ثورة الوطن الواحد

ثورة الوطن الواحد
يخطئ من يظن أن معركتنا في سورية هي صراع طائفي أو حرب أهلية؛ لأن ثورتنا – في بداياتها – كانت ثورة وطنية بامتياز, وقد رفعت شعارات شاملة جامعة لكل السوريين, إلاَّ أن بطش النظام واستخدامه المفرط للقوة والعنف من أجل إخمادها, أدى إلى خروج فئات اجتماعية معينة من دائرتها, وعدم التحاق بعض الطوائف بصفوفها؛ وإحجام المثقفين والنخب الاجتماعية والسياسية عن المشاركة بفعالياتها.. كذلك لعبت العسكرة دوراً سلبياً, جعلها في نظر بعضهم حرباً للأكثرية ضد الأقليات!

كان النظام أول من استخدم الطائفية سلاحاً في حربه ضد شعبه, دافعاً بطائفته العلوية للقيام بدور المنفذ لمحرقته الكبرى بحق السوريين. ومع ذلك فإن معركتنا كانت ولا زالت ضد الاحتلال الأسدي والشبيحة والمليشيات الطائفية التي تسانده؛ وهي ليست معركة موجهة ضد العلويين أو الشيعة أو المسيحيين أو الأقليات الأخرى, حتى ولو كانت تقف ضمنياً مع النظام الخائن.. معركتنا ليست ضد بشار الأسد لأنه علوي أو بعثي أو علماني, بل لأنه مستبد وقاتل ومجرم.. ليست ضد حزب الله لأنه شيعي أو لبناني, بل لأنه يقاتل بكل وقاحة وشراسة إلى جانب الديكتاتور ويساعده على قتلنا وتدمير بلدنا.. ليست ضد إيران الشيعية أو الفارسية, بل ضد السلطة – الدينية, السياسية, العسكرية – الحاكمة فيها, والتي وقفت مع طاغية الشام ومدته بالمال والرجال والسلاح.. ليست ضد روسيا الأرثوذكسية أو القومية, بل ضد سياسة بوتين الفاشية الأنانية الضيقة التي لا يهمها سوى مصالحها الاقتصادية والجيواستراتيجية, ولا ترى بالعين المجردة ما يفعله حليفها الأحمق من جرائم قتل وتنكيل وتخريب في بلد أقدم اللغات والحضارات!

رفع الثوار السلاح من أجل الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وبيوتهم وقراهم ومدنهم, وليس حباً بالحرب والقتال؛ وقد استغل الأسد هذا الأمر واتخذه ذريعة لقمع الثورة واستخدام مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة المدمرة والذخائر الفتاكة القاتلة.. في غضون ذلك استفاد كثيراً من أسلمتها؛ لكن هذا لا يعني أنها ثورة للإسلاميين المعتدلين أو للسلفيين المتشددين أو للمسلمين السنة فحسب, بل هي ثورة لكل السوريين؛ وليست حكراً على أحد, ولا ملكاً لطرف بعينه.. إنها ثورة شعبية قامت ضد الظلم والقهر والقمع, ومن أجل الحرية والكرامة والعزة, وليس نصرة لدين أو طائفة أو قومية...

لقد ظهرت أمراض كثيرة في جسد الثورة خلال أعوامها الماضية, وهي بحاجة إلى علاج قبل أن تتفاقم وتحل بهذا الجسد الكارثة.. هناك أطراف كثيرة استغلت الثورة لصالحها, وحاولت احتكارها لخدمة أهداف لم تقم أساساً من أجلها؛ بحيث جرتها إلى جهتها, وجعلتها ثورتها وحدها فقط, مستخدمة نفس سياسة النظام: «إن لم تكن معي فأنت ضدي!».

استغلت بعض الجهات الدينية والقومية والطائفية والمناطقية والمافيوية الثورة, أو انشغال الثوار في حمى القتال الضاري ضد عصابة الأسد وميليشياته؛ لتؤسس دول وجبهات وكيانات عسكرية مسلحة, تعمل جاهدة للسيطرة على مساحات أكبر كي تديرها باستقلالية تامة, وتفرض عليها قوانينها الخاصة دون الرجوع إلى أحد من سكانها المحليين!

هناك من سعى لسرقة الثورة من أصحابها الحقيقيين؛ فارضاً أجندة مموليه الخارجيين ومسخراً إياها لخدمتهم, لأن ثورتنا فقيرة يتيمة وعدد مموليها قد تضاءل كثيراً في الآونة الأخيرة, بل قل انعدم نهائياً.. كذلك هناك من استخدم الثورة ومازال يستخدمها لأغراض شخصية بحتة دون أن يقدم شيئاً؛ وهناك من يبحث عن إيجاد موطئ قدم له فيها يبيع ويشتري ويسمسر ويستثمر دون حسيب أو رقيب؛ وهناك من يعيد إنتاج النظام الأسدي مقدما نفسه بديلاً عنه مع اختلاف بسيط بالأشكال والمصطلحات والخطابات؛ وهناك أيضاً من يستخدمها لصالح حزب أو جماعة أو تنظيم, متناسياً أن سورية هي تمثيل مصغر لوطن عربي كبير, أو لعالم إسلامي أكبر, يجمع كل التناقضات والإشكالات؛ وهي متعددة الأديان والطوائف والقوميات؛ وأننا كرهنا حتى الوجع عبادة الفرد الواحد, والحزب الواحد, والشعار الواحد, واللون طالواحد.

ثورتنا هي ملك لجميع السوريين, وهي إنجاز تاريخي شارك فيه جميع أبناء الوطن الواحد؛ ويجب أن يكون له نتائج تنعكس إيجابياتها على الجميع, وليس على طرف دون آخر.. لقد نسوا هؤلاء جميعاً أن الشعب السوري الذي ثار ضد طغيان الأسد وظلمه, سيثور أيضاً ضد أي طاغية وظالم ومستبد جديد سيأتي بعده. ونسوا أيضاً أن الثورة قد وحدت الناس فيما يتعلق بإسقاط النظام القائم وتغييره تغييراً جذرياً؛ إذ لم يعد يهمهم من يقاتل قوات الأسد, إن كان هذا الجيش الحر أو جبهة النصرة أو الألوية والكتائب الأخرى.. المهم هو إسقاط حكم آل الأسد بأسرع ما يمكن, لأنه قد تعب.. تعب كثيراً!

من المفروض أن تختفي جميع الخلافات الأيديولوجية والعقائدية والجهوية أثناء الثورة, حتى يتحقق الهدف العام الذي قامت من أجله, وضحى الناس بأغلى ما يملكون في سبيله؛ ومن ثم يبدأ النقاش والحوار والتنافس السلمي على شكل الحكم وطبيعة الدولة المستقبلية التي يجب إقامتها. وهذا ما يحدث عادة في أغلب الثورات والانتفاضات العالمية؛ إلاَّ أن الثورة السورية أصبحت استثناءً, فالخلافات دبت بين أقطابها وجهاتها المقاتلة للأسد منذ أن تسلحت الثورة؛ فأصبح لدينا معارضات داخلية وخارجية, مسلحة وسلمية, دينية وعلمانية, صوفية وسلفية, منظمة وفوضوية... إضافة إلى عدم وجود وحدة وانسجام وتوافق ضمن كل معارضة من هذه المعارضات؛ فعندنا الآن عشرات التجمعات والمجالس والتكتلات المدنية, ومئات التشكيلات العسكرية, وعدد كبير من الأحزاب والتنظيمات السياسية؛ ولكل منها رؤيتها وبرامجها وبنيتها وهيكلها وكوادرها ومموليها ومحاكمها ووسائل إعلامهاط6.

من المفروض أن نبتعد عن الأجندة الجهوية والمناطقية والطائفية والمذهبية والقومية والعرقية والدينية؛ وننبذ الخلافات والنزاعات والصراعات, ونخفف من الاحتقانات والحساسيات, ونضع الأمور الشخصية والذاتية والمزاجية جانباً؛ فنحن جميعاً أخوة بام2لتاريخ والجغرافية والمعاناة والمأساة؛ ولا نريد أن نكسب ثورة ونخسر وطن؛ أو نخسر الثورة والوطن معاً!!

لا يمكن لأية جهة سورية مهما بلغت من قوة وسلطان ونفوذ ومال أن تسقط الأسد المدعوم من قبل قوى داخلية وإقليمية ودولية لا يستهان بها؛ ولا يمكن لأحد بمفرده أن يجد حلاً لأنه لم يعد أصلاً بأيدي السوريين منذ زمن بعيد, بل أصبح بأيدي اللاعبين الخارجيين الصغار والكبار. لذلك يتطلب النصر تضافر جميع الجهود وحشد كل الإمكانات والقدرات السورية وعدم تحييد أحد أو إبعاده مهما كان دوره وشأنه صغيراً؛ فحلم الدولة المدنية الحضارية الجامعة لكل أبناء الوطن الواحد ماثل في قلوبنا حتى النهاية, نحن الذين رفعنا يوماً الشعار التالي: «صنعنا ثورة أدهشت العالم.. أسقطنا نظاماً أخزى العالم.. سنصنع دولة تبهر العالم» - (لافتة رفعها المتظاهرون في قرية دابق بريف حلب يوم الجمعة 24 آب 2012).

التعليقات (1)

    May 29th 1945

    ·منذ 9 سنوات 11 شهر
    في 29 أيار 1945 قام الجيش الفرنسي بدك أحياء الميدان والشاغور و منطقة القلعة بدمشق من جبل قاسيون ويقول فخري البارودي في مذكراته أن المسيحيين في حي القصاع و باب توما فتحوا بيوتهم لإيواء ومعالجة الجرحى ومن بين الأطباء الذين ساهموا في معالجة الجرحى الدكتور حنين سياج رحمه الله وطالب المرحوم فخري البارودي منحه وسام الإستحقاق للدكتور سياج و مشاقة و لمجموعة من أطباء ورجالات مسيحية دمشفية لكن خفِيَ على مسيحيي هذه الأيام أن *** الصبغة الدينية جاء بها النظام من كثرة ما أفعل الموت - وللموت طقوسه الدينية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات