النظام السوري وأمريكا: العشق المثلي!

النظام السوري وأمريكا: العشق المثلي!
ربما تكون السياسة الأمريكية خلال العقد ونيف الماضي، وخاصةً ما انتهجه الرئيس جورج.و.بوش من إطلاق حروب في أماكن عدة في العالم بذريعة محاربة الإرهاب والتي أعفته من التكبيلات الدستورية وقواعد المساءلة في القانون الدولي، هي نفس السياسة الذرائعية التي يطبقها كل الحكام العرب وفي سوريا تحديداً من أجل سحق أي مقاومة تهدد تسلط هذه الأنظمة واستبدادها اتجاه شعوبها.

لقد ساعدت الظرفية الدولية، وبخاصة إعادة تأهيل بعض الجماعات المتطرفة ومنها (القاعدة) ساعدت بشار الأسد، على تقزيم كل ما يواجهه نظامه من ثورة شعبية حالمة بالتحول الديمقراطي، وما يتفرع عنها من حريات عامة وانتخابات نزيهة وتداول سلمي وتعددي للسلطة، نحو سياسة قوامها محاربة الإرهاب الذي تسأل عنه بالدرجة الأولى أمريكا وحلفاؤها في المنطقة، وعلى رأسهم النظام في سوريا وإسرائيل، حيث لا سياسة جدية في رسم استراتيجيات تمظهر الدور الأمريكي بشكل واضح يحصل فيه على مصالحه ويراعي مصالح الآخرين، وإبقاء الصراع العربي-الإسرائيلي مصدر مهدد لاستقرار شعوب المنطقة وأمنها الكلي.

أنظمة من قبيل الحكم الأسدي في سوريا، وشقيقه الحكم الصدامي في المنطقة، هم الأدوات التي استعملتها أمريكا طوال فترة محاربة الإرهاب لتحقيق مصالحها في المنطقة، ولو كانت فعلا هذه الأنظمة معادية لأمريكا وسياستها لو بالحد النظري والظاهري لكان مصيرها الزوال ضمن الحملة على الإرهاب، حيث أن هذا العالم لا وجود فيه لغير الأنظمة الحليفة لأمريكا وسياستها حسب المقولة السياسية الشهيرة"من ليس معنا فهو ضدنا". حيث نجد التجزئة بالمعنى الوطني والمدني والمؤسسي حاضرة وبقوة نتيجة تسلط هذه الأنظمة مترافقةً مع غياب أي مظاهر للتحضر المدني، كل هذه عوامل تساعد القطب العالمي الوحيد أن ينفذ الآخرين ما تقول هي، هذه حقيقة يعيها حتى الأطفال الصغار.

• أوهام عاطفية!

وبعيداً قليلاً عن هذا الاستطراد، وقريباً من المشهد السوري بالتخصيص المثالي، انتهج بشار الأسد الطفل في السياسة الدولية هذه السياسة الموجهة للتصدير الخارجي حيث اتبع النظام السوري واقعياً وعملياً نهجاً يتماشى مع الإرادة الأمريكية، وبخاصة ما يمس أمن واستقرار الحليفة الأخرى إسرائيل.

حيث استدعى الأسد إرهابه الخاص وعرضه للرأي العام المحلي والعالمي على قدم المساواة، مما حول السلبية الكلية المتجسدة في الإرهاب إلى إيجابية كلية يعيد النظام عبر بوابتها تأهيل نفسه ولا يكتفي بذلك بل يظهر أنه نظام أخلاقي أناط بنفسه تنفيذ رسالة السلام،سياسة عامة تتماشى مع سياسات أمريكا التي لا تقيم وزناً لأي مصلحة خارج إطار مصالحها، وبالتالي هذه السياسة مقبولة كليةً من قبل أمريكا وتضمن استمرار انتهاج نفس السياسات بالمنطقة وتعيدها إلى السكة الصحيحة التي أخرجها عنها الربيع العربي، وخاصةً في سوريا الحليفة الأساسية وإحدى أهم"حوافز البقاء" بالنسبة لإسرائيل واستراتيجيتها الأمنية.

إعادة توطين نظام الشياطين في سوريا بعد شيطنة كل ما يتعلق بحلم ثورات الربيع العربي، لتمسي هذه الثورات وما يتفرع عنها من حريات وحقوق إنسان وديمقراطية وقضايا كبرى بحكم "الأوهام العاطفية" التي يحل بديلاً عنها محاربة الإرهاب وإعادة تأهيل البنى الأهلية بوصفها بنى غير متحضرة مدنياً وما زالت قاصرة عن ممارسة الديمقراطية، وبدعم أمريكي يتراجع بشكل واضح لمعارضات المنطقة لصالح إبقاء الأنظمة وتسلطها.

• أسباب أكثر نزاهة!

إذا حرب النهايات المفتوحة مثل ما ينتهجه النظام في سويا ضد ما يسميه الإرهاب والشرور ومن أجل حماية الأقليات، هي الأسباب الأكثر نزاهةً التي يمكن أن يقدمها للدول الكبرى كتجديد أوراق اعتماد ويبقى الاحتواء العسكري والأمني كسياسة موجهة ضد الشعب الأعزل، وكل شيء في هذا الاحتواء مباح حتى الأسلحة المحظورة-والتي يعتبر بشار الأسد الأكثر استعمالا في العصر الحديث- حيث تحول عبر سلوكيات متجردة من كل القيم الأخلاقية والإنسانية التي يتحلى بها الساسة ليمسي أشبه بالقرصان، ولكنه قرصان نبيل كون السبب الجيد بزعم عرابيه وحلفاءه صك غفران، وهنا يعيد النظام تشكيل نفسه داخلياً على ضوء اعتبارات دولية، تنقحها خبرات أصولية تحارب بصفّه، مثل الحرس الثوري وحزب الله، وتعزز بدعم دول ما تحت مدنية مثل روسيا والصين. وهو شكل نجح به إلى درجة بات لا يستغرب صدور ترحيب دولي يرحب بشكل مقاومته لما يسمى حربه ضد الإرهاب، لتمسي محاولة استرضاء الشعوب الثائرة في ظل هذه الحرب وبالشكل الاسترضائي حتى السيء منه، ظرف من الرفاهية، حيث الأخلاقية والدبلوماسية تغيب لصالح حضور الأقوى استراتيجياُ ويتماشى مع مصالح وحضور مصالح الكبار المتجسدة بصفقات نفطية وقواعد عسكرية وأشياء أخرى، يتقن النظام التراقص على حبالها.

ولا يخفى على احد أن سياسات أمريكا قصيرة الأمد، والعلاجية وغياب أي استراتيجيات واضحة تلعب فيه دوراً يراعي مصالح الآخرين ويحافظ على مصالحها، وخاصة في ظل التقارب مع ما يسمى إيران الإصلاحية وتوتر العلاقات مع تركيا والمملكة العربية السعودية، ينذر أن رأس القاعدة والإرهاب والحركات الأصولية لن يقطف بالقريب العاجل. خاصةً في ظل منطقة سهل إشعال الاضطرابات فيها واستمرارها في ظل خصوبة الأقليات الدينية والقومية التي تقطنها والتي تعتبر مجالاً حيوياً لتنفيذ الاستراتيجيات والمصالح، مما ينذر بحروب أهلية وصراعات تسلب الشعوب من مكتسبات حصلت عليها في ظل ثورات الربيع العربي، ولتظل هذه الظرفية التي ترسم ملامحها الآن في سوريا ولبنان والتي قد تحدث تغيرات ديموغرافية وحدودية تحيل المنطقة إلى رقعة قابلة لتقسيم من جديد وهذه المرة بقبول ورضا قسري من الجميع وتمسي الهويات غير المنجزة تسعى لإنجاز هويات جديدة، وتمسي المنجزات الاقتصادية البدائية والهياكل الثقافية غير النامية أشبه بثوب بالٍ لم يعد صالحاً للارتداء من جديد.

إن البينة المجتمعية السورية الأشبه بالفسيفسائية مهددة نتيجة المثال الأمريكي المحتوى من قبل النظام في سوريا، وبالتالي يهدد المنطقة برمتها لأن تكون فضاءً عاماً للاضطرابات والحروب الأهلية، ولا أحد من الكبار مستعد أن يقدم لها حبل النجاة لأنهم هم من رماها في قلب العاصفة.

قصارى القول لا رغبة لأمريكا والكبار في إنجاز المهمات الديمقراطية المتشابكة ولا إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وسوريا ليست الوحيدة التي سوف تغرق نتيجة هذه السياسات الرعناء. إنها العاصفة التي رمتنا بها أمريكا بعون الأنظمة الحليفة لها تحت لعبة محاربة الإرهاب كاستراتيجية. وسوف يغرق فيها الكل حتى الكبار وإن كان بشكل أقل خطراً وتمظهراً منها لدى شعوب المنطقة وقواها الإقليمية.

التعليقات (1)

    كلام كبير

    ·منذ 9 سنوات 10 أشهر
    مخططون كبار في دول كبيرة يسعون الإستفادة من الحروب الأهلية ظنّاً منهم أنهم بمنأى عن حرب أهلية في عقر دارهم و لأتفه الأسباب قد قد قد تقع عمداً بفعل فاعل أو سهواً أو غفلةً .... فيا هه هه هه هه ... يا مخابرات العالم .... إتّحدوا وحكّوا ظهركم بأظافركم فيما بينكم
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات