حيث أدت الانسحابات المتتالية لمنتسبي هذه المظلة السياسية من كتل وشخصيات اعتبارية ومستقلين, وكان آخر الكتل المنسحبة جماعة الإخوان المسلمين, لفراغ الساحة من أصحاب الفكر والمستنيرين, لصالح بقاء لون واحد تجسد عبر"حزب الشعب الديمقراطي" وبعض المستقلين من الموالين والمؤيدين له بلا حدود, لتقاطع المصالح وأشياء أخرى.
وكانت المعركة الإنتخابية الأخيرة للإعلان, فرصة لإحداث قطيعة مع أي حوار حر أو قدرة على نشر مفاهيم حرة لصالح استبداد وطغيان الصوت الواحد, وتكريس ممارسات تذكر بالأمس القريب. حيث أن مشهدية الحضور اتسمت بالطابع العائلي واحتفت بفكر الأبد عبر حضور عديد أعضاء الحزب مع أفراد عائلاتهم أبناء وإخوة أزواج و زوجات وأصدقاء, قيم عائلية حرص المؤتمر على تكريسها لتكون جسور أبد متصلة بين الحزب والعائلة.
ونتيجة للمشهدية السابقة خلت الساحة من المنافسة لتكون النتائج وبفرق كاسح لمصلحة الحزب الواحد وتختزل خصال الرفيقة الحاصلة على المركز الأول للمشاركة في مؤتمر الإعلان العام بالمهجر يختزل في تكريس أواصر وصلات اللحمة الحزبية بين منتسبي الحزب وعائلاتهم, وكون زوجها أحد كوادر الحزب البارزين في السابق, وليصبح بالمقدمات كل أفراد عائلات منتسبي الحزب من الحكماء والمحليين السياسيين والكتاب وأصحاب الفكر الماركسي النير, وأصحاب تاريخ من التخفي والاعتقال والعمل السري, ولتحيل هذه المقدمات إلى نتائج تؤهلهم ليكونوا ضمير وصوت المجتمع.
وكان الحدث بحد ذاته حدثاً سياسياً هشاً, حيث اتسمت النقاشات بالضحالة والمراوغة والضعف حد التطرف نظراً للظرفية العائلية السائدة والصداقات, حيث لا وجود لصحافيين أو مراقبين أو شكل سياسي يغرد خارج السرب.
ومثلما حال مؤتمرات السلف حزب البعث العربي.. كان مؤتمر الخلف حزب الشعب مكان لتعبئة قدرات كوادر الحزب لخوض معركة التحرير والبناء ضد النظام, واتسمت الآراء بغياب النقدية حيال تجديد أفكار الحزب وظهرت الرغبة لدى منتسب الحزب في استغلال الظروف ليكون صوت الخارج هو الصوت العازف والطاغي على باقي الأصوات والألحان, على حساب صوت الداخل لكون الخارج هو القادر والأضمن على ترجمة أفكار الإعلان مثلما يزعمون.
الأحزاب ومنتسبيها ومفكريها ومثقفيها ليسوا هم من يصنعون حركات التغيير في مجتمعاتهم, بل هم ضمائر لهذه المجتمعات وخاصةً الكتل الراغبة في التغيير, وحركات التغيير حينما تكون في الاتجاه الصحيح داخل الأحزاب تكون معبرة بصدق وأمانة عن رغبات مجتمعاتها, وحينما تكون في الاتجاه الخاطئ تكون خائنة لمجتمعاتها, ولا يغيب عن ذهن المتلقي أن حالة الإنتاج الحزبي والسياسي والثقافي تستمد مشروعيتها وغطاءها القانوني من مدى قدرتها على تمثيل اتجاهات ورغبات التغير المجتمعي, وسلوكها تجاه لا يعبر عن التغييرات والرغبات يجعل منها حليفة للأنظمة الحاكمة وباحثة عن مجالات لمصالحها ورغباتها هي لا مجتمعاتها, ومجرد راغبة بالسلطة للسلطة لا راغبة بالتغيير وبالتالي تكون فاقدة لأي غطاء أو مشروعية.
ما حصل في مؤتمر إعلان دمشق في فرنسا, سلوك وممارسات متسقة مع سلوك وممارسات نظام منتفض عليه, مما يحيل من هذه المقدمات إلى نتائج تقول: "أن ما هو منتفض عليه لا يمكن أن يكون, أدوات وممارسات للتغير المنشود ولابد من إنهاء هذه المهزلة المتجسدة عبر كيانات لا تمثل إلا شخوص منتسبيها ومصالحهم, وتبحث عن أغطية ومشروعية تنتزع عبرها مكتسبات سياسية وأيدلوجية ضيقة.
* مراسل صحيفة"أورينت نت" في باريس
التعليقات (3)