في الحقيقة كان هنالك سؤال يعرفه السوريون طويلاً يقول: من هو البديل للأسد؟. هذا السؤال المر كان يريد سائله جواباً واحداً لا غير، الأسد. وهكذا عاش السوريون في بلدهم كرعايا لا كلمة لهم في الشأن العام وأقفلت أمامهم كل منافذ الخلاص بحيث أن الأسد وحده من خصصه الله بالطاقات الاستثنائية من رجاحة عقل إلى قوة عزيمة إلى وطنية نادرة أمام خيانتنا جميعا وعجزنا عن فهم الوقفة الخارقة لهذا السوبرمان النادر، كما علينا الاقتناع بمحدودية تفكيرنا وإرادتنا واستيعابنا أمامه حتى أتت ثورتنا التي ربما لا تشبهها فيما عانته أو فيما ابتدعت من طرق للمواجهة والثبات أية ثورة على وجه المعمورة، ما استدعى ظهور شعار جديد لشبيحة النظام اختصر كل شيء، الأسد أو نحرق البلد.. وهكذا تم حرق البلد ليس بالنار وحدها بل بتفتيت النسيج الإجتماعي السوري إلى ما سيصعب ترميمه ربما لعقود.
والآن يتحفنا بعض المعارضين بالسؤال العبقري ما البديل لجنيف2 مع هذه المعاناة الاستثنائية؟ ولا أدري هل يحمل هذا السؤال عن جنيف2 في ثناياه شعاراً لئيماً يقصد به القول أنه سيتم تمديد المعاناة لمحو السوريين من الوجود حيث تم إحراق البلد، أو عليكم تجهيز الرايات البيض وخفض الرأس طائعين أمام تلك المبادرة الدولية السحرية التي قدمتها شخصيات استثنائية كما رئيسكم وتتمثل بالسيد لافروف المتجهم ونظيره المبتسم السيد كيري، فالنظام والميليشيات الإيرانية وزبانية المالكي من أمامكم وداعش من ورائكم وكلاهما مر وجنيف2 خلاصكم. في الواقع يحار المرء مع هذا التفكير القاصر الذي وجد فرصتة لينمو على برك الدم. أما الجواب عليه سأختصره بحقيقتين عشناهما لربما يحملان في طياتهما بدائل لجنيف2 بما أن البعض يريد بطريقة صبيانية أن يوكل نفسه قيماً على مصير السوريين وثورتهم.
نعم هنالك بعض الحقائق الواضحة وغير المكلفة عشناها، فعلى سبيل المثال عندما خرج جيش الأسد من لبنان ربما كان بمكالمة هاتفية في ساعة ما من ساعات الليل جاءت من جهة مجهولة لنا كجمهور لا نملك القدرة على الفهم ما استدعى الأسد صبيحة اليوم التالي أن يأمر بلف العربات والمدافع والدبابات بغطائها المهترئ الذي نعهده والانتقال بها إلى المكان الذي غادرته قبل ثلاثين عاماً دون أية موانع من ممانع. وعندما سلم الأسد سلاحه الكيمياوي يعرف القاصي والداني كيف اصطفت تلك السفن الحربية لتداعبها أمواج البحر المتوسط ولا ندري إن كانت تحمل عددا حربية أم مقاهي متنقلة ولكن ومهما كان الذي في جعبتها ربما رافقتها مكالمة هاتفية، أيضاً بحكم فهمنا القاصر كجمهور لا نستطيع أن نخمن من أين أتت تلك المكالمة ما استدعى تسليم تلك الترسانة السورية التي قد يكون عمر بعضها أكثر من ثلاثين عاماً ودون أية موانع من ممانع. فهل يقبل مقدمو سؤال البديل عن جنيف2 هاتين الملاحظتين ويمرروها إلى منظمي هذا المؤتمر المهزلة كي يستنتجوا أن هنالك بديلا عن كلفة مؤتمرهم وهي أيضاً سلسة بحيث تأتي مكالمة هاتفية سحرية لدرجة أن لا نخيب ظنهم بنا ونعدهم أن نبقى قاصرين عن فهم مصدرها، ومستعد أن يدفع كلفتها أي مواطن سوري بل أؤكد أن أي طفل سوري في مخيمات النزوح سيسرّه التنازل عن حقه الأممي من كرم الدول المانحة لدفع الفاتورة. قد يرى أولئك السادة أن هذا الاقتراح ليس سوى مداعبة لهم ولذا لن يقبلوا به فالسوريون ليسوا في بوابة الجحيم بل بالجحيم عينه، وبما أن عرّابي هذا المؤتمر مقتنعون بحنكتهم السياسية ورؤيتهم النادرة لطريقة الحل لابد لنا من القول إن للجحيم شروطه أيضاً وعلى الجميع أن يتعاطى معه كجحيم بما فيهم المتجهم لافروف والمبتسم كيري وكل من سأل عن بدائل جنيف2.
فالسوريون هم ذاتهم الجحيم القادم على هذه المنطقة المهترئة أصلاً والتي حاولت حصار ثورتنا فحوصرت هي بعزيمة السوريين. وسيثبت القادم من الأيام أن كل الحسابات التي استند عليها من رعى هذا النظام كانت خاطئة والإنفجار القادم للكارثة سيختلف كليا عن الذي نشاهده الآن وهو أن جحيم السوريين لن يقبل إلا أن يكون محرقة لكل من كشر عن أنيابه السامة واعتقد أن دماء السوريين كأس خمر تشبع نهمه المنحرف أخلاقياً وإنسانياً بدءاً من كسرى هذا العصر ودولته الفارسية المارقة ومرتزقتها في المنطقة مروراً بكل تلك الدول التي تراخت مع الملف السوري واعتبرته ملف إغائة ومخيمات لاجئين فقط عدا عن تسهيل بعضها لمرور المليشيات الشيعية الإرهابية، وليس انتهاءً بصبي الكرملن.
ولهذا نجد دعاة جنيف2 يهوّلون على الشعب السوري بكلمة لا يوجد بديل والحقيقة أن البديل أصبح في متناول يد الشعب السوري وما هي إلا مسألة وقت حتى نستيقظ ونجد كل هذه القوى التي غزتنا أو ساعدت على غزونا تعلن هزيمتها حاملة معها الأسد وخيباتها وهذا هو البديل الفعلي والعملي لجنيف2 وللأسد..
التعليقات (1)