من صفق للاستبداد صفق للكيماوي أيضاً

من صفق للاستبداد صفق للكيماوي أيضاً
لا يمكن لأي ظاهرة أن تمتد وتتوسع وتتعمق من دون المصفقجية والمنحبكجية والتي تجلت سوريا من خلال تمجيد شخص الرئيس في سورية منذ استلام البعث السلطة، فنشأ الزعيم الدكتاتور كتتويج واستثمار أيديولوجي للتصفيق والتأييد لشعارات خلبية رنانة فضفاضة بتحرير فلسطين، لكن الحقيقة المرة ولو بعد أربعة عقود قالت أنه لا تحرير ولا تنمية ولا ديموقراطية بل استبداد مطبق مزمن.

وبالرغم من كل صيحات الدعوة المتكررة والمتألمة والمتعاطفة مع الشعب السوري وهجرته لإيقاف مأساته العظمى، لم يلتفت أصحاب القرار دوليا لهذه الصيحات مكتفين بالإعراب عن عجز المجتمع الدولي عن تحقيق أي شيئ ملموس في إيقاف المجزرة المهزلة، ومصدرين بعض بيانات وتصريحات الإدانة للطاغية، ومتعلقين بمشجب الفيتو الروسي الذي كان يأتي للدفاع عن المصالح الضيقة على حساب دماء الشعب السوري الزكية الطاهرة.

كل هذه المقدمات وكل التحليلات الناقدة للمواقف الدولية وبخاصة الموقف الأمريكي متمثلا بالرئيس أوباما وانسحابه عن تنفيذ تهديده للنظام باستخدام السلاح الكيماوي واعتباره خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه، مهد الطريق لاستخدام النظام كل أنواع الأسلحة ضد الشعب السوري وثورته العظيمة، متدرجا من الهراوة إلى المسدس والرشاش والسلاح المتوسط ومن ثم الثقيل– دبابات وطائرات ومدافع- إلى صواريخ سكود الباليستية والبراميل المتفجرة الجهنمية وانتهاء بالسلاح الكيمائي وآخرها كان بالغوطتين الشرقية والغربية.

إن استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد الغوطتين صبيحة الأربعاء الأسود 21-8– 2013 يُعد بنظر الكثيرين المأساة الأكثر ترويعا منذ ربع قرن وهي حلبجة الثانية كما يقولون.

النظام استخدم هذا السلاح متحديا الشعب السوري عموما ومتحديا خطوط أوباما الحمراء التي أضحت خطوطا خضراء وربما سوداء، والتي دللت كثيرا على رخاوة ولامصداقية زعيم أكبر دولة في العالم، علما أن اللجنة المكلفة بالتحقيق في السلاح الكيماوي كانت موجودة بالقرب من موقع الهجوم ورغم مضي عدة أيام على الجريمة وإرسال مفوضة جديدة للأمم المتحدة إلا أن النظام منعها، حتى قامت إيران بالضغط للموافقة على قبول ذهاب اللجنة لموقع الجريمة المكلفة بالتحقيق، ووافق النظام على مضض وهو الذي أعلن عن عدم استخدامه لها، وهو الذي لم يعلن حدادا بسببها، إذا كان ادعاءه صحيحا باستعمال المعارضة لها، فلماذا لم يدفع اللجنة دفعا سريعا للكشف عن الجريمة طالما أن المعارضة قد استعملها حسب روايته؟، ولماذا لم يناشد العالم للقبض على مرتكبي الجريمة والذين لم تبق تهمة سياسية وجنائية وأخلاقية لم يلصقها بهم (الجيش الحر)؟.

وكما يقولون: لا يمكن حجب الشمس بغربال، فالدول الأهم بالعالم والمؤثرة أكدت على استخدامه هو هذا السلاح، كما أن معلومات المعارضة عبر مؤتمرات صحفية بينت المواقع وأسماء القطعات العسكرية التي انطلق منها الهجوم، والمفارقة العجيبة الغريبة أن النظام ينفي وقوعها أو ينسبها إلى المعارضة المسلحة، دون جواب عن تساؤل مفاده: وهل المعارضة تقوم بقتل أبناء وبنات رجالها الذين يحاربون الأسد؟

لقد ظن النظام بعد أن عجز عن التقدم في الغوطتين عسكريا أن جريمته ستمر كما مرت سابقا باستخدام هذا السلاح أكثر من مرة دون مساءلة، ودون تحقيق، ودون حساب، مستغلا انشغال العالم بأحداث مصر، فاستخدم هذا السلاح المحرم دوليا، وثبتت الجريمة على النظام رغم تصريحات المعلم وغيره من أبواق النظام بنفي ارتكاب هذا العمل الإجرامي.

إن من صفق أربعة عقود للنظام الذي تحول كابوسا يخيم على سورية والدول المجاورة لها على طول رقعة النزوح السوري المؤلمة والجارحة في آن، هو نفسه الذي صفق للنظام طيلة سنتين وأكثر للاستمرار في القتل والتدمير والتهجير، وهو بالتالي الذي صفق لاستخدامه الكيماوي ضد أبناء الشعب السوري البسيط المسالم (توزيع الحلوى في البرامكة وخزان 86 ابتهاجا بالضربة الكيماوية).

ولكي يحافظ العالم على هيبته ولا يعطي مبرراً لدول أو أنظمة أخرى لتكرار المأساة السورية، فهو يجري تحركات محمومة دوليا وقطع للإجازات في هذه الدولة المؤثرة أو تلك للاجتماع مع مجلس الأمن القومي لكل دولة، واجتماع قادة الجيوش للدول المؤثرة دوليا وعربيا، وتصريح لتركيا بالمشاركة بالتحالف الدولي ضد الطاغية حتى من دون مجلس الأمن.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات