واليوم لم تعد الآثار السورية ضحية قذيفة وبرميل متفجر واستخدام خاطئ، فالقصف الذي لم يوفر القلاع والجسور والمدن الأثرية ليس وحده المسؤول عن دمار البنية التراثية التاريخية لاقدم أرض مأهولة ولمنشأ قصص الحضارات وأبجدياتها، وإنما تمثل الخسارة أيضاً في تلك التماثيل والتحف التي يتم تهريبها عبر الحدود اللبنانية وبيعها في الأسواق السوداء بمبالغ هائلة، من قبل شخصيات توصف بأنها خبيرة ببيع الآثار وتهريبها منذ سنوات وجدت اليوم البيئة الملائمة للنشاط.
تماثيل رومانية وقطع تعود إلى آلاف السنين هي بضائع سورية موجودة حول بيروت، تجارها سوريون ولبنانييون، بعضهم يحترف نقلها عبر الحدود واستبدالها بالسلاح، تربط أغلبهم صلات بشخصيات عسكرية وأمنية كبيرة في النظام السوري.. هذا ما يردده كل من يتحدث عن تجارة الآثار، إلا أن الواضح والموثق هو عبور هذه القطع من مناطق تابعة لسيطرة النظام ومؤسسات أثرية ثقافية يديرها النظام إلى لبنان عبر معابر شرعية وغير شرعية تتبع له بشكل مباشر وغير مباشر.
مراسل جريدة "صنداي تايمز" البريطانية توصل إلى قطع أثرية سورية موجودة بإحدى ضواحي بيروت وتعود إلى آلاف السنين منها تمثال عرض عليه شراؤه بمليوني دولار إضافة إلى قطع أخرى بمبالغ باهظة أكد خبراء من اليونسكو عراقتها وقيمتها الهائلة ومصدرها مواقع أثرية سورية ومتاحف وطنية.
المتاحف لقمة سائغة لدى الشبيح
لا يتوانى أي عنصر مسلح يعمل مع النظام من دخول المتحف بحجة وبدون حجة والحصول على يريد منه بموجب تصريح أمني أو عسكري، وهو بالفعل ما حصل في عدة متاحف وتم تصويره، حيث يقوم جنود نظاميون بدخول إحدى المتاحف وأخذ التحف الأثرية منها، بينما تتجه السيارات المحملة بهذه الآثار إلى بيروت حيث تنتعش السوق السوداء السورية بكل أنواع البضائع، بينما يحذر الانتربول الدولي السلطات السورية واللبنانية من أجل ضبط حالات تهريب الآثار التي باتت واضحة للعيان.
ولم تكن تلك الأساليب في سرقة وتهريب الآثار غريبة عن النظام السوري تاريخياً، فالحدود اللبنانية ذاتها شهدت خلال سنوات سابقة عمليات تهريب كبيرة للآثار تم ضبط بعضها وتم التعرف على المتورطين بها، لتتم محاكمة بعضهم والتغاضي عن آخرين لقربهم الكبير من مؤسسة العائلة الحاكمة .. العائلة التي أفرزت تجار آثار وسلاح استطاعو استغلال مجمل حروب المنطقة في السنوات السابقة فكيف إذاً بحرب في بلدهم.
بالوثائق
تتالت تقارير اليونسكو خلال الفترة الماضية عن قضية دمار الآثار في سورية، وكان آخر ما نشرته هو التنبيه لخطر انهيار خمسة مواقع مسجلة على لائحة التراث العالمي منها قلعة الحصن التي بالفعل دمرت أجزاء منها خلال القصف الأخير على بلدة الحصن، كما أن اليونسكو لفتت أكثر من مرة إلى قضية الاستخدام المسيء للمناطق الأثرية بسبب خروج هذه المناطق عن أي سطة إدارية واستخدامها أحياناً في الأعمال المسلحة، وتبلغ نسبة الآثار المتضررة في سورية خلال عامين سابقين حوالي 65 بالمئة بين أضرار كبيرة ومتوسطة، بينما تشير دراسات أثرية إلى أن ثلث متاحف سورية إضافة إلى 16 موقعاً تعرضت للنهب والسرقة وليس الدمار القذائف وهي مواقع خاضعة لسيطرة النظام وتقدر قيمة المسروقات منها بحوالي ملياري دولار أمريكي.
أسواق أوربية تعرض التحف السورية
لا تكاد تخلو سوق أوروبية شهيرة بتجارة الآثار من بضاعة سورية، بل وإن الحضارة السورية حالياً هي الأكثر رواجاً في تلك الأسواق لاحتوائها على نوادر أثرية قديمة تعقد لأجلها المزادات بالسر والعلن، فمكتب "خسارة الفنون" في لندن أشار إلى وجود عشرات القطع الأثرية في السوق البريطانية وصلت نتيجة الأحداث في سورية على أيدي مهربين ، وأشار المدير التنفيذي للمكتب "كريستوفر مارينيلو" إلى أن سورية ستكون مركزاً لأسوأ عملية نهب في التاريخ".
ضباط متقاعدون، ممولو جمعيات شبيحة ولجان شعبية، قادة في جيش الدفاع الوطني، مهربون سابقون خرجو منذ سنة ونص من السجن بعد مرسوم العفو الجمهوري، عناصر جاهزة لنبش القبور... كل أولئل يشكلون شبكات تربط المصدر "المتحف السوري" مع السوق "مقابي لبنانية" لتوريد المسروقات وعرضها على مقتنين وتجار لا مشكلة لديهم بقطع آلاف الأميال للحصول على قطعة سورية عبرت عصور التاريخ كلها دون أن تفقد ألقها، ثم مكثت في كيس خرضة أسود بسيارة جيب واز يقودها عسكري مقتنع بأن آثار سورية التي يجب أن يدافع عنها هي تماثيل الأسد المنتشرة على مفارق الطرق والساحات العامة وعلى رؤس التلال.
التعليقات (2)