بين سوريا تنتحب وسوريا تنتخب.. فنانو المال والكذب!

بين سوريا تنتحب وسوريا تنتخب.. فنانو المال والكذب!
لا يخطئ الجمهور عندما يثق بفنانيه فهو من أحبهم ورفع من شأنهم إلى تلك المكانة والشهرة التي وصلوا إليها، ولكن لماذا في سوريا اختلف القياس وظهر أبطال الشاشات بهذا الشكل الذي لا تحكمه أية معايير أو قيم؟ يطل على السوريين اليوم بعضهم ليسوقوا لانتخابات رئاسية تماما كما كانوا يسوقون مسلسلاتهم ومسرحياتهم متكئين على كاريزما مخادعة بنوها عبر سنوات ضائعة من عمر الوطن، مُنع فيها الموهوبون والمبدعون من الوصول إلى تلك المنافذ الإعلامية أو الثقافية حيث كان هؤلاء الذين صنّفوا زوراً فنانين أشبه بمافيا أمنية مغلقة متناسخة وتتوزع المغانم في بيئة مريضة أنتجها البعث وهذا النظام الفاسد خلال نصف قرن من الزمن، ابتدأت خلالها المسارح ودور السينما تضمحل شيئا فشيئا مع اضمحلال دور الكتاب والصحف اليومية والمجلات المتخصصة لصالح منشورات أمنية حزبية تحت اسم جرائد، تشبه تماما ما كان يسمى المسرح القومي الذي اغتال عمداً كل نشاط طبيعي ممكن أن يتطور وتتطور معه المواهب وتنمو في وطن حقيقي، لاشك أن نجومية هؤلاء تشبه نجومية الدكتاتوريات العربية من حيث الإعداد والتسويق الإعلامي لكن كل في مكانه>

فكما صنع الديكتاتور هالة من الوهم حوله صنع هؤلاء لأنفسهم هالة ساعد على بنائها ذلك المال القادم من الخليج العربي وهو بملايين الدولارات، نهشوا بعضهم كثيراً لأجل الاستحواذ على ذلك الدعم المفتوح من محطات شهيرة ومن بعض رجال المال الباحثين عن الأنس والتسلية عبر رميهم لبضعة نقود سال عليها لعاب هذا الحشد من الفنانين وباعوا عزة نفسهم في كواليس مغلقة، كما باعوا أنفسهم الآن للقتلة بدون أي شعور بالذنب أو الخجل، سالت دماء شعبهم على مذبح الحرية واستمروا هم في يد النخاس يرتادون أماكن تصويرهم ويقهقهون ويديرون النكات خلف الكواليس وكأن شيئاً لم يحدث. لقد سوّقوا عبر ثلاثة أعوام للعالم ولبعض الجمهور الذي يشبههم أن سوريا بخير والحقيقة هم كانوا يسوقون لدافع المال أن بضعة حارات وأماكن مازالت لم تدمر ويمكن استغلالها لآخر لحظة كمواقع للتصوير وبذلك يضمنون قبض حصصهم من وراء هذا الابتذال لآخر قطرة دم سورية، هو سوق وتسويق بكل مفاهيم التجارة لا مفاهيم الإبداع وهو تراكم نقود وغنائم قبل ضياع الفرصة بسقوط هذا النظام الذي أنشأهم في حضنه كطحالب لزجة.

هنا الأسماء ليست مهمة فالسوريون قد حصوهم ويعرفونهم جيداً من ممثلين إلى مخرجين وكتاب وغيرهم، بل يحصي السوريين على أصابع أيديهم تلك القائمة المحدودة والنظيفة التي انحازت لناسها وشعبها ووطنها وهذا أسهل لقلّته، ليصبح السواد الأعظم منهم في عداد النخاسة الآدمية، هذا ليس مبالغا به وليس تجنٍ على هذه الفئة من السوريين، فكل من خالطهم عن قرب في تلك الأعوام التي رافقت صعود نجوميتهم قبل الثورة يعرف جيداً أنهم لن ينحازوا لأي فضيلة أو قيمة انسانية، بل كان من الأصح أن لا يحسب لهم حساب ولا تعطى لهم أهمية، لكن طالما أنهم احتلوا شاشات النظام وأخذوا هذا الدور الهزيل لابد من وضع النقاط على الحروف، فهؤلاء المندرجين تحت اسم فنانين سوريين هم ومنذ نشأتهم وصعودهم ينحازون للمال وأفرع الأمن وموظفي القصر الجمهوري مهما تدنت مناصبهم بل ويتفاخرون بتلك العلاقات، وهم أيضاً ينحازون لذلك الهاتف المرتقب القادم من سوق الفن في الخليج العربي عبر مدراء الانتاج الذين تمرسوا اللصوصية حتى على وجبات الغداء أو الفطور وبذات الوقت كانوا مسؤولين عن انتاج فكر وفن لهذا الوطن بمواطنيه>

لا يتفاجأ من يعرف هذا الخليط العجائبي ويعرف كيف في سنوات بسيطة لمعت نجومية عدد من الممثلين والمخرجين الذين لايملكون المعرفة حتى بأدنى الأدوات المهنية وساعدهم على ذلك إما عنصر الوراثة كما هياكل النظام أو علاقات أمنية، فالكثير منهم لا يقرؤون النص إلا في مواقع التصوير ليستغلوا الوقت في التنقل من مسلسل لآخر ومن منتج لمنتج خلال دورة رمضان المزدحمة قبل ضياع فرصتها لعام قادم، لتصبح المفارقة أنهم وخلال لقاءاتهم التلفزيونية يكذبون بأنهم قد حضّروا لهذا المسلسل أو ذاك كثيرا، بل بعضهم جاء لبعض المسلسلات بآخر لحظة نتيجة الفراغ ثم يكذب على الناس بأن ذاك المشروع كان مشروعه الذي أخذ هاجسه وأنه قرأ الكثير من المراجع إن كان دوره تاريخياً، فكيف لهذه العقلية المخادعة أن لا تحتل الشاشة الرسمية وغيرها اليوم لتعلن أن سوريا تنتخب.

نعم سوريا تنتخب، لكن هل يدرك هؤلاء أن سوريا انتخبت فعلا عند أول رصاصة أطلقت على صدر سوري و مع أول هتاف لأجل الحرية؟ بالتأكيد لا، فلو كان ذلك لأدركوا أن سوريا الآن تنتحب على أبنائها ومدنها وتراثها، تنتحب على نفسها كيف حوت بين جنباتها كل هذه القوائم من القتلة، وتنتحب على عقود صمتت خلالها عن كل من استسهل المتاجرة بأحلامها إن كان فنانا أم قاذف غاز قاتل وبراميل. أما الحرية التي انتخبها السوريون فهي قادمة لتعيد لحياتنا البهجة بالتأكيد فهذه الأرض التي تنطق آثارها بإبداع إنسانها هاهي الآن تعيد تشكيل أدواتها من خلال جيل شاب أذهل العالم بما أنتجه حتى على كاميرة الهاتف المحمول جيل يطلق حملته ليقول لأولئك وغيرهم إن سوريا تنتحب وصوتكم يجب أن يخفت بشيء من الأدب فالشهداء يعبرون، هو جيل سوري استطاع توثيق كل قطرة دم روت بذور ثقافة أصيلة ستنبت حدائق الأمل طال الزمن أم قصر.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات