمكن وصفه بأكثر من تعبيرات: (فاشل) و(مثير للسخرية) ويحمل قدرا غير قليل من فقدان النضوج، إن تجنبنا استعمال تعبيرات سوقية تليق بهذا الاستسهال الفني.
قصص عادية ممكن أن تحدث في أي مكان في العالم، زوج وزوجة تتأزم علاقتهم العاطفية، شاب يحب شابة، لمحات بوليسية يمكن أن تحدث في البلدان الكاريكاتورية مثل إيران أو كوريا أو حتى العراق، لا خصوصية لأي شيء، وصفة جاهزة لشريط درامي غير ناجز، انه يشبه طلب بيتزا أو معكرونة للأكل السريع.
الناس الذين لا يشبهوننا!
لا يمكن لأي صحافي أو ناقد، أن يصف عمل المخرج حاتم علي الأخير، المدعي التجديد بالأدوات والأساليب، أنه مس بأي مقدس من مقدسات حكم الأسد بصفحتيه، لا حديث عن السياسة لا حديث عن السلطة لا حديث عن الوشائج الاجتماعية السورية، وتبقى الأعمال التي برزت سابقاً له، شكلاً من أشكال مهادنة السلطة وهذا العمل يدخل في نفس السياق، والزواج بين السلطة والدراما لا ينتج عمل يحمل اللهفة والشوق للناس الذين يشبهوننا.
لا أمل للدراما السورية في الخروج من الظل إلى النهار من خلال مسلسل"قلم حمرة"، ويبقى الواقع السياسي والاجتماعي الجديد، خارج سياقات تلمسه، ورغم هذا يبقى لهذه الدراما الهزيلة نقاد وصحفيون من صحف البترودولار الإيراني، للزوم التطبيل والتزمير.
التعليقات (11)