وعند البحث في قرارات حكومة النظام، لم أجد أساساً لهذا القرار، أو القانون، الذي تبنته جهة مجهولة لم يُعرف هدفها، ولكن الطامة الكبرى هي أن هذه الإشاعة انتشرت على الصفحات، كما النار في الهشيم، مما أجج المشاعر الثورية بين الثوار المتواجدين على الفيس بوك، و تباينت ردات الفعل بين مندهش من القرار، ومروّج له على أساس أنها خطوة في عمق الصفقة التي بدأها النظام من بيع لسوريا، وهناك من لم يهتم للأمر أساساً!
مما لاشك فيه أن مثل هذه القرارات تحتاج إلى الكثير من التمهيد لاتخاذها، خصوصاً أن هذه القرارات غير دستورية، إلا أن من اعتاد على نظام مجرم قتل آلاف السوريين، ودمّر ثلث البنية التحتية للدولة، لا يستبعد عنه أن يقوم بعملية تغيير الشعب، خاصة وأنه بعد أشهر قليلة من بداية الثورة، وبعد أن ظهرت فكرة "الشعب يريد إسقاط النظام"، سرت جملة داعبت مخيلة مؤيدي الأسد الابن تقول: "النظام يريد إسقاط الشعب" و بدؤوا يتندرون بها لمقارعة معارضي النظام المجرم.
الحقيقة أن ما فعلته الإشاعة في النفوس كان مفاجئاً جداً، وما تبعها من ردات للأفعال، أظهر هذا الوجه السيئ لوحدة الشعب السوري، وأسقطت شعار "الشعب السوري واحد"؛ خرج علينا الإسلامي عن طوره و بدأ يفند أن مثل هذه القرارات لا معنى لها على الصعيد الفكري، فالانتماء إلى أي قومية هو استهتار بالدين، وهذه الحدود التي رسمتها الدول الكافرة في بدايات القرن العشرين، لا تعني شيئا أمام عالمية الإسلام، ووجوده في هذا العالم الكبير، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى حدّ القول بأن "لا أتشرف بكوني سوري، فأنا مسلم، وهذا نهاية المطاف, فليسقطوا الجنسية، لأنني أسقطتها قبل أن أسقط هذا النظام المجرم والكافر"، وذهب إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبر- هذا الإسلامي- أن "النشيد السوري "حماة الديار" إنما يكرّس حكم الطغمة العسكرية الفاشلة، و نحن نريد أن يمثلنا نشيد إسلامي بدل هذا الكلام الفارغ، غير المترابط من حيث الفكرة والهدف، لإنشاء دولة خلافة المسلمين".
إلا أنه، وفي الجهة المقابلة للمطالبين بتغيير النشيد السوري، يطل علينا وزير الثقافة الأسبق رياض نعسان آغا، الذي لطالما تغنى بهذا النشيد، لتتمخض أفكاره الفذة عن فكرة المطالبة بنشيد "في سبيل المجد" ليكون النشيد السوري، ظناً منه أنه بهذا يكون قد أمسك العصا من الوسط، ما بين الإسلاميين الذين يريدون تغيير النشيد، والعلمانيين الذين يرفضون التغيير، فغير النشيد بطريقة تتسق مع روح نشيد "حماة الديار".
أما العلماني القومي، الذي تغنى بالأغنية الشهيرة" سورية يا حبيبتي" على مدى عقود، حتى أصبحت هذه الأغنية حملاً ثقيلاً على كاهله، فقد بدأ يتخوف من مفهوم دولة الخلافة، إلا أن هذا الخوف لم ينسه أنه سوري حقيقي، ولا يعتز بالجنسية السورية التي تحمل شعار سوريا الأسد – أعتذر على العبارة - وأنه يرفض جنسية سورية" بلا حرية وكرامة" بعد أن كان قد خرج من أجلها في 15 اذار 2011.
في عقيدة هؤلاء العلمانيون، أن هذا النظام سقط منذ ذلك التاريخ، إلا أن إيران وروسيا هما من تؤخران هذا السقوط، لذلك..من وجهة نظرهم أنه من غير الممكن لشخص باع نفسه للدول المجرمة أن يسقط جنسية الشعب صاحب الشرعية الحقيقية في الأرض!
أما ثوار "الفيس بوك" من الأقليات، فلم تزدهر عندهم هذه الإشاعة الملتبسة، فالسوريون الأكراد، وبعد الإدارة الذاتية التي أعلنوها من طرف واحد- كما أزعم- وإيجادهم ما يسمى بـ "غرب كردستان" بقيادة "صالح المسلم"، سوف يعتبرون أنفسهم خارج هذا التهديد غير المنطقي، فهم إما أكراد غير حاصلين على الجنسية السورية التي طالبوا بها على مدى عقود و ترجمت من خلال ثورة الأكراد في 2004، التي تم انهاؤها بالعنف ذاته الذي دأب عليه النظام المجرم، أو أنهم من الأكراد الحاصلين على الجنسية، وهم أيضاً لا يعنيهم الموضوع، كونهم أصبحوا ضمن الإدارة الذاتية الكردية، وهي مناطق غير مسيطر عليها من قبل النظام، بمعنى آخر: "هم غير معنيين بهكذا قرارات".
قد تكون بقية فئات الأقليات ممن التزموا الصمت غير متأثرة بالقرار، بسبب أن معظمهم ما زال داخل سورية، أي تنطبق عليهم شروط الجنسية، لكن من السخرية بمكان أن يعتبر الكثير من الفيسبوكيين ممن هم تحت أسماء حركية أن مثل هذه القرارات السخيفة لا تطال اسماءهم الحقيقية، وليسقط النظام الجنسية عن أسمائهم الحركية..
هذا ما جعل السخرية على قرارات كهذه هو الحد الفاصل بين التصديق لصدور هذا القرار، والتكذيب .. وبالنتيجة.. مع أول إشاعة خرافية، ظهرت هذه الفروقات بين أبناء الشعب الواحد، و بات مفهوم الانتماء في خبر كان!
التعليقات (8)