تجارة الفن والعقلية البدائية في تعاطي الثورة معها..!

تجارة الفن والعقلية البدائية في تعاطي الثورة معها..!
خلال معرض رسوم "كفرنبل ثورة ورسوم" الذي أقيم في العاصمة الفرنسية -باريس- منذ فترة وجيزة, رفض القائمين على المعرض بيع اللوحات للجمهور, احتراماً لرغبة أصحاب الرسوم التي يعتبرونها إرث وذاكرة وطنية ليست للبلدة فحسب وإنما للثورة وسوريا, هذه مشاعر نبيلة نكن لها كبير الود والاحترام, ولكن من قال أن عرض اللوحات للبيع في المعارض والكالريات والمزاد العلني ينقص من قيمتها كذاكرة وطنية واخلاقية, إنها شكل من أشكال الثقافة المنتشرة في أوروبا والعالم قاطبةً, إنها شكل آخر للفن لا ينقص من قيمته بل يوظف ما يجنى في دعم مسيرة رقيه, ومسيرة القضايا المحقة التي يخدمها.

اكتفى القائمين على المعرض بجمع تبرعات خلال المعرض, والمبلغ الذي جمع كان هزيلاً لدرجة أنه لم يغطي حتى جزء من تكاليف نقل اللوحات وصيانتها من أجل العرض, وسبب الامتناع عن البيع في جوهره يكمن في ثقافة الخوف السائدة لدى الناس من اتهامهم أنهم يتربحون على حساب المكاسب الثورية ذات البعد الفني والإبداعي.

خلال حالات مماثلة لشعوب قامت فيها ثورات وتعرضت لمنعطفات مهمة في تاريخها,استعملت صالات العرض والمزادات العلنية كتجارة مشرعنة لجمع مبالغ من المال تساعد في الجوانب الإغاثية والإنسانية الصرفة, ويمكن استحضار أمثلة كثيرة من الذاكرة السحيقة وشقيقتها الذاكرة القريبة, ويمكن اعتبار المزاد العلني الذي أقيم في معهد العالم العربي في باريس منذ شهور, وجني على خلفيته مبلغ يتجاوزال100ألف يورو, جراء بيع لوحات تبرع بها عديد الفنانين السوريين والعرب, ووظفت تلك الأموال في دعم العمل الإنساني والإغاثي, هذا المزاد إحدى الأمثلة من الذاكرة القريبة التي يمكن استحضارها للتدليل على ما ذكر آنفاً.

الاستثمار في هذا السياق الفني والثقافي أكثر جدوى واستقلالية وجدوى من الاعتماد على الأموال التي تأتي عن طريق ما يسمى دعم المشاريع المدنية, والتي يسودها الكثير من الأجندة الغير وطنية وسوء الإدارة, وتوظيف الفني والثقافي في ميدان الدعم الإنساني والإغاثي, لا يعني بالتأكيد جمع أموال طائلة ولا تشكل ثورة مادية, ولكن يمكن الاعتماد عليها في دعم مشاريع نحن في أمس الحاجة لها. وهذا السياق من الاستثمار لم يوظف لا من جهة المعارضة الرسمية ولا من جهة الوسط الثقافي والإبداعي والمدني على قدم المساواة, عدا بعض الاستثناءات التي لا تتعدى كونها فردية لا ترقى للظاهرة.

ولتجسيد أحد الأمثلة الحية على عدم جدية المعارضة الرسمية في هذا الميدان, عرض المصور الضوئي السوري, صاحب الشهرة العالمية "عمار عبد رب" على إحدى الشخصيات المعارضة البارزة, إقامة معرض يكون ريعه بالكامل لصالح دعم المشاريع الإنسانية والإغاثية, ولكن الجهة التي عرض عليها الفكرة لم تكن على استعداد لتبني المشروع بدعوى عدم وجود التمويل اللازم الذي يغطى تكاليف المعرض, علماً أن تكاليف المعرض كانت ستكون زهيدة جداً, مقارنة بالمردود الذي يتوقع له أن يكون كبير إلى حد ما ,حيث أن "عبد ربه" صاحب صورة مقبل عليها من قبل الجمهور الفني الفرنسي.

المثال الأول المستحضر من ذاكرة معرض "كفر نبل ثورة ورسوم" والمثال الثاني المستحضر من فكرة تجربة المصور الصحافي عمار عبد ربه, يظهران مدى راديكالية تعاطينا مع تجارة الفن ذات الصيت والحضور الكبير في أوربا وأمريكا, ويجعل منا أسرى لذاكرة طهرانية ذات شكل بدائي وقبلي, لا يمكن التعويل عليها في دعم قضايانا المصيرية.

*مراسل صحيفة "أروينت نت" في باريس

التعليقات (1)

    الأخوين ملص

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    كلام مهم جدا و يارب يأخذ بعين الاعتبار و تحية ل كفر نبل الرائعة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات