تشييع جثمان الهلال الشيعي

تشييع جثمان الهلال الشيعي
يشكل رضوخ إيران لمطالب القوى الغربية بالتوقف عن السعي لبناء قدرات نووية عسكرية، بداية النهاية لمشروع جيوإستراتيجي حلمت إيران بتحقيقه عشية انطلاق ما يسمى ب"الثورة الإسلامية" بقيادة النخبة الدينية لديها، أو ما أصطلح أو ما بات يعرف في الأدبيات السياسية ب" حكم الملالي".

وهكذا تقف الجمهورية الإسلامية اليوم عارية أمام واقعها المليء بالمشاكل والذي صنعته عبر سياساتها التدخلية في الجوار الإقليمي وترجمته بمحاولاتها لتصدير ثورتها، والذي لم يكن سوى محاولة لتصدير نمط نظام الحكم إلى مجتمعات الجوار الجغرافي وخاصة العربية منها، مستغلة في هذا السبيل القضية الفلسطينية وعداءها اللفظي لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

غير أن إيران طورت مشروعها في مرحلة لاحقة عبر تفعيل ديناميات تدخلها وانخراطها الكامل في سياسات تفتيتيه لدول الجوار على أساس طائفي مذهبي خالص عبر إعلانها الولاية على مكونات وطنية عربية واستعادتها لتاريخ منسي من الخلافات التاريخية. وقد ساهمت الظروف الدولية وحالة التراجع الأمريكي بتظهير هذا المشروع، حيث اعتقد صناع القرار الإيرانيين أن الفرصة مؤاتيه لهم لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحهم وخاصة بعد سيطرتهم على العراق.

غير أن حسابات الحقل لم تتناسب وحصيلة البيدر، إذ مع انطلاق الثورة السورية وما تبعه من انخراط إيراني كبير، جرى استنزاف طاقات إيران وقدراتها المالية والعسكرية، حيث دخلت طهران في سياق حرب استنزاف مع إرادة الشعب السوري بالتغيير ،وصار أن وضعت طهران كامل ثقلها في الملف السوري لما له من أهمية في المشروع الاستراتيجي الإيراني، لدرجة دفعت بالمسؤولين الإيرانيين إلى اعتبار أن الدفاع عن سورية يمثل دفاعاً عن ضواحي طهران، وان سورية هي المحافظة رقم 35 في إيران.

وضعت إيران سورية في المرتبة الأولى في استراتيجيتها الإقليمية والدولية، حيث أن السيطرة عليها تضمن لها محاصرة خصومها الخليجيين والأتراك ووضعهم بين فكي كماشة تمهيدا لعزلهم واعترافهم بالنفوذ الإيراني في الإقليم، وتقوية الموقف الإيراني دوليا باعتبارها القوى الأولى في الشرق الأوسط، من جهة أخرى فإن السيطرة على سورية تضمن تحويل فكرة مشروع الهلال الشيعي إلى حقيقة جغرافية اجتماعية راسخة ومعطى استراتيجي متماسك يمكن توظيفه في إطار العلاقات الإقليمية والدولية، وقد انتبهت إيران للبعد السوري في هذه المعادلة لذا سعت بكل قوتها العسكرية والإعلامية إلى تغيير المعادلات على الأرض عبر العديد من الوسائل من ضمنها تغيير التركيبة الديمغرافية والعبث بالخريطة الاجتماعية عبر تهجير السوريين وإحلال مواطنين شيعة من أكثر من منطقة وما استتبع ذلك من محاولات لتدمير السجلات العقارية ودوائر النفوس وكل ما يثبت الملكية ، ولم تكتفي طهران بذلك بل سعت إلى تغيير المعادلة الميدانية عبر زجها بعشرات ألاف من مقاتليها وكتائبها وإعطاءها الضوء الأخضر لأذرعها " حزب الله والكتائب العراقية" للانخراط مباشرة بالحرب على الشعب السوري، بعد أن رأت الانهيارات المتوالية لوكيلها في دمشق رغم كثافة الأسلحة التي ترسلها له ورغم زخم التمويل الذي يصله.

لقد فرضت إرادة الشعب السوري والملحمة التي يخوضها انكسار رهانات إيران وأحلامها بمشروعها الهلالي، والواضح أن إيران توصلت لقناعة مفادها استحالة الفوز في هذه الحرب، مؤشرات ذلك كانت واضحة لدرجة لم يعد بالإمكان التستر عليها، انهيار حليفها اللبناني وحالة التذمر العراقية التي تكاد تصل حدود الصراخ من المقابر التي امتلأت بجثث العائدين من الميدان السوري، حتى إيران نفسها خسرت نخبتها العسكرية في المعارك السورية، ولم تعد إجراءات حزب الله في دفن قتلاه تحت جنح الظلام كافية بالتستر على خيبته واندحاره.

ما من شك بأن الاتفاق النووي الإيراني سيلقي بظلاله على سياسات إيران تجاه الإقليم، وما من شك أن الاتفاق احتوى على بنود وتفاهمات، لن يصار إلى الإعلان عنها الأن، لكنها ستعلن عن نفسها في ميادين كثيرة، ومنها انكفاء إيران وأذرعها عن سورية، ذلك أن إيران مثّلت في هذا الاتفاق الطرف المهزوم الذي لا يمكن له إلا الخضوع لاشتراطات الأخر، ولا شك أن طيف الهزيمة لابد أن يشمل كل عناصر القوة الإيرانية، تلك بديهية سياسية لا يمكن إنكارها أو إخفاؤها.

إيران تنسحب من هلالها، قوتها العسكرية تهاوت، قوتها المعنوية انهارت هدرتها على جثث السوريين، والتقدير أن الانهيارات لن تتوقف عند هذا الحد، إذ ستكمل مسارها في الداخل الإيراني، كما أن اذرعها مهددة بالاضمحلال لن ينجو حزب الله من تبعات هذا الانهيار، ثمة قوى مدنية شيعية ستحاسبه على كل قتيل في الأرض السورية. باختصارِ، نحن نعيش في هذه اللحظات إرهاصات تفكك ما سمي بالهلال الشيعي، تمهيداً لتشييع جثمانه في أقرب فرصة مناسبة.

التعليقات (8)

    بل هي بدايه تدخل ايراني طويل

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    الكاتب القدير غازي تحليلك متفائل كثيراً!.الواقع هو أن بشار تنازل عن الكيماوي مقابل بقائه وايران تنازلت عن النووي الذي هي تعرف انها ان لم تتنازل عنه فالضربه عليها قادمه فرأت أن تتنازل عنه مقابل فائده وهي تغاضي المجتمع الدولي عن اطلاق يد الشيعه العراقيين الارهابيين وحزب الارهاب اللاتي في سوريا.وكان اطلاق يدها بسوريا قبل الاتفاق النووي كبادره حسن نيه امريكيه لايران!.بإختصار أمريكا تعتمد سياسه CONTROL THE OUTCOME وهي التحكم بمجريات الاحداث لتكون النتائج مهما اختلفت لصالحها و إسرائيل التي تتحكم بقتصاد امريكا وبالتالي تتحكم بالناخب الامريكي والبيت الابيض

    ابو القاسم الحلبي

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    مقال مميز ذو بعد استراتيجي وسوريا المحتلة سو تتحرر من المجوس وحزب الشيطان وان نصر الله لقريب فلا تستعجلون

    محب الشام

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    دعوا كل التحليلات واسمعوا لكبير محللي الامة شيخ الاسلام بن تيمية الحراني رحمه الله قال: [ وكذلك إذا صار لليهود دولة بـالعراق وغيره ، تكون الرافضة من أعظم أعوانهم ، فهم دائماً يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى ، ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم ] . ((منهاج السنة النبوية)) (3/ 378) أما ما يظهر على الاعلام من العداء بين أمريكا واليهود و ايران وأذنابها فهي ما فوق الطاولة لخداع عامة المسلمين من السذج والبسطاء أما ما تحت الطاولة فهو الايدي التي تصافحت و تشابكت في سبيل وأد الاسلام السني

    محب الشام

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    الخليفة عمر أبن الخطاب لم يفتح القدس إلا بعد ان أزال الدولة الفارسية والقائد صلاح الدين الأيوبي لم يحرر القدس الا بعد أن ازال الدولة الفاطمية الشيعيةويقول أبن تيمية ((ماقامت لليهود دوله الا وكان الرافضة من أعظم أعوانهم))ولهذا فتحرير القدس و زوال إسرائيل مرهون بزوال دولة إيران الفارسية.هل يمكن لمجاهد أن يتقدم الى عدو أمامه دون أن يحمي ويؤمن ظهره من أشد أعدائه من الفرس الصفويين . تركيا كادت أن تفتح ما تبقى من أوروبا لولا أن طعنها الصفويون من الخلف .لأن العثمانيين لم يؤمنوا ظهرهم من أشد الاعداء

    الحقيقة

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    تكونوا ثلاثة جيوش جيش بالشام وجيش باليمن وجيش في العراق وسوف تتصاعد الاحداث في اليمن والعراق عن قريب

    مرهف السني العلوي المسيحي

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    أنا قرأت لكتاب حالمين و حاقدين على سوريا لكن مثل غازي دحمان لم أر صح النوم يا حضرة الكاتب ايران بلد إسلامي حقيقي الحاكم ينتخب و يتغير و هذا تطبيق لمبدأ إسلامي و أمرهم شورى بينهم اما النظم الملكية الاسلامية فهي ضد الاسلام ،ايران تصنع أسلحة وتتحدى اما الذين اشتراك ببرميل نفط فلا هم لهم الا قصورهم ونساءهم و غلمانهم و انت غلام بشنب ،

    الحقيقة

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    ايران وتركية ليس لديهم اي مشروع كما يشاع انما هما عبارة عن مقاولون لمشاريع غربية هما افضل للغرب من اسرائيل لان اسرائيل عندما تقوم بأداء اي خدمه للغرب تقوم بطلب المليارات مقبل تللك الخدمة اما ايران وتركية تدفع من اموال شعوبهما مقابل وعود سراب من الغرب

    نبيل احمد الفاروقي

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    ماكان لطاغية على وجه الارض ان يدوم وامثال الاقوام الغابرة الماضية خير دليل على ذلك ةاحب ان انوه ان عالم السياسية برمته يؤمن بالتاريخ واحداثه سواء الماضية او الحاليي للاستفادة منه للحاضر الافضل والاكرم فغباء هؤلاء الطغاة الجدد يفرض انهزامهم بشكل او باخر ولقد قيل تتمثل عظمة الطغاة في قمة غبائهم في حياتهم ومعاملاتهم مع العالم كله والواقع يثيت ذلك .......لن تغلب الشعوب ابدا وان طال الزمن وان الشعوب هي المنتصرة وهي الابية تقدم نفسها قربانا رخيص لبنا ء مجدها وكرامتها ونحن امة امنت بكل جدارة بعز
8

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات