من أجل تقييم الصفقة النووية الأخيرة يجب فهم السياق الأوسع للعلاقات الأميركية الإيرانية في الفترة الأخيرة، فمن خلال خمسة اجتماعات سرية على الأقل عقدت بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين خلال بضعة أشهر مضت حسب وكالة أسوشيتد برس ومن خلال توقيتها وارتباطها المتزامن بتسلسل الأحداث في سوريا يظهر بوضوح أن هذه الصفقة محطة خادعة على الطريق الطويل للتراجع الأميركي من الشرق الأوسط وقلبه النازف سوريا بدفعٍ من شبح إيران النووي المفترض.
على النقيض من ذلك يرى الرئيس أوباما هذا الاتفاق أنه مرحلة واحدة من عملية على مرحلتين. تستمر الأولى لستة أشهر وأضاف أنه يعتقد أن هذه العملية ستتوج باتفاقٍ نهائيٍ مستدام. ولكن هل سيحدث هذا الاتفاق بعد أن دفع الغرب إيران كي توقف بشكل مؤقت نشاطاتها النووية، فمن أجل الوصول إلى موافقة الخامنئي على توقيف مؤقت لستة أشهر، ماذا كان السعر؟
مزق الاتفاق الأخير قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الستة التي أمرت الجمهورية الإسلامية بالتخلي عن أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة، وفرق التحالف الدولي ضد إيران، وبدأ بناء لوبي اقتصادي عالمي مكرس لتجاوز العقوبات التي تم الوصول إليها من خلال عقد من العمل المضني والسياسي.
هذا هو الثمن المعلن، ولكن هناك التزامات هادئة قدمت إلى إيران من قبل أطراف أخرى. فالإيرانيون طالبوا بالتعويض الاقتصادي بشكل علني لكل خطوة ينجزوها. ولكن التكلفة الخفية هي الحرية التي ستقدمها الولايات المتحدة الآن إلى إيران في جميع أنحاء المنطقة.
* جلسات أمريكية إيرانية سرية
كانت صفقة الأسلحة الكيميائية التي عقدها أوباما مع بشار الأسد جزء من صفقة أكبر تشمل تراجع أوباما من سوريا من خلال رغبته في توليد حسن النية الإيرانية في المفاوضات النووية وهو السبب الرئيسي وراء تراجع أوباما عن استخدام القوة العسكرية ضد سوريا التي كانت جزءاً فرعياً من عملية المفاوضات النووية إذ لم يكن التهديد موجهاً لبشار بل للنظام الإيراني. ونحن نعلم الآن بعد تسريبات عدة أن الإدارة الأمريكية قد فتحت قنوات خلفية مع طهران.
لم يأت الاتصال الهاتفي بين أوباما والرئيس الإيراني روحاني إلا بعد سلسلة من المحادثات التي مهدت له وجاء هذا الاتصال في أيلول 2013 أي بعد ضرب الأسد لشعبه بالكيماوي بأيام، وبعدها في تشرين الأول عقدت جلسة سرية من المباحثات بين مسؤولين إيرانيين ومفاوضين أمريكيين.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن صفقة الأسلحة الكيميائية جعلت الولايات المتحدة شريكاً صامتاً للأسد. حيث سحبت إدارة أوباما التهديد بالقوة من على الطاولة وهللت لحرص سورية على تدمير أسلحتها باعتباره إنجاز عظيم. بعد ذلك غض أوباما الطرف عن آلة القتل الأسدية -التي يتم تمويلها وتدريبها، وتجهيزها من قبل إيران. ونتيجة لذلك، استطاع الأسد وحلفائه الإيرانيون الاستمتاع بيدٍ أكثر حرية بكثير في الحرب على الشعب السوري, وفتحت إيران جسراً جوياً مباشراً مع النظام في دمشق تزوده من خلاله بالسلاح والمقاتلين وغيره من أنواع الدعم كما بدأت الظهور العلني للباسيج والحرس الثوري الإيراني والمرتزقة الروس وغيرهم في سوريا.
* اعتراف النظام الأسدي بإطلاق يد إيران
من جهتها نقلت وكالة الانباء العربية السورية الحكومية (سانا) أن " سوريا ترحب باتفاق جنيف بين إيران ومجموعة 5+1". وأضافت أن سوريا تعتبر الاتفاق بأنه " تاريخي" وأنه يحافظ على مصالح الشعب الإيراني الشقيق، مضيفا أن الاتفاق يعترف بحق الشعب الإيراني في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. وقال المصدر إن سورية ترى أن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق هو دليل على أن الحلول السياسية للأزمات في المنطقة هي أفضل وسيلة لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة بعيداً عن التدخلات الخارجية والتهديدات باستخدام القوة. " سوريا تهنئ الشعب الإيراني الشقيق والقيادة الحكيمة على هذا الإنجاز التاريخي الذي يكرس دور إيران في استقرار وأمن المنطقة ".
التعليقات (5)