من الطبيعي أن أبتسم ومن الطبيعي أن يقول المرء نعم ربما هكذا تكون الصورة أوضح. ومن المثير أن يتم الاجتماع تحت قبة مجلس الشعب السوري ليدخل بشار الأسد كعادته يلوّح بكلتا يديه مبتسماً فيقف السادة وزراء خارجية الدول الراعية للمؤتمر ليصفقوا ويهتفوا إلى الأبد إلى الأبد ومن ثم يقف السيد لافروف مبتسماً ويقول بالروسية المترجمة للعربية إنه قليل عليك ياسيادة الرئيس أن تحكم الوطن العربي أنت يجب أن تحكم العالم، فيرفع السيد كيري يده ويقول للسيد لافروف "دق كفك هون"، فيضحك السيد نبيل العربي بملء فيه ويعلن السيد الإبراهيمي البيعة وينعم السيد بان كي مون بنوم عميق بعيداً عن قلقه الدائم.
هذا المشهد الدرامي من الكوميديا السوداء في الحقيقة يخفي خلفه الكثير من الأسئلة التي لم تجد إجابات لها، ولربما لن يعثر أحد على إجابات مقنعة، فتصبح مع مرور الأيام حقائق علينا التعامل معها وتقبلها كما هي بلا محددات وبلا ملامح، تماماً كما تقبلنا عبر أكثر من سنتين ونصف من عمر الثورة تدرج الأخبار من استشهاد أفراد إلى عشرات إلى مجازر بالمئات ثم من الرمي بالرشاشات والبنادق إلى المدفعية فالطيران ثم السكود ثم الكيمياوي، وأيضا أخبار وجود حزب الله والإيرانيين والحوثيين والعراقيين وهم يحتلون حاراتنا كواقع علينا تقبله كما هو، وبالمقابل علينا الدفاع والتبرؤ من وجود بضعة مقاتلين هنا أو هناك في صفوف المعارضة، وأن نبرر كيف لشاب ما أن تثور حفيظته وينتقم من قاتله بطريقة غير لائقة. وهكذا سيتكرر المشهد بالنسبة للمعارضة السياسية في دفاعها عن نفسها إن هي رفضت الحضور لجنيف2 والجلوس إلى طاولة تضم قتلة أبناء شعبها فتصبح هي متهمة بعدم النضج السياسي وبالتطرف.
أيا تكن الإجابات التي تقدمها دول العالم عن رؤيتها لما يجري في سوريا فمن المؤكد أن الشعب السوري أصبح يضعها في خانة التهريج السياسي، ومن المثير أنه عندما يتم الإعلان عن مؤتمر ما، يبدأ السوريون على مختلف مستوياتهم باستخلاص النتائج قبل انعقاده بل يتجاوزونه إلى التحضير لمؤتمر قادم غير منظور مستندين على تاريخ غير محترم من تعامل دول العالم مع مأساتهم. وليست هذه المداعبة بأن يعقد المؤتمر عوضاً عن جنيف تحت قبة البرلمان السوري من قبيل الصدفة. فسبق وأن تهكم السوريون على الخطوط الحمراء للسيد أوباما والمجتمع الدولي حين أطلقوا على إحدى جمعهم جمعة "بخطوطكم الحمراء يقتل السوريين" ورافقوها بكثير من الرسومات الكاركاتورية المعبرة كما سبق وأن حمل شباب كفرنبل لوحة مكتوب فيها عبارة "إلى طائف جديد أيها السوريون ولكم في لبنان أسوة" وكان ذلك ذلك بتاريخ 1 ـ 3 ـ 2013 ولا شك بأن مئات وربما آلاف اللافتات والرسومات حملها السوريون تستقرئ المستقبل وتتهكم على ما يجري في كواليس السياسة. ليست الغاية الآن استحضار ذلك ولكن علينا استخلاص نتائج من التجربة المرة مع المجتمع الدولي وكيف تصبح دول مصنفة أنها عظمى أو كبرى عرضة للاستخفاف من السوريين حتى وإن كانوا يتنقلون ما بين لهيب النار والموت وألم المجاعة.
وهنا لابد من إعادة السؤال: هل يصبح جنيف 2 شبيهاً بقبة مجلس الشعب السوري وتطلق من خلاله البيعة وتكون المعارضة شبيهة بما كان يحاصص النظام من مقاعد لجبهته الوطنية التقدمية بأحزابها الكرتونية؟. أم يكون جنيف 2 كحديقة الهايد بارك بلندن حيث يتكلم الحضور بحرية ويعودون إلى منازلهم دون مساءلة. بجميع الأحوال وأيا كانت تلك التوصيفات لابد من التريث قليلا كي لا يتم بث اليأس في نفوس بعض من تفاءلوا بهذا الخيط المرتبط بالمؤتمر ولكن من الضروري أن تصل الرسالة السورية الحقيقية وبلا رتوش، أن الشعب خرج من أسفل قبة برلمان الدمى السوري ولن يدخل أسفل قبة جديدة مهما كان اسمها وأيا كان مهندس الديكور الذي عمل على زخرفتها. فالقبة الوحيدة التي يتقبلها السوريون بعد أن هدمت بيوتهم ودفنوا شهداءهم وسلخت جلودهم هي قبة السماء التي إن نظروا إليها قبلت النجوم جباههم اعتزازا بصمودهم.
التعليقات (2)