رأيت جثة فوق أكبال الكهرباء، هذا ما قاله مواطن حلبي. جملة تكفي لنرسم الصورة، رمت طائرة الأسد برميلها فتناثرت الأشياء والأشلاء والأحلام، نصيب تلك الجثة أن علقت بين السماء والأرض تبحث عمن يسقطها للأرض بعد أن ارتفعت روح صاحبها للسماء، والسماء في سوريا ليست ككل السماوات، نحن الذين حين كنا أطفالا علّمنا الكبار أن نفتح الكفّين وننظر للسماء لنطلق الدعاء، نعلّم الأولاد بعد هذا العمر أن يفتحوا العينين كي يراقبوا السماء من غدرات من سلب مرور الشمس نحو حق نموهم واستبدل الهواء بالغبار أو الكيمياء، وللكيمياء أيضا في ذاكرة السوريين حكاياها التي قد تقود أرواحهم إلى السماء في غفلة نومهم، لا شيء هنا يشبه حكايا ألف ليلة وليلة رغم أن موتنا قد زاد عن الألف ليلة بليال وليال، بل قد يكون لنا نحن دوناً عن كل شعوب هذه المعمورة أن نحصي كل ليلة ألف ليلة، فقط أسياد مجلس الأمن الكبار هم من مازالت ليلتهم واحدة منذ أن صوب الأسد إصبعه في وجه كل قيم الحياة، وذاته الأسد من نال التصفيق بعد أن قال له أحدهم إن سوريا والوطن العربي قليل عليه فرشحه لقيادة هذا العالم، لم يكذّب خبرا جنرال سوريا فترشح أخيراً من منصة وطن حصل عليه هدية كدمية تفك وتركب كما كل المدللين حين ينالون هداياهم الثمينة، شعاره "سوا" ففاز بصوته، والوارث المدلل هنا لم تعد تغريه دميته بقدر ما يغريه أن يرى صورته على أجزاء تلك الدمية، حتى لو صارت عديد أجزائها خراباً، فالسوريون هم من مزق الصور في طريق ثورتهم وهتفوا كي يعيدوا نسج وطن لا تسعه حقائب الشعراء في المنفى بل يتسع لكل الشعراء، حملوا علم استقلالهم كرسالة مفادها أنهم ومنذ ذلك العهد هناك من تسلل ليسرق الوطن، هنا لا يكترث السوريون لمشهد الصور لكنها كلمة "سوا" كانت كافية كي يحفظوا في سجلاتهم صوراً أخرى، هي صور الليالي الألف والنيف من عمر مرارتهم، تتألق هنا صور أطفال قضوا تعذيباً وبعضهم قضى جوعاً وآخرين بالكاد جمعت أشلاؤهم، يتكرر العنوان ذاته لألبوم نساء ورجال هم ضحايا كل أدوات الموت والقهر ولكنهم لأجل أن تزداد المرارة حنظلا، مُنع عليهم أي قانون إنساني صيغ كي يكون مواز للحروب أو حتى الكوارث، لم يعد هنا الحديث عن مدن اغتيلت معالمها له وقع، وحدها كلمة "سوا" حملت الفاجعة، اختصر من خلالها السوريون قصتهم، فوزعوها على طريقتهم بصناديق اقتراحهم الخاص، فهي سوا مع قادة أمم في هذا العالم قد مارسوا شهوة القتل هنا، "وسوا" مع من راقب كوكتيل موتنا بلا اكتراث.
أما "سوا" الأثبت خارج نياشين علّقت على بحر دم هي "سوا" التي تخصنا نحن السوريين المحشورين في ذاكرة واحدة لا تشبه أي ذاكرة أخرى حملتها الشعوب، خمسون عاماً تورّمت أكفّنا من انتظار لحظة الفرج، كان الفرج بالنسبة لنا أن ننال حقنا بالحلم حين النوم أو بعرس لا يحضره مخبر، وحين لاح الفجر، تفجرت رؤوس ونزعت حناجر وسرقت قلوب قبل أن تهمد من نبضاتها، أبت مئذنة العمري أن تزوّر التاريخ فصاحبها من قال "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا،" فانهالت النيران نحو قلبها، "سوا" مع قلوبنا فيقول شبيحته هنا "الأسد أو نحرق البلد"
وفي السياسة هنالك قول آخر "الأسد أو لا أحد" وخالد بن الوليد في مسجده هو صفحة من سياسة "اللا أحد" أي لا قائد حتى من أعماق التاريخ غير الأسد، هو بطل كل زمان ومكان وقطب هذا الكون الأوحد، هكذا "سوا" مع لا أحد، فاز الأسد.
بقي ما لم يحسبه الأسد في حملة "سوا" تلك الأنامل الصغيرة التي خطت على جدار مدرستها بضعة كلمات أشعلت ثورة حناجر هتفت "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد" وهنا أصل الحكاية، وهنا ابتدأت مراسم الانتخاب حيث سقط الأسد وما بقي من "سوا" خاصته هو بقايا صور أعيد توزيعها على ملف الجريمة. بانتظار قوس محكمة ينصب ليعلن فيها الشهداء نتائج ارتقائهم.
التعليقات (4)