بالخلاص يا شباب.. تفردية الاشتغال عن تجربة السجون السورية

بالخلاص يا شباب.. تفردية الاشتغال عن تجربة السجون السورية
لا تأتي تفردية ياسين الحاج صالح من حيث كونه سجين سياسي سابق وأحد شخوص المعارضة البارزة في الثورة السورية, وإنما خصوصية الحاج صالح تتأتى من كونه أوائل الكتاب السوريين الخائض غمار الشأن العام بشكل يمس الخصوصية السورية بمباشرة لا تحتمل تعميمات تفقد النص شيء من أوبهته وجماله ورونقه وفائدته مثلما فعل الكثيرين, إما خوفاً من السلطة و أجهزة أمنه, أو افتقاراً لتجربة سياسية تمكنهم من خصخصة الحالة.

الكتاب القلق

كتاب الحاج صالح الأخير"بالخلاص يا شباب",يصف في جزء من سرديته تجربة السجن السياسي لشاب سوري خلال ثمانينات القرن المنصرم, ولكن يعي الحاج صالح لأهمية أن يكون الخاص ضمن حدود الإحالة إلى عام أكثر إلحاحاً لتكون الموضوعية لغة التأثير بين الكاتب مصدر النص والمتلقي النخبوي أو النموذجي أو العادي للنص"تحيل نصوص هذا الكتاب إلى السجن, لكن ليست كلها عنه".

الجزء الآخر من سردية نصوص الكتاب تحيل بالضرورة للسجن بوصفه اجتماع قسري لعدد كبير من المعتقلين يقضوا فترات متفاوتة من التوقيف "الاحترازي أو العرفي" في سوريا الأسد بين حقبتي1980و1996, خلال هذه الفترات المتفاوتة لا بد أن تعقد تحالفات بين السجن والحياة داخله للاستمرار "ويسترجع بعضٌ منها السجن كتجربة متذكرة".

بينما الجزء الثالث من النصوص يبتكر حالة لم تشهدها الدراسات والنصوص الصادرة عن السجون في سوريا المنشورة سابقاً, يسلط فيها الحاج صالح الضوء على حياة سجناء سياسيين سابقين بعد خروجهم من السجن والصعوبات التي تواجههم في التأقلم والتكيف مع الحياة خارج سياقات السجن بعد انقطاع قسري طويل أحدثه السجن "فيما يتناول بعض ثالث منها جوانب من أوضاع السجناء السياسيين السابقين في سورية".

هذا التنوع النهري المنتظم التدفق يكسب الكتاب أهمية خاصة ومحدثة لا تشبه سوابقه الصادرة عن السجون كما يصف الحاج صالح نتاجه النصي "وهذا يضع الكتاب في موضع قلق. فلا هو يندرج مرتاحاً في خانة أدب السجون, ولا هو بحث اجتماعي, ولا هو كذلك سيرة ذاتية لسجين, ولا هو أخيراً وثيقة سياسية أو حقوقية".

وقائع أساسية

لا بد أن يكون الجانب الشخصي لحياة سياسي في كتاب يرصد تجربته في جزء منها أهمية خاصة, حيث يكون الجانب الشخصي عامل يساعد على فهم حيثيات النص بشكله النموذجي "اعتقلت فجريوم 7/12/1980. كنت في العشرين من عمري, طالباً في السنة الثالثة في كلية الطب بجامعة حلب, وعضواً في الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي. وأفرج عني السبت21/12/1996".

طريق إلى تدمر

"التذكر والنسيان": التذكر حاضر كون الذاكرة هنا أزمة وطنية بحجم أزمة ثمانينات من القرن المنصرم, لا يمكن إلا أن تستحضر في الضمير الجمعي السوري, ذاكرة مثقلة بــ40 ألف شهيد, ذاكرة تعج بصور متخيلة لأمهات وعشيقات وإخوة سلبت حرية آلاف منهم لا يمكن حصرهم خلالها "التذكر صعب حقاً". ومقاومة النسيان حاضرة بشكل أقوى كون هذه الأزمة الوطنية لم تعالج لم يعوض أحد أهالي المعتقلين ولم يعتذر النظام عن أفعاله الجرمية و لم يعد الاعتبار لكثيرين وما زال آخرون لا نعرف عنهم شيئاً "النسيان ممنوع".

"عبور مستنقعات": مجزرة سجن تدمر المروعة حزيران 1980, جثة500-1000سجين سياسي أصبحت دمائهم بحيرات من الصور المفجعة والحزينة نتيجة تصفيتهم من قبل سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد, مستنقع في ذاكرة "هذا المستنقع مستنقعنا نحن: لا نستطيع التحليق فوقه ولا توكيل غيرنا باقتحامه بلدلاً منا, لكن يمكن أن نعبره بحريص أو بطيش. الخيار لنا".

اللجنة: لا أحد من الذين قضوا سنوات طويلة في معتقلات وأقبية نظام الأسد يجب أن يخرج حراً طليقاً فرحاً بحرية مستعادة, كل السجناء يجب أن يخضعوا للمساومة من خلال لجنة أمنية, مساومة على كرامة يجب أن تستلب أن يكون فيها هذا السجين الذي قرع نظام بعد خرجه من السجن حليف للنظام ولو من باب التوقف عن العمل السياسي فضلاً عن مطالبته أن يكون مخبراً يشي برفقاء الأمس من باب إبداء حسن النية اتجاه الدولة "لا أعرف أي حدس ومض في ذهن صنع الله إبراهيم حين كتب روايته الصغيرة اللجنة. لكن ليس حدثاً روائياً ولا مفاجأة درامية أن انتهت لجنته إلى أمر بطل الرواية أن يأكل نفسه, لا , هذا تعريف اللجنة بالذات. اللجنة لا تكون لجنة إلا لأنها تملك هذا السلطان: كلوا أنفسكم!".

"أسوأ من الأسوأ": رافض المساومة سيقع من جديد نهباً للريح التي تؤخذه طوراً نحو الربيع الجميل وطوراً آخراً نحو شتاء صقيع, لا بد أن يصبح سلوك الرفض تحدياً للدولة /النظام وينتج عن هذا التحدي عقوبة جديدة, وسلوك القبول انصياعاً للدولة/ النظام وتثمر حقاً يمنح في صيغة هبه أو أعطية أو مكرمة على طريقة منظومة الدول الشمولية "وطوال خمسة عشر عاماً كان القانون الوحيد أن هناك دائماً ما هو أسوأ من أسوأ.

"مخاوفنا": كان السجن العرفي الذي سيدوم سنوات تتراوح بين أي مدة وأحد عشر عاماً ونصف, كانت المساومات المتطرفة المبنية على فلسفة كل شيء للدولة مقابل لا شيء للسجين".

"اعتقال في الاعتقال": بعد رفض المساومات تأتي العقوبة, العقوبة هنا سجن تدمر الماثل في ذاكرة السوريين كل السوريين -غالباً عدا الغير أخلاقيين والمرضى والمجرمين منهم- ذاكرة منهوبة للقلق والرعب والخوف والإجرام والوحشية, تدمر هذا المكان الذي يجب أن لا يهدم, أن يحال متحفاً يذكرنا بحقبة افتراضاً يجب أن لا تتكرر, يذكرنا بمن مروا هنا من أجل حريتنا وحريتهم التي قضوا أحلى سني عمرهم من كان محظوظاً منهم معتقلاً في أقبيته, وبينما بعض الآخرين ماتوا وهم يدافعون عن أحقية قضايانا الكبرى في التحرر والحرية والعدالة والمواطنة "فقد كانت مجموعتنا المشحونة إلى تدمر في عز مربعانية الشتاء تضم سجناء أنهوا 14عاماً, أو اقتربوا من نهاية أحكامهم التي كانت تتراوح بين 8 سنوات و 16عاماً.

التعليقات (1)

    عمر حكيم

    ·منذ 10 سنوات 6 أشهر
    ترفض الذكرة ان تستقيل ليبقى كل شيئ خاضع للمراجعة والحساب
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات