حائرون كلنا في من نناشد من الأمم والشعوب والمنظمات والهيئات التي يمكن أن تحمي هذا التراث الإنساني من آلة الحرب التي يشنها النظام على مدى أكثر من سنتين ونصف مستعملا كل أدوات الانتقام والفتك. ولكن ولمجرد تساؤلنا مع أنفسنا عن ذلك سرعان ما تحتل صور المجازر البشرية مخيلتنا وهذا الصمت المثير والغريب في التعاطي مع الأحياء الذين يتعرضون لإبادة ممنهجة, فما الذي علينا فعله مع التراث؟. هل نكتب بياناً أو نداء للتوقيع وندون في مقدمته إلى من يهمه الأمر؟ ومن ذا الذي سيهمه الأمر؟.
فهذه النظم كانت واضحة تماما وعارية تماما, وكذلك النظام العالمي الذي حماها وزودها بأسباب بقائها, وأظن أن إحدى أهم أسباب بقائها هي رعايتها لكل مافيات استنزاف الآثار من بلادنا بل هم رجال من صلب هذه النظم ومن صانعي القرار فيها.
فتهريب الآثار ليست تجارة قطع فنية للمتاحف وغيرها وحسب بل هي تجريد لنا كشعوب من أسباب عزتنا الإنسانية وإحدى أهم مصادر قوتنا, ولهذا وغيره قد تتغير صيغة ما يمكن أن نكتبه للإعلام عن تراثنا. فهل يصلح أن يكون النداء على سبيل المثال كالتالي:
لا تبكِ على الأطلال ياعزيزي السوري ولا تنفخ في قربة جوفاء, فعندما تباع الأوطان تصبح التفاصيل مجرد سفسطة. فأمة تبيع مبدعيها الأحياء بسوق النخاسة لا تعي بالتأكيد ماذا يعني العقد والتمثال والزخرفة والمخطوط.. ولو عدت إلى أرشيف النداءات لاحترت كيف توضّب تاريخها, ولكنك أيها السوري تستطيع أن تكتشف بالنداء أن الصوت بلا صدى فمن تنادي وبمن تستغيث!..
بالنسبة للعرب يا شقيقي السوري ستجد وزراء دفاع باعوا بالمزاد العلني جيوشاً وأشبعونا هتافاً، وبلايين الدولارات أصبحت أكواماً من الحديد الصدئ وقد طمست عقود شرائها وأسبابه إلى أن قامت ثورتك المجيدة ففضحت ليس فوهات ما بقي صالحاً من هذا السلاح وإلى صدور من توجهت. بل أيضا فضحت زيف تلك النياشين التي علقت على صدور القادة الذين أداروا هذا السلاح وتبين أنها أيضا صدئة ومزيفة ولا تصلح لتحفظها تراثاً لحقبة من التاريخ.. وستكتشف ياابن بلدي السوري أن في تراثنا القريب وزراء خارجية قد حملوا من أوطاننا أطناناً من صكوك التعهدات المشبوهة لمزاد موائد الدول الكبرى والصغرى, وكذلك وزراء مال ذهبوا بالمال وعادوا لإفقارنا بمزاد الوطنية وبالتأكيد لن يخذلك النداء عن اكتشاف وزراء زراعة عرضوا عرق ملايين الفلاحين بأكثر المزادات خِسّة وعادوا بطوابير الجرارات الخردة وباعوها بأسعار السياحة لمن بقي يعاند بالأرض, تماما كما رفاقهم وزراء الصناعة الذين ازدهرت على أيديهم صناعة التوابيت والكثير من العلكة لمزيد من الصمت. قد يكون نداؤك أيها السوري الأبي حماية للسياحة ولكنك قد تجد وزراء سياحة أدخلوا السيّاح مزاد الغاويات في سوق الملاهي الليلية لتهالك القلاع وترهلها, فالحرب الدائرة قد لا تكون ملائمة دائماً لسرقة الآثار لكن كثيراً من آثارنا نهب أيام السلم وبيع بالمزادات وناهبه معروف وموصوف بالإسم والصورة والميلاد. أما إن كانت الآهات في ندائك لأجل التراث والثقافة الإنسانية فقد تقلقك النتائج أكثر من التراث ذاته فلدينا ياأخي السوري وزراء ثقافة وإعلام هم أشبه بذلك الشخص الذي ينادي على المزاد يرافقه عدد ليس بقليل من الكتاب والشعراء والأقلام المأجورة للمساعدة في وصف القطعة المعروضة والوزارة المعروضة والإنسان المعروض والحلم والحب والنقاء وكل ما يمت لروحنا.
هكذا ياعزيزي السوري نحن فهل وصلك النداء؟.. إن كان كذلك لنتفق إذاً على مايلي:
أولاً: إن من عاث بأرضنا العربية فساداً هو أعجز من أن يؤتمن على تراث بيده فما بالك بالمطالبة به.
ثانياً: من يقتلع مساحة خضراء هي رئته ورئة أولاده وأحفاده من السهل عليه أن يقتلع من باطن الأرض ومن بين أكوام الحجارة إبداع أبويه وأجداده لأنه وببساطة عبارة عن إنسان يعتبر نفسه منعزلاً عن الماضي والمستقبل.
ثالثاً: لم يأتِ الأجنبي ويحفر بيديه ويلوث ثيابه الأنيقة بالغبار فمن حفر واستولى وهرَّب هو ابن جلدتنا وله لغتنا وربما يزاود علينا بانتمائه لهذه الأرض, وما كان ليتجرأ على فعل ذلك لو أن الرايات التي ترفف فوق ناصية القصور والوزارت والسفارات كانت تمثل دولاً لا عصابة تعمل على حراسة فمنا ليبقى مقفلا يعتقل بداخله لساننا!.
رابعاً: إن شوارع مددنا وخدماتها كانت تعرض للتعهد من قبل وزاراتنا الخدمية عبر مزاد علني ينشر بالجرائد تحت اسم مناقصة, ليتم السطو على ما تبقى من خيرات في هذه الأمة بطريقة المحاصصة, ومن حاصص الأرباح ثم احتفل بإنجازات عرجاء تحت اسم خدمات حاصص بالتوازي حتى على كل ما كان يعترض آلاته من آثار عند الحفر لتنفيذ مناقصاته.
خامساً: بقي لدينا رسالة سماوية هي الآن بين مزاد التطرف ومزاد قاذفات الحمم وبالتأكيد ساحة المزاد نحن، فأولئك الرجال الذين قد يتقن بعضهم العربية وبعضهم لا يفهمونها ومنهم الأميون ومنهم الدعاة ونراهم يلبسون قناع الإيمان ويتحفوننا بالبيانات, هؤلاء يطلقون على آثارنا اسم بدع وهم قتلة متخصصون بالأحياء فكيف بتراث الأموات فهل يثنيهم نداء طالما أنهم يتاجرون برسالتنا السماوية السمحاء؟..
وبرغم كل ذلك وبرغم الجرح العميق لا بد من الصراخ والقول.. أيها العالم المتحضر إن لم تساعدنا في الحفاظ على الأرواح فساعدنا لنحفظ ما تبقى من إرثنا الحضاري فللحضارة روح خالدة.. نعم سنبقى ننادي ونستغيث ولو من باب الأمل فالأمل نعمة.
يا سادة أنقذوا ما تبقى من حضارتنا لعل أولادنا ينفضون الغبار عنها وعنا وعنكم.
التعليقات (1)