إسرائيل والنظام والرهان الخاسر

إسرائيل والنظام والرهان الخاسر
ربما الأذى الذي تعرضت له القضية الفلسطينية من الأنظمة التي حملت راية التحرير وما رافقها من عناوين يفوق كثيراً الأذى الذي لحق بها من الصهيونية نفسها، وبالنسبة لنا في سوريا عشنا أحداثاً متتابعة منذ عقود كانت كل نتائجها تقول إن هنالك مهمة تاريخية لهذا النظام في المنطقة، وهي حرف النضال التحرري عن مضمونه الحقيقي وجره إلى الهاوية فالقضية الفلسطينية كانت ميزان الصفقات الأهم بيده وبيعت في سراديب مظلمة كما تجارة الممنوعات، واستبدل الكفاح بالشعارات وتم ذبح الفلسطينين بالشتات ومن بقي حيا منهم تم التضييق عليه وعلى لقمة عيشه ووضع تحت المجهر الأمني.

لكن إسرائيل التي وجدت هذه الأرضية المساومة في كل شيء لن تكتفي بهذا، فلبنان الذي من المفترض أنه جنة الشرق الباسمة وملتقى الثقافة والإبداع والسياحة وملجأ المنفيين عن أوطانهم قسرا يجب أن يوضع هو الآخر في ميزان الصفقات، دخل الأسد بجيشه وأمنه إلى لبنان ودمره من شماله إلى جنوبه واغتال رموزه الوطنيين، ونجحت الصفقة بتحويله إلى إمارات غير معلنة ومحاصصة تمنع قيام دولة، ودفع الفلسطينيون هناك ثمنا ليس بقليل وادّعي أن وجودهم خطر على لبنان وتم تسويق تلك الفكرة بخبث إلى عامة الناس ما ساعد في تشكيل ميليشيات ساعدت بدورها النظام السوري على تفتيت لبنان، لا شك في أن أكثر قضايا العرب حساسية وتعقيدا هي القضية الفلسطينية، ولاشك بأن قضية فلسطين استهلكت من اللغة العربية أطنانا من الشعارات والبيانات والمواقف والعنتريات وكل ذلك لم يأت بحق الحبر المستهلك فكيف بالورق. ولكن ما لم يكن باديا للعيان وملموسا لدى الكثيرين خارج الجغرافيا السورية هو مابين سطور تلك الشعارات في الداخل السوري وما هو حجم الأثر المتراكم من استغلالها في مقلب آخر غير فلسطين.

يعرف جيدا المواطن السوري أنه إن أساء الولاء لنظامه فتهمته هي الخيانة والعمالة لأميركا وإسرائيل حتى وإن احتج على حفرة صغيرة بالقرب من باب منزله، ويدرك السوريون أن اتهام محاسب صغير في بلدية نائية قد تجر عليهم ويلات تحملهم ذنوب سقوط فلسطين لولد الولد، فإحباط الشعور القومي ورعاية الفتنة والعمل على بث الإشاعة للنيل من عزيمة الصمود وبث الوهن في النفوس وما إلى ذلك هي بالنتيجة ألفاظ تخفي خلفها بالنسبة لنا كلمة فلسطين وهذا بحد ذاته مأساة لفلسطين فوق مأساتها وما حملته من أثقال لا ناقة لها فيها ولا جمل.

تشير التطورات الجارية في الساحة الآن إلى أن تقاطع المصالح الإسرائيلية الإيرانية برعاية أمريكية روسية في دعم الأسد هو الجثة التي سيتم حرقها ورميها في مزبلة التاريخ إلى غير رجعة بسبب الصمود الأسطوري للسوريين، ولا شك أن الرابح الأكبر ليس الشعب السوري وحسب بل قضية فلسطين التي ستعود لوهجها رغم الموقف المتردي لفصائلها من الثورة السورية، مع العلم أن أغلبية الشعب الفلسطيني متعاطف معنا في مأساتنا ومنهم من دفع دمه على قربان الحرية جنبا إلى جنب مع السوريين.

ليس من باب التخمين أو الأمنيات القول إن مواطني هذه الأرض قد استطاعوا تحجيم كل الإمبراطوريات التي جربت حظها في التطاول عليها، وإن الثورة السورية الآن تقدم عدة حقائق لا يمكن تغافلها في صياغة التاريخ، وحيث أن جيوشاً عظيمة جرارة عبر الزمن الغابر قد أعلنت استسلامها وهزيمتها أمام قوى أخرى غاشمة، نجد الثوار السوريين مازالوا ثابتين ويمسكون مفاتيح النصر، أما إسرائيل فرهانها على هذا النظام سيكون وبالاً لن تنساه وهي ربما أغبى من أن تعي ذلك، بل لأنها سرطان دموي اعتقدت أن حالة النزف السورية هي مفتاح تضخمها كما اعتقدت ايران، ولكن اسرائيل بالأساس استندت على قادة في المنطقة تماهوا بالعمالة وهذا لن يدوم للأبد، والحقيقة أنها لو أعارت النظام السوري مفاعل ديمونة نفسه ليقصف الشعب به بعد الكيمياوي فإنها فقط ستكون كما ذلك الذي يعلق سيروما على جسد شبه ميت ليؤجل إعلان الوفاة للحظات.

وهنا بيت القصيد، فإسرائيل التي عبر شبكتها الدولية غطت كل هذا القتل بسوريا يجب أن تدرك أنه لن يكون بسوريا ميليشيا إرهابية كحزب الله اللبناني يبيع أمته بهذا الرخص لها وللفرس، بل سيكون إعادة تكوين هيبة الأمة التي كانت عقب الاستقلال، ومن هنا فإن تحليل السيد كمال اللبواني بأن إسرائيل هي لاعب أساسي بمأساة السوريين كلام سليم لكن الذي غاب عن مخيلة اللبواني أن قضية الحرية لا تتجزأ، وما أوصل الفقر والظلم والقتل إلى بيوتنا هي أنظمة تحالفت استرتيجياً مع إسرائيل ومعظم الشعب السوري لم يكن ينتظر ما أعلنه رامي مخلوف عن ذلك التحالف علنا في بداية الثورة ليعرف الحقيقة، وها نحن ندفع ثمن تلك الفاتورة الآن في اغتيال ممنهج للحضارة السورية الممتدة ألاف السنين بإنسانها المبدع.

إن تخاذل النظام العربي الرسمي عن دعمنا ليس مبرراً لنا لنبيع تحالفاً مجانياً مع قاتل فلو كان ذلك لعاد السوريون عن ثورتهم وأعلنوا الاستسلام لنظامهم بعد أن فقدوا زينة شبابهم، قد يبدو هذا الكلام للبعض أشبه بالشعارات التي أكل الدهر عليها وشرب ولكن الدهر ذاته هو من ينبئنا بتلك الحقائق، استطاع هذا الكيان الهزيل لوي ذراع الأمة ببث دعاية الضعف في نفوس أبنائها وليس بقوته، قد يكون منطلق الدكتور كمال اللبواني من حسن نية لتخفيف معاناة السوريين وتقصيرها لكن الباب الذي طرقه يشبه تماما باب الفرس الذي طرقه البعض مستنجدين بهم لتغيير سياستهم، فأثبتت الأيام أنهم قد أوغلوا أكثر وأكثر بدماء السوريين وكذلك ستفعل شريكتهم إسرائيل، لم يخطئ اللبواني بما قاله عن الائتلاف وما يتفرع عنه ممن احتل واجهة المشهد حيث أنها لم تفهم حقيقة أي شعب هذا الذي ثار وأية حرية ينشدها، ولذلك مازالت تدور في دائرة مفرغة بل وتساعد النظام في دعايته لتفريغ الثورة من مضمونها الحقيقي لتتحول إلى حالة استجداء، ولكن أليس من الأصح القول إن الحرية لا تتجزأ.

التعليقات (2)

    ابو حسام حمو

    ·منذ 10 سنوات أسبوع
    والله ياأخ حافظ جزاك الله خيرآ يبدو انك حافظ التاريخ جيدآ وانا لدي مقولة للمتشدقين بالنظام الفارسي فرع سوريا ... من اراد منكم ان يعرف الحقيقة ... فليقرأ التاريخ الصحيح بدقة ليعرف الى صف من يقف

    كرد راست

    ·منذ 10 سنوات أسبوع
    المقال تعبير متأخر عن حقائق مرة سكت عنها الأحرار طويلا ، وقادم الأيام كفيل بكشف زيف الأفاكين صناعة إسرائيل كالأنظمة المتحكمة المسماة زوراً بالعربية ومن يدافع عن سيده في تل أبيب تحت شعار المقاومة .
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات