فالبيت الأبيض الذي سارع بإرسال وزير خارجيته للعراق مؤخراً لا يريد رؤية المالكي بقوائم الإرهابيين، وكذلك فإن الأسد لم يصل إلى ذلك التوصيف دولياً رغم كل جرائمه حتى الآن، الإرهابيون وحدهم أولئك الذين خرجوا من السجون السورية والعراقية "هربا" أو ضمهم "عفو" وجاءتهم الفزعات العابرة للحدود من كل حدب وصوب لتساهم أيضاً بتشويش الرؤية، هنا يصبح الأسد والمالكي جزءا من من تركيبة الجنتل بالسياسة طالما أن الرجلين يلبسان ربطات العنق الأنيقة وليس الدشاديش، ويواظبان على حلق الذقن وتوزيع الابتسامات، لايعي ائتلاف المعارضة السورية لما الرجلان مازالا خارج قوائم الإرهابيين الرسمية، وهو تحصيل حاصل لعدم امتلاك ديبلوماسيي الائتلاف الجدية اللازمة في التعاطي مع ثورة أبناء بلدهم أولا ومع ملفات المنطقة ثانيا ومن خلالهما إلى المجتمع الدولي.
إن المؤشرات التي تقدمها زيارة السيد كيري إلى العراق ومن ثم السعودية كذلك زيارة السيد هيغ إلى العراق كافية لنجوم ائتلافنا لتبقيهم خارج تفاصيل اللعبة، كل تلك التضحيات العظيمة التي قدمها شعبهم استهلكوها عبر خلواتهم ومؤتمراتهم عوضاً عن وضعها كرقم صعب في معادلة المنطقة، هاهو الأسد الآن بالمقابل يشارك المالكي عبر طيرانه بقصف مدن العراق الثائرة في ظل صمت أميركي ودولي وعربي.
المؤسف أن الإدارة الأميركية وعن سابق تصميم مازالت تتجاهل مطالب شعوب المنطقة ودائما تحاول الالتفاف عليها بأخذها نحو تعاريف وأوصاف جدلية وغير متناهية، بداية من حربها على صدام حسين وعوضا عن تسليم العراق للعراقيين الذين ذاقوا مر الدكتاتورية قامت بتسليمه إلى بضعة رجال طائفيين مأجورين إقليميا عمدوا على تأجيج فتن طائفية عمرها مئات السنين، كذلك أودعت أميركا جزءا من خيوط اللعبة لإيران ضمن ذات الصراع وهي على معرفة تامة أنه لن ينتهي إلا بتخريبه للمنطقة كاملة، وهذا ما حصل بعد الثورة السورية فمررت إيران كل جنون التطرف إلى بلاد الشام من حالش في لبنان إلى ألوية الطائفية في بلاد الرافدين ومولت داعش على الطرف الآخر.
ولم يكن لإيران أن تتجرأ على فعل ذلك بلا ضوء أخضر أميركي، فالتغاضي الأميركي على كل الإجرام الإيراني في سوريا سيبقى مثار جدل لأجيال عديدة، وهو ما فعلته أيضاً أميركا نحو انحرافات إيران عبر وكلائها بالعراق لأكثر من عشر سنوات.
هنا بالذات تكمن الأسرار، الشعب العراقي المظلوم كما الشعب السوري قد ثار على محتليه، والشعبان بالأساس كان يجب ألا يثورا على ما صنع لهما في كواليس ذلك العالم المتحضر في الغرب، فالشعوب هنا وبحكم الولادة والهوية هي إرهابية، تلك كانت توصيفات ثورة الفلسطينيين التحررية في القرن الماضي فهي مجرد منظمات إرهابية تسعى لقتل حضارة التمدن وكأن فلسطين كانت سراديب تقطنها مافيات منفلتة من كل عقال عبر مئات السنين وجاءتها الصهيونية "اللامافياوية" لتؤدبها، يتم تسويق ذات الفعل بتغيير الأدوات الآن عبر تغيير الشعارات الأهلية التي انطلق بها السوريون في ثورتهم وأيضا العراقيون، ليصار إلى تثبيت أمر واقع هو حرب سنية شيعية يغذيها الإرهاب السني، فماذا فعل ائتلافنا؟
علمتنا تجارب الشعوب أن الحصص السياسية لا تأتي بالتوسلات ولا بدفن الرأس بالرمال، فالتضحيات العظام يجب أن تقابلها مكاسب أعظم، وعليه فإن حجر العثرة يجب وضعه الآن في طريق الديبلوماسية وليس غداً وهذا يتطلب انفتاحاً مباشراً ودون إذن من أحد على ثوار العراق بل وتشكيل غرفة عمليات مشتركة وهذه الغرفة يجب عليها الانفتاح على كل القوى اللبنانية المناهضة لحزب الله الإرهابي التي عليها أن تقتنص هي الأخرى فرصة خروجها من عنق الزجاجة وتوحيد الجهود لتحريك الجبهة من المتوسط إلى شواطئ الأهواز العربية.
فكما الفرس تحت الرعاية الأميريكية والولدنة السياسية العربية استطاعوا إيجاد ذلك التناغم في تحركاتهم عبر تلك المنطقة الجغرافية، على الائتلاف أن لا يختبئ خلف مسوفات وحجج واهية لا تليق بحساسية وأهمية ما يجري، وهي بالذات الوجهة الحقيقية للحرب على الإرهاب أي ثلاثي المالكي الأسد حالش وراعيهم في إيران لتصحيح البوصلة العالمية وخصوصاً الأميركية من خلال العمل على الأرض وليس بالسياسة والخلوات المشبوهة، وعندها سيتفاجأ سياسيو ائتلافنا بأن الديبلوماسية الأميريكية هي التي ستطلب لقاءهم حتى وإن كان داخل خيمة في عمق سوريا.
التعليقات (2)