فقد نشرت العديد من مواقع الإنترنت مساء أمس أن نائب رئيس مجلس الوزراء السوري قدري جميل غادر دمشق إلى موسكو عبر مطار بيروت أخيراً ولم يعد إلى سوريا، و قيل إنه في إجازة مفتوحة لم تعرف مدتها، وبعد ساعات نشر تصريح لقدري جميل يحمل أكثر من رسالة مبطنة جاء فيها:
"أتكلم عن جنيف بصفتي ممثلاً للمعارضة السورية الوطنية في الداخل، وهذا بحد ذاته تقدم هام"، مضيفاً أن هناك اليوم حراكاً سياسياً كبيراً، فالمهم الوصول إلى جنيف 2".
لعل وجهة النظر الأكثر تداولاً تلك التي ترجح ذهاب جميل إلى موسكو بدعم روسي، وتخليه عن سقف الوطن المنخفض جداً الذي رسمه بشار الأسد لمن يطلق عليهم معارضة الداخل أي "في جيب النظام", مخترقاً سقف الوطن والشهادات التي يوزعها النظام على المعارضين جراء ضغوطاً مورست عليه، بينما يعتبر أحد المتابعين أن المسالة قد تكون فصل قدري جميل من الحكومة الحالية وإخراجها بهذه الطريقة ليكون له مقعداً في حكومة قادمة ربما تُنتج ما بعد "جنيف2" .
بينما يذهب آخر في تحليل ما قام به قدري جميل بأنه خرج من جيب النظام ليكون نداً لشخصيات النظام بدعم روسي "خاص" وليواجه ضغوطات وسطوة أجهزة المخابرات، واختياره لموسكو، لأنها البلد التي تستطيع أن تبقي جميل كواحد من رؤوس النظام على هيئة معارض، مما يجعله شخصية معارضة موجودة داخل النظام تنفذ الإستراتيجية الروسية كمعارض وليس كمسؤول حكومي بعد أن تعرض لضغوط ومضايقات كبيرة.
أحد الصحفيين السوريين يرى أن خروج قدري جميل إلى روسيا ليس إلا إخراجاً جديداً لإعادة إنتاج فيلم من أفلام المافيا السياسية التي نشهدها على الساحة السورية.
كما يمكن القول أن قدري جميل أكثر من مرة خرج عن المسار العام للنظام وجرت الإساءة له أكثر من مرة, وهي قد تكون من الأسباب التي دعته للخروج إلى موسكو، فالمرة الأولى كانت عندما أُجبر قدري على تحريف تصريحه منذ عام ونصف حول وضع الاقتصاد السوري، عندما قال: "إذا بقي الاقتصاد السوري على هذا الحال ثلاثة أشهر فإنه سيصاب بسكتة قلبية", حينها أُجبر قدري جميل على ادعاء أن التصريح تم تحريفه.. ولعل المرة الثانية كانت عندما تواردت أنباء عن رفضه لخطة رفع أسعار المشتقات النفطية، بداية العام الجاري .
أما المرة الثالثة كانت منذ شهر تقريباً عندما تم تسريب خبر عن تعرض قدري جميل للتوبيخ, بل وحتى تلقيه صفعة من قبل رئيس جهاز المخابرات الجوية بسبب التصريحات التي أدلى بها لصحيفة الغارديان البريطانية والتي قال فيها أنه: "لا الأسد ولا المعارضة قادرين على الحسم!".. وطٌلب من قدري جميل الظهور على قناة "روسيا اليوم" بالحُسنى، لينفي ما أوردته الصحيفة البريطانية بعد ساعات من نشر المقابلة.
كل تلك الحوادث وقد يوجد غيرها من الضغوطات، أدت ربما إلى خروج قدري جميل عن طاعة الأسد ولجوءه إلى روسيا لتحصينه أولاً من الإساءات وثانياً تخليه عن دوره في الحكومة كنائب لرئيس الوزراء، والمتابعة مع الروس لإكمال خطة جنيف 2 على رأس المعارضة الداخلية يرافقه حسن عبد العظيم, فمن الملاحظ أن تصريح قدري جميل أمس يركز على أمرين اثنين: الأول أنه يتكلم كونه عن المعارضة الداخلية، وهذا الأمر يشير بوضوح إلى أن جميل تعمد مسألة الفصل بين منصبه كنائب اقتصادي وبين مكانه في المعارضة, أما الأمر الثاني: وردت كلمة "جنيف" أربع مرات في تصريح لا يتجاوز خمسة أسطر وهذا يدلل ويشير إلى إصرار روسي طازج على جنيف 2 ولكن بلسان قدري جميل.
التعليقات (7)