أبو جعفر الحمصي لأورينت نت: هكذا تعيش حمص المحاصرة

أبو جعفر الحمصي لأورينت نت: هكذا تعيش حمص المحاصرة
قد لا تخلو نشرة على الفضائيات أو الشبكات العالمية من أخبار عن حمص وما تتعرض له أحياؤها المحاصرة منذ شهور عدة، وفي كل مرة، نسمع ونشاهد خلال الخبر أن قوات النظام قصفت، وأنها تقدمت، وأنها شددت الخناق! مشفوعاً ذلك بفيديو أو تسجيل يظهر أعمدة دخان تخرج من تلك الأحياء.

من الطبيعي، أن يسأل أحدنا كيف لتلك الأحياء المحاصرة أن تصمد، وكيف لما تبقى من سكانها أن يأكلوا ويشربوا، ثم كيف لأحياء مدمرة أن يبقى فيها سكان أصلاً دون ماء أو كهرباء أو غاز، بل، السؤال أيضاً، ألم تنتهِ ذخيرة أفراد الجيش الحر المحاصر هناك، أيضاً، ألم يحن الوقت بعد للنظام أن يقتحم تلك الأحياء التي سويت بالأرض.

أبو جعفر المغربل (أبو جعفر الحمصي) أحد الوجوه الإعلامية في الثورة السورية، والناطق باسم لجان التنسيق المحلية، وفي لقاء مطول عبر كاميرا السكايب، قال: إنه "لم يعد في أحياء حمص المحاصرة إلا من ينتظر الموت، وهم تعداداً لا يتجاوزون 7 آلاف شخص، يراقبون بحزن إعادة تخطيط أحيائهم على أسس طائفية".

ويضيف الحمصي: "إنهم لن يتركوا حمص إنهم يحبونها، هي لازالت جملية بنظرهم"!.. كلام أبي جعفر يحيلنا إلى مقولة للفيلسوف بروست: "لندع النساء الجميلات للرجال الذين لا خيال لهم"، كذلك لسان حال هؤلاء، فهم يروا في مدينتهم على ما يبدو شيئاً لا نراه نحن، خرابها، ودمارها ربما يترك مستقبلاً في أنفسهم لم تبصره عيوننا.

أبو جعفر يستذكر قصة لشباب في أحد أحياء حمص الراقية، فيقول: "كنا في حي الإنشاءات وبرفقتي ابن خالتي، وشخص آخر وقد كنت أحمل كاميرتي لأصور ما قالوا إنه عملية نوعية هم في صددها"، ويتابع: "ضغطت على زر تشغيل الكاميرا وبدأت التصوير فإذا برصاصة رشاش ثقيل تخترق جسد ابن خالتي، فتركت الكاميرا وهممت بمساعدته، فقال لي وهو ينازع سكرات الموت: "أبو جعفر تركني وكمل تصوير شو ما حدا استشهد غير أنا!"... وفي قصة أخرى يقول الحمصي: "كنت مع أصدقاء لي في عملية اعتقدنا أنها بحاجة لأشخاص خشنين مثلنا وأقوياء بدنيا، فتصادفنا بشاب ناعم كان قد سرح شعره بطريقة نعتبرها بالمسمى الشعبي "مودرن"، ويرتدي جينز، وكنزة فيوحي للناظر إليه أنه شخص ضعيف لم يرَ من الدنيا غير عطف والديه... عندما اقتربنا منه حذرنا من دورية للنظام في المنطقة، وقال: ابتعدوا لأنه من الممكن أن يحصل لكم مكروه فابتسمنا وتجاهلناه، وأخذنا مكاناً لنا في إحدى الحدائق. وفجأة سمعنا صوت رصاص كثيف! فهرعنا لمصدر الصوت فوجدنا أن ذاك الشاب قد تصدى لتلك الدورية وقتل منها شبيحين، وراح يجري مسرعاً حتى نذهب لمكان آمن"..

استطرد الناشط أبو جعفر في شرح أسباب صمود السوريين في حمص، ومضيفاً إلى شجاعتهم، وحبهم للموت، أسباباً أخرى تتعلق بحيلتهم على الحصار! وذلك بشق الأنفاق، وإيجاد طرق من أجل نقل المعونات من طحين وغذاء وأحياناً كثيرة السلاح، وفي هذه النقطة بالتحديد يقول الحمصي: "يؤخر تقدم الحر في كل مكان وحمص خصوصاً نوعية السلاح، فالمقاتلون المرابطون على الجبهة يقاومون بأسلحة أٌضعف بمرات عدة من سلاح النظام"، ويضيف: "جبهة النصرة متواجدة في تلك الأحياء المحاصرة ومقاتلوها أشداء لكن لا يختلف تسليحهم عن تسليح باقي المجموعات". كما ترفع أبو جعفر الحمصي عن العتب لباقي المحافظات السورية في نصرة حمص وأهلها، وقال "يكفي السوريين ما هم فيه، فكل محافظة تواجه من الموت والدمار ما يكفيها"، ودعا أن يكف البعض عن توجيه العتاب على التأخر في نصرة حمص.

يبتسم أبو جعفر الحمصي وأصدقاؤه في المكتب الإعلامي عندما سألناهم ماذا تأكلون على وجبة الفطور، وغيرها وفي العشاء!... فقال:" -صوت قذيفة مقاطعة- عندنا 3 دجاجات لا زلنا نرعاها في المكان الذي نحن فيه، نعيش من خيرها، وخير بعض البساتين حيث تنبت بعض الحشائش التي يمكن طبخها مثل: الخبيزة، وغيرها"، ويذكر أنهم بقوا يأكلون الفول لمدة شهرين كاملين حيث يحصلون عليه بعد مشوار محفوف بالموت من أرض زراعية تجاورهم، ويتابع الحمصي مازحاً: "كنا نخرج على الفضائيات وقد أخذ الفول تأثيره على تركيزنا".. ويضيف صديق للحمصي: "وبعد الوجبة ندخن سجائر التبغ العربي أو ما يعرف "باللف" فهي الأبقى في أجواء المعارك"، ويضع صورة علبه الدخان على كاميرا السكايب، ويقول: هذه من راتب بندر بن سلطان!

الغرفة التي يعيش فيها هؤلاء الناشطون غير مكتملة البناء، مفروشة ببساط واحد، وعلى الجدار علم الثورة المشهور بظهوره كخلفية لأبي جعفر الحمصي في كل مداخلة له على التلفزيونات، ويمد تلك الغرفة بالطاقة مولدة صغيرة، ولمبة ضعيفة الإضاءة، كما يمتلكون وبحسب ما قالوا إناء كبيراً "طست" من أجل غسيل ملابسهم... حالهم يستدعي القول: إنهم بشر يُعرفوا بما فقدوا وليس بما يملكون.

الحوار الذي جرى مع هؤلاء الناشطين من تلك المنطقة الخطرة كان تحت عنوان إنساني بحت، لكن لم يمنعنا من أن نعرف موقفهم تجاه مبادرة جنيف2 التي دعا إليها الروس والأمريكان مؤخراً؛ حيث أبدوا جميعهم رفض الحوار مع النظام إلا بمفاوضات تؤدي إلى رحيل النظام بكامل رموزه ومحاسبة المجرمين منهم.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات