الأخضر صاحب اليد الخضراء على كل المنحرفين طائفيا في هذه المنطقة بداية من حلوله اللبنانية وانتهاء بلا حلوله السورية، فهو أنجز مهمته بنجاح مبهر وسيسجل له ذلك بتاريخه الاستثنائي بلا شك.
لنعترف بالبداية أن الرجل هو جزء من النظام الرسمي العربي المترهل، والذي قامت الثورات لمحوه من ذاكرة الأجيال القادمة، فالابراهيمي نموذج حي عن تلك التركيبة العجيبة التي رافقت المشهد السياسي في المنطقة وهو ابن شرعي لها، وإن غياب أي ديكتاتور هو إضعاف لهذه الشخصيات التي شوهت معالم الانسان العربي وطبيعته وساهمت في تكريس منطق حاجته الدائمة لملهم يعطيه الحلول الجاهزة، ولنعترف أيضاً أن مفهوم الثورة قد اتخذ قرارا دوليا وعربيا واضحا ولا مجال لتحريفه بالقضاء عليه في هذه المنظومة، لا ثورات بعد الثورة السورية ولأجل ذلك يجب تحويل ما يجري بسوريا من توصيف ثورة إلى توصيف أزمة أو صراع داخلي على مغانم حكم وعصبية طائفية لا أكثر ولا أقل، هذا هو الدور الذي قامت لأجله مهمة الأخضر بكواليس جامعته العربية، أدار الوقت جيداً ولعب على الألفاظ بمنتهى الدبلوماسية وافتتح لنفسه مشروع مؤتمر جنيف الأول ثم الثاني أوقع فيه المعارضة السورية السياسية التي أثبتت عدم نضجها بالفخ وفاوضت الأسد ونظامه واستمعت لكلمات وليد المعلم وبقي الأسد بقصره يستعمل كل أدوات القتل والدمار وبقي ممثلو المعارضة كالطفل الذي يقف على باب حفلة عل أحدهم يرمي له حبة سكاكر يحلي فمه بها ثم يذهب ليلعب بعيدا بشرط أن لا يصدر ضوضاء.
تقدم المشروع الفارسي على إيقاع الوقت الذي أداره مبعوث العرب والأمم، وعجز هو ومن كلفه بفك حصار مدينة واحدة، بل اكتفى بالكواليس على إدارة تفاوض مناطقي لمبادلات أسرى وبضع سلل غذاء كانت وصمة عار على هذه المهمة الدولية، توافق المجتمع الدولي والعربي على خروج أصحاب الأرض من مناطق عدة وآخرها حمص ولم يتوافقوا على تثبيتهم بحقهم آمنين في بيوتهم أو بتأمين قليل من الزاد لهم، كانت ردود فعل الابراهيمي على كل ما اقترف بحق السوريين من جرائم وتهجير وتجويع تعبر عما يضمره من عداء مستحكم للحرية ولثورتنا، أصر الرجل على عدم إحراج النظام وأصر على سحب أطراف أطفالنا من بين الركام للمساومة بها في أروقة جنيف وفي اجتماعاته بالغرف المغلقة، للأسف لم يحالفه الحظ بنيل دعاء أم ثكلى له بأنه أوصل قطرة ماء لفيها المتشقق وجعاً، وحده ائتلاف معارضتنا من سيدعو له بطول العمر وحسن الختام لما قدمه له من وقت يستظل فيه بدفء اللقاءات التلفزيونية وركوب الطائرات وحسن الخدمة الفندقية، أما الأسد ونظامه فهو بلا شك ممتن له ولمن أوكل له مهمته لهذا النجاح الباهر في تحطيم صورة ثورتنا، أما إيران فأظنها ستستقبله قريباً كمحاضر استراتيجي في مؤسساتها الدينية وكضيف شرف في احتفالاتها الرسمية واستعراضاتها المختلفة.
الأخضر الابراهيمي قاد مهمة من أصعب المهمات بالتاريخ على الإطلاق، فهو أمام ثورة من أعظم الثورات وأنبلها وبالمقابل أمام نظام من أعتى الأنظمة قمعا وتوحشا على مدى التاريخ البشري وأول نظام يشن حربا ضروسا على شعبه، بين هذين النقيضين وجدت مهمة الرجل فقرر سلفاً حشو أذنيه بالطين كي لا تصلها صرخات الأطفال وهدير الطائرات، كان الدم غزيرا لتعبئة قلمه الذي خط فيه وثائق اعتماده ونتائج مهمته، لم يرتجف قلبه لسيلان الدم من قلمه بل تابع نشاطه متكلا على رغبة جامحة من جامعة العرب بترجيح كفة البراميل على أعناق السوريين، وتهليل الغرب الديموقراطي لدثر حضارة تجذرت لآلاف السنين، واصل الليل بالنهار ليغير زاوية الكاميرة في تصوير المشهد فانتهت مهمته بأن في سوريا إرهابيين يمتلكون أسلحة فتاكة وفكرا متعصباً، يقارعون نظاما وطنيا يحرص على توزيع الابتسامات والغمزات للغرب والشرق معاً ومستعداً لتلقي ضربات السوريين الكفرة ليحمي العالم من شرهم، هذا النجاح الذي وصل إليه الابراهيمي من وجهة نظر من وكلوه هو معجزة حقيقية في عالم السياسة.
لم يكن في حسبان الرجل أية مساع توصل لحلول وتحقن الدم، ولم يكن أبدا من بنود برنامجه الحفاظ على الكيان السوري، فمن كان من المعارضة معنياً بكرامة السوريين وحريصاً على تثبيت حق دمائهم في صفحات التاريخ كان عليه وبعد استقالة كوفي أنان أن يدرك أن لا حلول في جعبة الإبراهيمي وكان عليه الاستدلال على ذلك منذ أول جملة قالها واستعمل فيها كلمة أزمة، لن تصفح عنه صفحات التاريخ السورية ولن تسامحه دموع الأمهات مهما ابتدع من حجج، فهو قبل هذه المهمة بكل قواه العقلية وقبل على نفسه أن يكون ليس شاهد زور على منظومة سياسية عربية ودولية وحسب بل شريكاً في تمديد السيرومات على جسد هذا النظام لإطالة عمره وعلى إدخال كل متطرفي العالم إلى بلادنا من حالش إلى داعش وأشباههم ليساعدوه على إدارة الوقت اللازم لذبح هذه الثورة، قد يتفرغ الرجل كالعظماء لكتابة مذكراته لكن يجب ألا يتفاجأ إن رمى السوريون كتبه وملفاته في مقابر جماعية، فلطالما قابل لحمهم المحروق وأعضاءهم المدفونة بالجرافات بنظرة المومياء التي يتقنها بلا روح.
وعليه لابد من إعادة تقييم أدائنا السياسي والثوري للقضاء ليس على نظام الأسد وحسب بل على ما دسه هذا النظام العالمي عبر مبعوثه في أضلاع وجسد هذه الثورة اليتيمة.
التعليقات (5)