ثلاث سنوات وثلاثة أشهر تقرحت عيون الثكالى وتشققت أفواه الأطفال، توزعت الجنازات على كل البيوت ودفنت عائلات تحت ركام بيت العمر، تسرب الغاز القاتل إلى أنفاس الآلاف وفتكت البراميل بكل أنواع الحياة، ترملت حضارة السوريين العريقة، وتقاطرت اللحى الغريبة تفتي بالأرض التي عممت الديانات على أنحاء المعمورة، راقب الأصدقاء موتنا المنوع، ومشكورون اعتبروه مأساة العصر.
هام السوريون على وجوههم، لا فضاء يحميهم، لا أرض ولا بحر، تكدست خيامهم على أعتاب وطنهم، وتوجه ذباب الأرض ليشارك في نهب أجسادهم، وبقي الأصدقاء، بقادتهم الثلاثة الكبار، يظنون أنهم في حفل اختيار السوبر ستار، هنا السوبر ستار كان دباً روسياً يقذف الغرب والشرق بنظرات الشماتة الباردة، وجمهوره مجموعة عمائم تلطم في بحر دمنا، ثلاث دول عظمى تشبه لعبة الدمى الخشبية التي لطالما تغنى بها الروس، وضع الدب الروسي مفتاح مجلس الأمم الكبار في سروال السيد لافروف، فانتشى الأسد لرائحة الفودكا الروسية.
تسللت يد سيد الكريملن إلى أحشاء أطفالنا ونهب ما شاء من الأعضاء والحواس، فقدم الغرب العظيم جائزة ترضية لائتلافنا المعارض، واستقبله في قصوره الرئاسية، تبادلوا الابتسامات مع وفدنا رفيع المستوى باعتباره يمثل الشعب المعتدل من الأحياء، أما من كان من الشهداء فهناك لبس آخر بالموضوع، فبعضهم بصق بالهواء على طائرة روسية تلقي حمما وكان عليه أن يقذفها بوردة قد تدل على إحدى أشلائه، والبعض قال يارب احفظ أطفالي من غاز قاتل، والدعاء لله هنا يشك في أمره عند فقهاء السياسة والدين، اقتنع السيد الجربا أن أميركا ومعها الغرب والشرق يحتاجون لشرح مطول بعد ثلاثة أعوام عن أسباب قتلنا، فاستعان بالسيد كيلو والرفيق سارة لتعريف سادة الديبلوماسية والقرار، عن كيفية إقلاع الطائرات ونوع وقودها، وطريقة ركل البرميل فوق غرف النوم.
استخدموا بعض صور التلفزيون السوري من خلال مراسله المرافق للبراميل كوسيلة لشرح الحالة العلمية، اندهش السادة الأميركان كثيرا وسال لعابهم على تلك الابتكارات السورية بالقتل، اعتقد وفدنا المتربع على قمة البطولة أن الثلاث الكبار مازالوا يستعملون المقلاع والنقيفة، وسرقوا سر زجاجات الموليتوف وطوروا دفاعاتهم بها. كم هو متخلف هذا الغرب الذي لم تصله ابتكارات الأقمار الصناعية، وأدوات التصوير الدقيقة التي كانت تبث من داخل المركبات الفضائية صور الكواكب وماعليها، كم هي بسيطة ديبلوماسية الكبار تلك التي مازالت تستفسر عن سر وصول الأسد لقيادة العالم، هو ليس قطب للغرب الكافر الجاهل بل ممثل الأرض تجاه المؤامرة الكونية، ذهب السيد الجربا ورفاقه وفازوا بوضع تمثيل دبلوماسي وعدة مطبخ لبعض الجائعين من وطني.
في يوم ما قرر الجميع التقابل بجنيف بدبلوماسية تشبه سفاراتنا الائتلافية، ملأ الدم السوري ثياب ممثلي العالم الأنيقة في ذلك المؤتمر واعتبر السادة ممثلو الشعب السوري أنهم انتصروا وعروا النظام، كان النظام وقورا دمثاً وحنونا في القتل برأي أمم الأرض فإذ بهم يندهشون بأن النظام لا يراعي طرق الإعدام الرؤوفة فانتصرت الثورة في أروقة جنيف وعاد السادة ممثلوها لبيت الثقافة والتنظير كتنظير البعث عندما خسر الجولان وانتصر ببقاء النظام، مازال سادة تمثيلنا في هذه المأساة يعتقدون أننا شعب قاصر لا نعي أن الأسبرين جيد لوجع الرأس والرصاص قاتل والغاز السام جريمة والبراميل تحمل خردة ابتكارات العالم، فطحلة سياسية لممثلينا كما نظرائهم الكبار، تحمل جعبة أفكار لا تخطر ببال العفاريت، أو ربما نحن الأميين فعلا والعفاريت اختارت ما يناسب غرائز القاتل والمستثمر بالقتل.
أما الأشقاء الذين سرت في عروقهم رعشات الغيرة من الكبار فقد جهزوا عاصمة العرب الكبرى ومرجعية ثورة الساحات والميادين واستقبلوا وفدا أرفع مستوى ممن قابل الغرب للشروحات، شرح رجال سوريا الميامين للشقيقة الكبرى سر عنادنا في رغبة الموت، تكللت ابتسامات السيد مناع بالنجاح فقابله شيخ ائتلافنا السابق بالفتاوى واتفق الجميع على متابعة دراما رمضان السورية، لمَ لا؟ فموسم الحج إلى بيت الطاعة ابتدأ قبل أشهر ونيف وشوارع دمشق تزهو بأعلام نصبت على سواري الجماجم، ثلاث دول عظمى وأضعافها كبرى وأضعاف أضعافها ذوو القربى لم يأبهوا لقربان حريتنا لكنهم توزعوا غنائم أشلاء أطفالنا على وليمة الموت المعلن لكرامة الإنسانية حين تغرز كراسي اللقاءات أرجلها في عيون الأجنة المتبقية كي لا ترى حقيقة الفاجعة.
التعليقات (2)