عندما يغيب النقد.. تطفو النخبة المصطنعة!

عندما يغيب النقد.. تطفو النخبة المصطنعة!
حينما أقام أحد الرسامين السوريين بضعة معارض وأجرى عدة ظهورات إعلامية متلفزة وأخرى مسموعة والثالثة مقروءة, أصبح بمرتبة رسام العصر, وليس على أحد أن يقرب من قيمة منتجه الإبداعي واشتغالاته.. شخص جلبه الفكر السياسي من العدم ليملئ فراغ ذو بعد هامشي, أصبح مفكراً وناقداً وصاحب سطوة, لا يحق لأي كان أن يقرب من سطوة حضوره.. مصور ضوئي عرض في عدة محافل دولية على الهامش الاستشراقي والمثير ولزوم التمثيل, أصبح سيد المشهد ومحرك بوصلته إعلامياً!.

إذاً السياق الفكري للنقد والمراجعة غائب لصالح حضور سلوك مستحضر من مجاميع الاشتغال البعثي الثقافي القائم, على فعل الاسترضاء وقبول كل شيء تحت بند قسري يبيح للمثقف بوصفه نخبة حاز على قبول ورضا السلطة, إنتاج اشتغالاته الثقافية في جو يغيب فيه النقد والمراجعة بوصفه ملحق بالسلطة, وما يجوز للسلطة يجوز له استتباعاً.. إذاً هناك شيء قابل للنقد وشيء آخر غير قابل للنقد, تصنيف يحدد فضاء سلطوي يفرض على الناقد أو المراجع الالتزام باشتراطات قسرية غبر منتجة.

تعيش الحالة الثقافية السورية قبيل وبعد الثورة, حالة مزرية على كافة المستويات, قبيل الثورة إذا قاربت المحرمات السلطوية تخلع عليك الوصفة الجاهزة من التخوين ووهن نفسية الأمة الثقافية والإبداعية, وبعد الثورة إذا قاربت محرمات من يعتبر نفسه -واهماً- حامل راية الثورة الثقافية, يخلع عليك صفة الموروث المرضي من الماضي البعثي, المحكوم بالاشتراطات القسرية الغير منتجة.

الاستقبال الحافل للمنتج عبر النقد والمراجعة الحقيقية, ليس انتقاصاً من قيمة المنتج بل هو تكريماً له, وبينما الاستقبال الحافل القائم على فعل الاسترضاء والقبول الغير مشروط,انتقاص من قيمة المنتج وصاحب المنتج, والحالة الأولى من الاستقبال تحتفي بالمنتج وتقربه من دائرة الجوهر, بينما الحالة الثانية لا تحتفي بالمنتج وتقربه من الهامش.

لا يمكن الحديث عن نخبة سورية, النخبة تتوافر في ظل اشتراطات منتجة, اشتراطات تشتغل في كافة المجالات وتنتج في كافة المجالات أيضاً. ما يمكن الحديث عنه حالات فردانية من الاشتغال الثقافي والإبداعي, أما لفظ نخبة فهو وهم من أدبيات الإعلام, والإعلام يخلعه هنا وهناك لمن هب ودب, ولنفترض أننا صدقنا وهم النخبة, هل يمكن أن نتحدث عن شخصيات على عدة مستويات أحدثت تغييرات بنيوية وحقيقية في مجالات عدة من الاشتغالات, وكان لها حضورها الإنساني الأشمل؟, بالطبع لا, وهذا ما يعزز اقتناعي بضرورة التخلي عن لفظ نخبة, والذي من فرط تكراره أصبح مرض لدى البعض ويحوله لأداة بلطجة ثقافية, ومرجعية لمنح شهادات حسن السيرة والسلوك الثقافي والإبداعي وحتى الأخلاقي, والذي بالضرورة لا يملك منها شيئاً إطلاقاً.

أي منتج لا يخضع للنقد والمراجعة والتفاعل بين المنتج ومنتجه والمتلقي, يصبح المنتج في طريقه للحضور وخلع ألقاب على صاحبه من قبيل مفكر أو روائي أو قاص أو فنان, دون أن يكون قد خضع للتمحيص والمراجعة وطرح الرؤى والأفكار التي تضعه على السكة الصحيحة, هذا الارتجال للألقاب لا يقود لسياق حضاري وثقافي نموذجي, وإنما يخلق سياقات من الوهم وأضغاث الأحلام, إذا تجنبت استعمال لفظ"دونكوشتي", ويصبح المنتج غير قابل للاستقبال الحضاري والثقافي ولا يمكن تصنفيه ضمن بيئة معينة.

سؤال النقد سؤال أبدي تجاهله من قبل بعض المشتغلين في الحقول الإبداعية لا يعني إلغائه, ولا يعني تأبيد السؤال بالمقابل فرضه قسرياً على المشتغلين بالحقول الإبداعية, والمجتمع الذي لا يملك إنتاج أصيل وحقيقي لا يملك بالضرورة نقد أصيل وحقيقي, وحتى نكون قادرين على إنتاج منتج أصيل وحقيقي, علينا أن نشتغل بذات المستوى على وجود حركة نقد أصيلة وحقيقية, فض الاشتباك بين المنتج والناقد يعني أن نعيش حالة اللا الحياة واللا الموت.

وحالة العداء القائمة بين المنتج وصاحبة والمراجع والناقد وأحياناً حتى المتلقي, يمكن إرجاعها بالدرجة الأولى إلى فكرة "الاستبداد الثقافي", والمستمدة من فكرة قبلية كون المنتج أو المثقف يشبه شيخ القبيلة التي لا يمكن مراجعته بقراراته, بالمقابل يكمن السبب الثاني برأي المتواضع, بغياب حالة نقد النقد, بحكم حالة غياب النقد,بالاستتباع لا يمكن إنتاج نقد من دون وجود نقد النقد, الذي يقوم اعوجاجه أو انحرافه عن السكة الصحيحة.

لا أريد سرد أسماء سورية على الصعيد الإبداعي والثقافي, لا تقبل الطرح والمناقشة الموضوعية, وتعتبر أي طرح أو مناقشة موضوعية انتقاص من قيمتها وتجريدها من عباءة شيخ القبيلة, الذي يضمن استمراره بالمشيخة وارتداء العباءة, أن لا ينقص من رأيه ويقابله بالحجة أياً كان, وإلا ستحل به هزيمة نكراء لا يستطيع النهوض من بعدها لكي يرتدي عباءته, وللشيخ أعوان يتولون الرد بطريقة غير مباشرة على مصدر النقاش الموضوعي بطرح هامشي يشغله عن الجوهر, وهؤلاء الأعوان بالغالب الأعم شيء من الموروث الانتهازي والمعتاش على التسلق هنا وهناك, ولديهم باع طويل في هذا المجال.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات