لنخمّن مادار بين أولبرايت والأسد الابن بعد وفاة الأب

لنخمّن مادار بين أولبرايت والأسد الابن بعد وفاة الأب
جاءت الوزيرة أولبرايت كصاحبة واجب لتقدم العزاء لبشار الأسد في وفاة والده، لم تزر سيدة الدبلوماسية الأميريكية سوريا الدولة حينها بل زارت عائلة، لكن ولفيض الحنان في قلب الوزيرة فقد قررت الاختلاء بالوريث السياسي المفترض بطريقة أيضا تستهتر بسوريا الدولة، ولذلك لاتوجد وثائق غير عائلية عن تلك الخلوة وهنا لابد لنا من التخمين عن الذي جرى مستندين على نتائج أصبحت ملموسة.

إحدى تخميناتنا تقول إن الوزيرة الأميريكية أبلغت الأسد الابن أن والده أوفى كامل التعهدات التي قطعها على نفسه منذ ستينات القرن المنصرم حتى وفاته بتدمير سورية الدولة، وعليك أن تتابع المشوار لنضمن نقل السلطة لك بسلاسة، وهذه التخمينات تؤيدها النتائج، ففي عهد حافظ الأسد تشردت الكفاءات الوطنية بكافة تنوعاتها العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية، ومن لم يستطع الهرب بعيداً فقد قضى في السجون أو تأقلم مع حالة الإحباط وعاش حياة هامشية، تحولت مدن عظيمة بتراثها وتاريخها إلى مدن مشوهة المعالم تحيطها العشوائيات في دولة غاب عنها القانون مع نمو طبقة سياسية وثقافية واقتصادية اختيرت بعناية بحيث تتمتع بقانون الأمر الواقع وبذات الوقت لا تشكل خطرا على العائلة الحاكمة ولا تقدم أي جهد عملي لبناء دولة، أما على صعيد الجيش فحدث ولا حرج والنتائج مازالت تبث على الهواء مباشرة.

التخمين الثاني يقول إن الوزيرة أولبرايت لم تتكلم عن الداخل السوري فهذا الأمر أصبح من المسلمات، بل كان حديثها عن الجوار السوري وبالأخص فلسطين ولبنان، فكما ساعد الأب على تثبيت الكيان الصهيوني على تراب فلسطين يجب المحافظة على ذلك ومتابعة العمل كي يكتمل الجناح الشرقي للمتوسط وتغتصب لبنان عصابات أخرى، والنتائج الملموسة تشير إلى أن هذا المشروع الذي سار بخطى ثابتة هو محصلة رعاية دولية تقودها دول عظمى بحجم أميركا، وإن اغتيال الرئيس الحريري هو محطة مهمة لتسليم الكيان اللبناني ليد أصبحت جاهزة للضرب والابتزاز والتحكم بمفاصل تلك الدولة المسكينة لبنان، ذهبت محكمة الإرهاب المخصصة لجريمة اغتيال الحريري إلى متاهات التسويف والسياسة وأصبحت بحد ذاتها عبئاً سياسياً ودخل لبنان حالة فقدان التوازن وغابت مؤسسات الدولة لصالح مؤسسات مشبوهة وغير وطنية، وبالمقابل تراجعت قضية فلسطين إلى مشكلة داخلية بين الضفة والقطاع لتصبح قضية العرب بدورها عبئاً سياسياً على أصحابها المحرومين أصلا من التكلم عن قضيتهم.

قد نخمن أيضاً وانطلاقاً من حسن نيتنا أن الوزيرة أولبرايت لا تكترث بنظرية المؤامرة التي تشغلنا نحن ونعكس كل فشل يصيبنا عليها، فقد اختلت الوزيرة بالوارث القادم لتقول له إن الدول تبنى بالكفاءات وليس بالشعارات التي استهلكها والدك بلا جدوى، وإن سورية بلد عظيم بشعبه وتراثه وهي فرصة ليحكمه شاب يتمتع بثقافة معاصرة، وإن الولايات المتحدة تتطلع لترى سورية دولة ذات ثقل اقتصادي وسياسي وإداري وعلمي ويشعر الناس فيها بقيمتهم الإنسانية في دولة تصون حقوقهم وكرامتهم، وإن أميركا على استعداد لمد يد العون لأجل ذلك.

أما التخمين الأهم فقد يكون أن الوزيرة الأميريكية لم تتكلم قط في تلك الخلوة بل أصغت لنجم السياسة القادم ليطرح ما في جعبته، ابتدأ حديثه عن البرغر الأميركي وعن الموسيقى ومتاجرها وعن أناقة بيل كلنتون وأنواع النساء التي يفضلها آنذاك بصفته رئيساً دمثاً وكذلك ربما أسهب النجم الصاعد بوصف تصوره عن التحديث والتطوير وسوق السيارات الحديثة والعقارات وعن طموح العائلة بهذا الاستثمار وتابع يتكلم عن الدراما السورية ونجومها الميامين ومخرجيها الصناديد كيف يمكن الاستفادة من نهمهم للشهرة والمال وربما عرج بحديثه على أن التحديث الاقتصادي القادم سيعلن وفاة مشروع الفشل الاشتراكي ويصبح الحديث عن التحديث سبباً لتنمية امبراطورية اقتصادية داخلية يتولاها ابن خاله المطيع ولم يغفل الإسهاب بالشرح عن التحديث الإداري الذي يجعل من السائق المخبر مفتاحاً لوزير بكامل طاقمه الوزاري.

احتار الوريث الذي لم يستوعب أن أولبرايت بشحمها ولحمها تختلي به، احتار كيف يشرح أنواع التحديث وأي واحد يجب أن يسبق الآخر بالترتيب وبقيت الضيفة تترقب وتترقب وتصغي باندهاش شديد وكأني بها تخايلت أنه سيأتي يوم يقف فيه سيناتور سوري عظيم في مجلس شيوخ برلمانيي سورية ليرشح الوريث ليرأس العالم بأسره كخطوة على طريق التحديث والتطوير الفضائي، ثم غادرت الوزيرة القادمة لواجب العزاء إلى طائرتها وما زالت حتى اليوم بحالة دهشة ورضى.

لا ندري بدقة ماهي أسرار تلك الخلوة في مراسم عزاء ولكن الذي نخمّنه اليوم لا يحتاج كثيرا إلى جهد فكري أو خيال واسع بل يكفي التأمل بهذه المأساة الإنسانية السورية التي عرّت العالم بشرقه وغربه في حين أن ورثة الديبلوماسية الأميريكية مازالوا بحالة اندهاش مرضيّة انتقلت عدواها إلى أمين عام الأمم المتحدة حيث اندهاشه أصبح اسمه متلازمة القلق.

التعليقات (1)

    جورج حنا عساف*//*الزبداني

    ·منذ 10 سنوات 7 أشهر
    يتهم نتياهو ما فعله.وما حصل بثلاثة مراقين يهود من عملهوعمل رجاله للايقاع بين الفلسطنيين .عندما اقتربت توحيد كلمتهم.ونبعت العراق.وماكل سوريا .ومصر وليبيا ايضا بكلمة واحدة أرضك يااسرائيل من النيل الى الفرات رفعت بالكنيست.وتصريد اولاد اليهودية صعب جداوبنهم السيسي وحفتر في حال سقوط غزه
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات