لعل فرضية أن يكون رئيس الدولة من العسكر، هي كلمة السر للاحتفاظ بهذا الحكم حتى للأولاد، فبعد مقتل الابن الأكبر للأسد الأب قام باستدعاء "بشار" من دراسة الطب ليقحمه في الجيش برتبة نقيب، ثم زُجّ به في كم من الدورات العسكرية كممثل للقائد العام، بغية الدخول في غمار هذا المجد الذي سيصل به إلى رتبة فريق بعد وفاة الأب، ليكون هو الرئيس الملهم اعتماداً على رتبته العسكرية في السيطرة على مقاليد الحكم التي لا تستتب إلا بوجود رجل عسكري برتب وأوسمة، ونشر صوره التي تحتفي باللباس العسكري لإثبات أن القائد الأوحد للدولة المدنية هو رجل عسكري، ولا يقود المدنيين إلا العسكر، غير مبالٍ بالديموقراطية ودولة المؤسسات التي تحفظ حق رئيس الدولة بمنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولكن ضمن ضوابط يحددها البرلمان المنتخب بالديموقراطية ذاتها التي تعطيه هذا الحق!
الاعتقاد الجاثم على صدر الديكتاتور، وبشكل دائم، أنه في أية لحظة سوف يثور الشعب عليه، ويسلبه حياته ومناصبه التي لا تعد ولا تحصى. ولذلك فهو يجعل من شعبه عدواً دائماً ليسلط عليه قوى خفية تحصي عليه حركاته وسكناته، ومع أول صرخة لوقف هذا القهر يأتي دور هذه القوى الخفية والمناصب لجعل الشعب عدواً حقيقياً وعميلاً لقوى تستهدف الوطن المختصر في شخصيته المريضة.
إلا أن الثورة، وبعد أكثر من ثلاثين شهراً، بدأت تنتج هذا الفكر العقيم الذي تسلل إلينا؛ لم نستطع أن نخرج من البزة العسكرية وتقاليدها في كسر الأحلام و تحطيم كل مفاهيم المواطنة، وقد ظهر هذا جلياً في ميثاق للجبهة الإسلامية التي ضمت أكبر سبعة تشكيلات عسكرية إسلامية، والتي يتوقع البعض أن عدد مقاتليها يتعدى حدود الـ 70 ألف مقاتل. في هذا الميثاق تعرف الجبهة الإسلامية: " هي تكوين عسكري سياسي اجتماعي إسلامي شامل " أي أن هؤلاء العسكر ليس هدفهم فقط تحرير سورية من نظام الطاغية، وإنما أيضاً هم سياسيو المرحلة المقبلة، وذلك أن هدفهم هو بناء دولة إسلامية، ويكون التشريع الإسلامي هو الموجه للفرد، والدولة، والمجتمع. وأعتقد أن مثل هذه الفكرة تحاكي المادة الثامنة في دستور الأسد الأب -مع تحفظي على المقارنة التي لا تستوي هنا- و لكن من يريد أن يحمي الثورة ويحررها من أجل السوريين، عليه أن يذهب باتجاه الجميع، واعتبار أن "ما يسمى بالديموقراطية التي تعطي الحق للشعب في التشريع وانتخاب ممثليه عبر مؤسسات تمثيلية، يناقض حكم الله" وأنه "لا يصلح أمر الأمة إلا بمبدأ الشورى، الذي يعتمد على أهل العقد والحل".
غير أن هذا الميثاق يعترف بالحقوق الكردية كاملة، على ألا تؤدي الى تقسيم سورية على أساس عرقي أو قومي، والميثاق نفسه اعتبر أن القومية العربية أكذوبة ولا معنى لها!
أعتقد أن ما يرمي إليه هذا الميثاق هو تجريد السوريين العرب من عروبتهم، و تثبيت كردية الأكراد السوريين؛ علماً أن معظم الأكراد السوريين هم من المسلمين، كما هم العرب السوريون، فما الداعي لإنكار العروبة وإجازة الكردية ؟!
قد يزج بي البعض في خانة "التكفير"، وأنني ضد الدولة الإسلامية التي تعطي لكل ذي حق حقه ؟
لهؤلاء أقول: "لست ضد الدولة الإسلامية التي تبنى على أسس صحيحة، بعيدة عن سيطرة العسكر الذين يريدون فرض مشيئتهم إما بالقوة العسكرية- كما كان الحال في دولة البعث- أو عبر رجال الدين أصحاب المصالح، وتدجين الشعب للامتثال لإرادة السلطة العسكرية الدينية التي تحكم مجتمعاً مدنياً- كما دأب على ذلك السلاطين العثمانيون خلال الاحتلال العثماني الذي أدخلنا في زوبعة الجهل.
أعتقد أن بناء دولة مدنية ديموقراطية ذات مؤسسات تمثيلية تصل عبر صناديق انتخابات نزيهة، وتكون سلطاتها الثلاث منفصلة عن بعضها ولها استقلاليتها، ويكون التشريع الإسلامي هو التشريع الأساسي للدولة فيما يتعلق بالمسلمين، مع حفظ حرية ممارسة الشعائر للأديان الأخرى، وضمان تطبيق تشريعاتهم الخاصة فيما يتعلق بأمور دينهم.
من حقي أن أختار من يمثلني، وألا يغتصب أي شخص السلطة، و ليكن عمل العسكر حماية البلاد، لا حكمها!
التعليقات (2)